الخميس 23/مايو/2024

نصر حماس واقعي وعباس زعيم من ورق

نصر حماس واقعي وعباس زعيم من ورق

فتح ماتت مع موت عرفات، والتمسك الإسرائيلي والأمريكي والأوروبي بها أوقع الضرر في يوم الانتخابات للمجلس التشريعي قبل نحو سنة ونصف السنة، حيث بدأت مداولات المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، وفي وجبة عشاء في احد الفنادق، وبينما يتراكم الثلج في الخارج ووجبات لحم الضان الطري تنقل إلى الطاولات، رن هاتفي النقال لوصول بلاغ يقول: حماس على ما يبدو انتصرت في الانتخابات، الصورة النهائية ستتضح في الصباح كيف يمكنكم أن تقدروا منذ الآن من انتصر؟

سألتُ المهاتفين أن رجال فتح خرجوا في حملات فرح وهم يطلقون النار في الهواء ، أجابني من أجاب: فتح منظمة متعفنة وعديمة الجدوى، تعد واحدة من سلسلة طويلة من الحركات والمنظمات للتحرر الوطني التي نشأت كالفطر بعد المطر في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، بعضها كان بالإجمال من منتجات جهاز المخابرات السوفييتي الـ كي.جي.بي الذي حرص علي اختراعها وتكيف خريجيه برئاستها، والتحرر الذي تطلعت إليه هذه الحركات كان يستهدف بالأساس ضعضعة ثقة الغرب بذاته.

ومع انهيار الاتحاد السوفييتي انحلت حركات التحرر الوطني ، باستثناء الفلسطينية منها وان كان يمكن توقع بأن يحصل هذا بعد اتفاقات أوسلو، وهذا ما حصل بالفعل، ولكنه استغرق 14 سنة أخرى، إطالة الحياة بعد الموت لفتح يسجل في صالح ياسر عرفات وحده، الرجل الذي شعر جيدا بنهاية الحركة التي كان يقف علي رأسها، ولهذا فقد أثار الانتفاضة الثانية، مع موته ماتت فتح أيضا.

نصر حماس في الانتخابات في الضفة وفي غزة في نهاية يناير 2006 كان بالتالي نتيجة مسلما بها لنزول فتح القديمة عن منصة التاريخ، لم يكن ممكنا منع هذا الأفول، ولكن كان يمكن خلق ظروف الا تكون بديلة فتح هي حماس بل حزب فلسطيني سياسي معتدل، أما التمسك الإسرائيلي، الأمريكي والأوروبي بحركة فتح، حتى وان كان واضحا للجميع بأن أيامها محدودة وقيادتها عاجزة، فقد أوقع الضرر.

كنت شاهدا علي ذر الرماد في العيون هذا في دافوس المثلجة لعام 2006، سمعت الوافدين إلى المؤتمر من الولايات المتحدة ومن أوروبا الغربية يحثون أعضاء الوفد الفلسطيني علي ان يواصلوا التمسك بقوة بقرني المذبح السلطوي، لان الغرب سيحافظ عليهم، ونحن لن نعطي المال لحماس بل لكم فقط، وإسرائيل الرسمية، بعد تردد قصير، انضمت إلى ذات الموقف، وهكذا حصل أنه رغم نصرها في الانتخابات لم تتسلم حماس الحكم الذي تستحقه، وفتح تصرفت وكأنها لا تزال هي رب البيت.

ولكنها كانت رب بيت بائسا، غير شرعي، مهانا وعديم القدرة علي إقرار القانون والنظام، ومن الخيارين اللذين كانا علي جدول الأعمال في بداية فبراير 2006 حل حماس بالقوة وشطب انتصارها في صناديق الاقتراع او التسليم بالنصر، وبالنقل الكامل للسيطرة في فلسطين إليها، وتم اختيار طريق ثالث: عدم عمل شيء والتظاهر فقط وكأن حماس لم تنتصر، ومقاطعتها ودعم ابو مازن، الزعيم من ورق، فهل تحررنا من الوهم الذاتي؟

يبدو أن لا، حسب ردود الفعل علي الأحداث الدموية في غزة: مرة أخرى نتعلق بأبي مازن ومرة أخرى نواسي أنفسنا بقوة فتح في الضفة من غير اللطيف القول، ولكن في المعركة علي السيطرة علي غزة الحق مع حماس، فهي كارهة لإسرائيل، لكنها انتصرت في انتخابات ديمقراطية وكل رغبتها هي في تحقيق انتصارها، حماس لم تحتل غزة ، بل نفذت العمل السلطوي اللازم: نزع سلاح وتصفية أجهزة أمن لم تقبل بإمرتها، حماس تتطلع إلى خلق الوضع المنشود في سلطة واحدة وبندقية واحدة، في غزة أولا، والضفة في السياق، وكل ذلك وفقا لجدولها الزمني، الواقع، عندما يطاح به، يعود بقوة أعظم ويتوحش مع المطيحين به.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات