الأحد 28/أبريل/2024

القسام.. سرّ النكهة المختلفة والوقع المتفرد !

لمى خاطر

كان لافتاً جداً بعد الضربة القسامية الأخيرة، كيف أن كل الأنظار الإعلامية والسياسية استنفرت وشخصت ببصرها نحو المستجد الجديد على الأرض.. والمتمثل بنزوع حماس مجدداً نحو ترجمة قولها فعلاً أدهش كل المتابعين وأربك كثيراً من الحسابات وأسقط العديد من المراهنات.

قد يتساءل كثيرون حول مغزى وأسباب كون وقع الفعل القسامي مختلفاً عن وقع أفعال غيره، ومتفرداً في أثره ومعانيه ومضامين الرسائل التي يحملها، فصواريخ حماس الأخيرة، حتى وإن لم توقع إصابات مادية كبيرة، إلا أنها استنفرت العالم كله واستدعت ردود فعل كثيرة محلياً وإقليمياً ودولياً.. وهذا دون شك ليس شططاً ولا مبالغة في تقدير حجم الفعل الحماسي المقاوم ولا إنكاراً للجهود المقاومة الأخرى.. لكن نظرة فاحصة لمجمل المشهد الفلسطيني وبؤرته المحورية – حماس – تسعفنا دون شك بإجابة مقنعة وتبين لنا لماذا يمتلك اسم حماس كل هذا الزخم التأثيري ولماذا تحمل الشرارات القسامية كل ذلك الوهج ولماذا يتجاوز ألقها حدود فلسطين فيلقي بظلاله على العالم بأسره وينعكس على الكيان العبري فيقرع لديه نواقيس الخطر ويشعل في ثناياه رائحة الخوف وهاجس الموت من جديد.

ويمكن إجمال تلك العوامل والأسباب في النقاط التالية:

* إن العالم كله قد خبر كلمة حماس وأيقن مدى انسجام قولها مع فعلها ووعدها مع وفائها المستحق طال الزمن أم قصر، ولو مررنا على العام الأخير فقط فسنرى كيف أن عملية الوهم المتبدد جاءت الترجمة الأولى لقول حماس إن دخولها النظام السياسي من أوسع أبوابه لن يحملها على إدارة الظهر للمقاومة والتنكر لها أو طي صفحتها، تماماً كما أن تلك العملية كانت ترجمة لوعد حماس القديم الجديد للأسرى بأن تبذل لأجل تحريرهم كل غالٍ ونفيس، هذا الوعد الذي ما فتئ يتجدد مع كل عملية أسر سعت حماس لإنجازها منذ العام الأول لانطلاقتها.

وها هي تلك المؤشرات الجديدة على توجه القسام نحو تصعيد المقاومة تذكر الجميع بقول الأستاذ خالد مشعل فيما يتعلق بخيار تفجير انتفاضة ثالثة في حال استمر الحصار واستمر تنكر العالم لحقوق شعبنا، وفي حال عجز المسار السياسي عن تحقيق الحد الأدنى من المكاسب الوطنية على ذلك الصعيد.

* إن التصعيد القسامي في مجال المقاومة يساهم كل مرة في دحض الفرضيات البائسة التي تجتهد دوائر التحليل السياسي والنفسي في وضعها والتسويق لها، والمتعلقة بسلوك حماس وخياراتها المتوقعة وإمكانية تحولها ونزوعها نحو نفق تغيير الجلد والتخلي عن الثوابت الذي سار فيه غيرها. كما يسقط رهان كل الأطراف على أن أولوية حماس تتمثل في تثبيت أقدامها في السلطة والانشغال ببريقها واستصعاب حمل البندقية أو التخوف من تبعات الرد على جرائم الاحتلال!

فمن يراهن على أن حماس ماضية في طريق التعلق بالوهم والمراهنة على سراب السلام لا يلبث أن يعاجَل بصفعة قاسية تربك كل ما صنع وتبين له عوار منطقه وحجم جهله بحماس كفكر وتنظيم ومسار..

وحري بمن دأب على إسقاط تجربة فتح على حماس ورسم سيناريوهات المستقبل الحماسي استناداً إلى المراحل والمنعطفات التاريخية التي مرت بها فتح أن يبحث لنفسه عن صنعة أخرى أو أن يحاول أولاً فهم كينونة حماس والبحث في أسرار قوتها ومكامن ثباتها وعوامل تميزها. 

* إن الانضباط وقوة الالتزام التنظيمية لدى أبناء حماس وأفراد جناحها العسكري تعطي فعلها زخماً وقوة كبيرين، فليس ثمة جيوب تنظيمية تغرد خارج السرب ولا تشكيلات متعددة ينقض الواحد منها كلام وفعل الأخرى، ولا مجال لأن تبرز قيادات متعددة يبحث كل رأس منها عن نجومية شخصية ويجهد نفسه في الجري وراء الكاميرات وإطلاق التصريحات الطنانة فاقدة الرصيد والتأثير.

فالكل لدى (القسام) ملتزم بتوجيهات قيادة عسكرية واحدة، فيمضي نحو الميدان صفاً واحداً متماسكاً، وحين تفرض الظروف الميدانية محطات للتهدئة ينشغل هذا الكل بالإعداد والتطوير وتنظيم الصفوف ولا يترك نفسه عرضة للاستنزاف الدائم.

وهذا كله يورث التنظيم قوة كبيرة دون شك ويعطي كلمته الواحدة المتماسكة أثراً عميقاً لا يمكن أن نجده عند التنظيمات المفككة أو المترهلة ذات الخطابات المتناقضة والمواقف المزدوجة.

* ثمة عامل آخر متعلق بالنقطة السابقة، وهو توحد المستويات الحماسية المختلفة في رؤيتها ومواقفها وإطارها الناظم العام، فليس هناك أصوات نشاز داخل حماس تخرج لتشنع على المقاومة أو لتطرح رؤى غريبة منكرة، فالسياسي يقف مدافعاً عن المقاومة ومسوقا لها، والعسكري يدعم الخط السياسي وينسجم مع توجهاته ويحترم كلمته ويعمل ضمن إطارها.

وحين يقف رئيس المكتب السياسي لحماس أو أي من أعضائه ليؤكد على خيار المقاومة ويلوح به كخيار ناجز في حال تلبدت كل الآفاق السياسية بالغيوم يدرك العالم كله أن كلمة حماس قوية ورسالتها واضحة وأن بدائلها حاضرة على الدوام وأن خياراتها غير عقيمة ولا مرتهنة لأي طرف كان.

* إن رد حماس العسكري ينعكس ليس فقط على الخطاب السياسي للحركة بل أيضاً يلقي بظلاله على خطاب الحكومة الفلسطينية التي ما زال يجري العمل – إسرائيلياً وأمريكياً – على تطويعها وفرض إملاءات الخنوع على برنامجها، وإلزامها بتنفيذ استحقاقات رفع الحصار عنها.

ففي الوقت الذي يتفنن فيه العالم في فرض الشروط التعجيزية على حكومة الوحدة الفلسطينية نظير سماحه برفع الحصار عنها.. يخرج الخطاب الحكومي بعد العملية ليلقي الكرة في الملعب الصهيوني ويحمله مسؤولية أي رد قادم للمقاومة، فيما ينتهج منطق الدبلوماسية نهجاً مغايراً لنهج التذلل والمهانة، فيتم التأكيد على أن التهدئة كانت نابعة من حاجة وطنية ولم تأت سابقاً من منطلق تنفيذ التزامات أمنية مشبوهة تقايض الحقوق والسلاح بالمال والامتيازات .. وهذه بلا شك لهجة جديدة لم يألفها المنطق السياسي الرسمي الفلسطيني سابقاً وهي مقلقة جداً لإسرائيل لأنها تدلل بوضوح على أن حماس نجحت في التأسيس لخطاب فلسطيني جديد ومتماسك نوعاً ما وفي رفع السقف السياسي للسلطة ولمجمل الموقف الفلسطيني.

* لا يغيب عنا أيضاً أثر العامل الإعلامي لدى الجهاز العسكري لحماس تحديداً، وكيف أن المكتب الإعلامي للقسام وخصوصاً في غزة يتقن دائماً أصول الخطاب الإعلامي العسكري، ويحسن بث رسائله بقوة وتميز ووضوح وانسجام، ويحسن متابعة مواقفه وتوثيق خطواته وتنظيمها والمتابعة الحثيثة لفعله في الميدان وإخراجه بلون إبداعي بالغ التأثير وقادر على فرض مصداقيته ضمن مختلف الأوساط الإعلامية التي تتابعه وتعتمده كمصدر موثوق.

كل هذه العوامل وغيرها تجعل للفعل القسامي على الأرض وقعا مختلفا وأثراً متفردا، وتنصّب القسام – صاحب السجل الأضخم عطاءً وتضحية – رأس حربة للمقاومة في فلسطين وتجعله مثالاً للاقتداء لدى كل قوى التحرر، وتثبته كرقم صعب في المعادلة الفلسطينية والإقليمية وورقة قوة كبيرة يمكن استخدامها وتوظيفها بما يتيح للعمل المقاوم بمجمله أن يغدو مشروع الاستثمار الأكثر جدوى على طريق التحرير وتحقيق الإنجازات الوطنية بعدما كان دائماً على مر التاريخ الفلسطيني عرضة للتبديد والإضعاف أو ركوب موجته لولوج متاهات الانحراف السياسي والوطني.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

اشتباكات ومواجهات مع الاحتلال في الضفة

اشتباكات ومواجهات مع الاحتلال في الضفة

الضفة الغربية- المركز الفلسطيني للإعلامواصلت قوات الاحتلال عمليات الاقتحام والمداهمة لقرى ومدن الضفة الغربية، فجر الأحد، وسط عمليات اعتقالات وتصدي...