الأحد 28/أبريل/2024

أسرى الحرية

أسرى الحرية

صحيفة الخليج الإماراتية

لا تخلو أسرة فلسطينية من أسير أو أسيرة لها في سجون “إسرائيل”. وربما تجاوز عدد الأسرى والأسيرات من كل أسرة إلى ثلاثة أو أربعة أفراد في وقت واحد. ويمكن القول في هذه التراجيديا الفلسطينية المستمرة منذ العام 1967، إن كل الشعب الفلسطيني بمختلف أجياله وانتماءاته وشرائحه الاجتماعية، قد مرّ بتجربة الأسر والاعتقال، وهو لا يزال يمرّ بها يوماً إثر يوم، بل ساعة تلو ساعة، كأنها إرث محتوم ومتواصل من الجد إلى الأب إلى الحفيد، دون أدنى توقف أو انقطاع.

الآن، يبلغ عدد هؤلاء الأسرى والأسيرات حوالي عشرة آلاف، بينهم الشيوخ والمسنون وبعض من مضى على اعتقالهم أكثر من ربع قرن. وبينهم الأطفال والأمهات. وبينهم المرضى والمعاقون. ورغم الصمود الأسطوري لهؤلاء الأبطال في زنازين وأقبية الاحتلال “الإسرائيلي”، جيلاً بعد جيل، إلا أن قضيتهم تبقى بالنسبة للوجدان الشعبي الفلسطيني كله، جرحاً نازفاً على مدار الساعة، وهو ما تستغله “إسرائيل” بالضغط على هذا الوجدان، من خلال تلاعبها بهذه القضية وإخضاعها للابتزاز السياسي.

مع ذلك، لم تنجح “إسرائيل”، ولو لمرة واحدة، في هذا الابتزاز. فقد كان أسرى الحرية أنفسهم، هم من يصنعون الفشل ل”إسرائيل” في هذه القضية، بالمزيد من صمودهم، ووعيهم، ورفضهم المساومة على الحقوق الثابتة لشعبهم. ولم يكن بالصدفة في معنى هذا السياق العميق، أن تنشأ بأيدي هؤلاء الأسرى، دون سواهم، وثيقة الوفاق الوطني التي تشكلت على أساسها حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية مؤخراً.

وبالمقابل، تكرر “إسرائيل” محاولاتها بالضغط. وهي في الواقع، تزداد شراسة ووحشية في كل مرة تفشل فيها أمام صلابة هؤلاء الأبطال. وتبرز في هذه الأيام أحدث هذه المحاولات، في إطار ما يسمى “صفقة التبادل” التي من المفترض أن تقوم “إسرائيل” بموجبها بالإفراج عن مئات من الأسرى لديها، مقابل إطلاق سراح الجندي “الإسرائيلي” الأسير في غزة. ولا أظن أحداً لا يعرف اسم هذا الجندي. فماذا عن أسماء أسرانا؟ هنا بالتحديد، يبدأ اللعب/الابتزاز “الإسرائيلي”. فهذا الاسم من أسمائنا ممنوع على من “يتفاوض” معها في “الصفقة” أن يذكره، أبداً! وذاك الاسم يده ملطخة بالدم اليهودي، فلن يخرج من زنزانته! وثالث قائد سياسي لا بد من ثمن سياسي له! ورابع وعاشر ومائة حتى الآلاف العشرة!

من المؤلم جداً، أن يدخل الإعلام الفلسطيني في هذه “اللعبة” أحياناً، من دون أن يدري عمق الخبث “الإسرائيلي” فيها، فيتداول أسماء دون غيرها، في قائمة المرشحين للإفراج، ثم يجري التغيير والتبديل في هذه الأسماء، ليتضح لاحقاً أنها جميعها أو بعضها أو معظمها، غير مشمولة بأي قائمة، مما يؤثر على مشاعر أهالي الأسرى، ويشوش الوجدان الشعبي كله.

ترتاح “إسرائيل” بطبيعة الحال، لهذا التشويش، وترى فيه نافذة أخرى لها لمزيد من الضغط.

ورغم وجود وزارة مختصة بشؤون الأسرى في الحكومة الفلسطينية، وهي المفترض بها أن تختص وحدها بالحديث عن “الصفقة” الحالية، إلا أن الحاصل عكس هذا المفترض تماماً. فكل فصيل يتحدث. وكل وزير في الحكومة يدلي بدلوه. والأسرى في حيرة من أمرهم، أو من أمر هذه الحكومة على الأقل. والناس أجمعين، وعلى وجه الخصوص أهالي الأسرى، أشدّ حيرة.

أما حكومة “إسرائيل” فإنها متكتمة تارة، وغير متكتمة تارة أخرى، وفق اللعبة التي تمسك بخيوطها. ومن أخطر هذه الخيوط ما يتعلق بالأسماء. فهي التي “تسرب” هذه القائمة من الأسماء، أو تلك، ليغرق فيها الإعلام الفلسطيني والعربي أيضاً، ثم يتضح وجود قائمة أو قوائم أخرى. وهكذا دواليك، دوامة تعصف بمشاعر الأسرى وأهاليهم، وبالوجدان والرأي العام.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات