السبت 27/أبريل/2024

عزمي بشارة وخطر الترانسفير

عزمي بشارة وخطر الترانسفير

صحيفة الخليج الإماراتية

يبدو أن الكيان الصهيوني لن يستطيع النجاة هذه المرة بعد فشله في احتواء هزيمة الحرب على لبنان، لذلك فإنهم في هذا الكيان يحاولون البحث عن ضحية تشاركهم مسؤولية الفشل ويحاولون بها إنقاذ سمعة الكيان تفادياً لمنع شبح انهيار يرونه ويتلمسونه ويطارد الكيان منذ نشأته رغم كل أنواع الدعم الأمريكية والأوروبية التي تعهدته ووفرت له كل سبل الحياة والتفوق.

لقد أغدقت الولايات المتحدة على “إسرائيل” نحو 52 مليار دولار من الهبات والعون العسكري منذ عام 1949، وجاء معظم هذا الدعم السخي بعد عام 1974، أي بعد انكشاف هشاشة الكيان وزيف أسطورته التي لا تقهر في حرب أكتوبر/تشرين الأول عام 1973، ولا تزال أنابيب الدعم، بكل أنواعه، ممتدة بين الولايات المتحدة وهذا الكيان الذي حظي بنحو 11.2 مليار دولار من القروض لحيازة عتاد وتجهيزات عسكرية، إضافة إلى 31 مليار دولار من الهبات الاقتصادية والمنح، ناهيك عن ضمانات القروض أو المشاريع العسكرية المشتركة، أما الدعم السياسي والعسكري فهو لا يقدر بثمن، يكفي أن الولايات المتحدة وقفت حائلة دون إلزام الأمم المتحدة بتنفيذ قرار واحد من قراراتها التي صدرت سواء من الجمعية العامة أو مجلس الأمن، لكن ما حظيت به “إسرائيل” من دعم في حربها مع لبنان صيف 2006 فاق كل الحدود لذلك فإن صدمة الفشل تبدو مضاعفة، ومن هنا جاء الهوس الذي يجتاح الكيان بالبحث عن ضحية تتحمل المسؤولية أو بعضها.

فقادة الكيان الذين يتهربون من نشر تفاصيل الشهادات التي أدلوا بها أمام لجنة فينوجراد، وهي اللجنة المكلفة بالتحقيق في أسباب التقصير في الحرب ضد لبنان يطاردون الآن الدكتور عزمي بشارة عضو الكنيست وزعيم “التجمع الوطني الديمقراطي” ويعدون العدة لتقديمه للمحاكمة بتهمة الاتصال مع “حزب الله” وسورية خلال الحرب “الإسرائيلية” على لبنان، وفي حالة ثبوت الاتهام من وجهة النظر “الإسرائيلية” فإن الأمر سوف ينتهي باعتقاله، ووصل الأمر إلى حد مطالبة الحاخام ديفيد دروكمان، وهو حاخام “كريات موتسكين” وأحد حاخامات منظمة “الطاقم العالمي لإنقاذ الشعب والبلاد” السلطات “الإسرائيلية” بأن تطلب من الأردن تسليمها بشارة (حيث كان في الأردن حينذاك) أو العمل على اختطافه وتقديمه للمحاكمة بتهمة “خيانة إسرائيل”(!)

مطلوب رأس عزمي بشارة بأي ثمن ليس لاتصاله بأي من قيادات حزب الله أو سورية، ولكن لأنه رمز لفكرة تكرهها “إسرائيل”، فهو ينادي دائماً بإلغاء يهودية الدولة الصهيونية لجعلها دولة موحدة لكل سكانها (دولة واحدة لقوميتين) وينطبق عليهم القانون بمساواة. وهذه الدعوة، في رأيهم، أخطر ما يتهدد هذا الكيان، لكن ما هو أخطر من الدعوة هو الشعب العربي الفلسطيني الباقي داخل وطنه منذ نشأة الكيان عام 1949. فبقاء هذا الشعب هو الذي يدفع إلى ظهور مثل هذه الفكرة، وهو الذي يحول عملياً دون تحويل الكيان إلى دولة يهودية خالصة، ومن هنا كانت إشارة الحاخام ديفيد دروكمان، المشار إليه، إلى أن “على “الإسرائيليين” أن يعرفوا من هم أعداؤهم الحقيقيون، ومن هم الذين يشكلون خطراً على أمن “إسرائيل””، في معرض اتهامه لشخص عزمي بشارة بتهمة “خيانة إسرائيل”.

ولهذا السبب امتد الاتهام في الإعلام “الإسرائيلي” من عزمي بشارة الشخص إلى عزمي بشارة الرمز ومنه إلى كل النواب العرب في الكنيست، بل وإلى كل الفلسطينيين داخل الكيان، فهم الهدف الحقيقي، أو هم الشبح الذي يراه “الإسرائيليون” يطارد كيانهم ليل نهار. من هنا جاء قول عضو الكنيست زبولون أورليف من “هنيحود هلينومي مفدال” أن “قضية بشارة تطرح من جديد السؤال حول ولاء القياديين العرب لدولة “إسرائيل” على أنها دولة يهودية”، وأوضح أن كل “من يتردد أو يتلعثم في ظل هذه الظاهرة المتفاقمة سيجد نفسه في الوقت القريب أمام عصيان عربي عنيف سيجر غالبية الجمهور العربي”، ومن هنا أيضاً جاء اقتراح عضو الكنيست جلعاد أردان (من الليكود) بقانون يقضي بإبعاد أعضاء الكنيست العرب ممن “لا يعترفون ب “إسرائيل” على أنها دولة يهودية ديمقراطية”، واشترط لمنح “إسرائيل” حق “المساواة” لفلسطينيي 1948 “اعتراف العرب بأن تكون “إسرائيل” دولة يهودية إلى الأبد”.

إلى هذا الحد وصل الرعب، فهم لا يثقون في أن “إسرائيل” يمكن أن تصبح دولة يهودية خالصة، وهم أيضاً يشكون في أنها يمكن أن تبقى “إلى الأبد” دولة يهودية.

هذه هي قضية عزمي بشارة اليوم وقضية كل مقاوم عربي فلسطيني متمسك بعروبته وهويته الوطنية الفلسطينية ورافض للذوبان في الكيان الصهيوني والاعتراف بيهوديته. ولقد فهم النائب العربي في الكنيست عن كتلة “الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة” محمد بركة مضمون هذا الهدف وقال “إن اليمين “الإسرائيلي” لا يزال “يضع علامات استفهام” حول حق العرب في وطنهم”.

لذلك فإن اعتقال عزمي بشارة أو محاكمته أو إجباره على اللجوء في الخارج مجرد بداية، لأن المطلوب ليس شخص أو رأس عزمي ولكن المطلوب هو الفكرة التي يحملها ويجسدها، وهي فكرة إنكار إمكانية استمرار الكيان الصهيوني “يهودياً إلى الأبد” ومطالبته بالدولة الديمقراطية ثنائية القومية.

وإذا كان الأمر كذلك فإن الحل ليس بالتبرع بتقديم ملاذ آمن لشخص عزمي بشارة، فإن هذا هو أحد أهداف الحملة عليه، أي طرده وإبعاده، وجعل الطرد والإبعاد سيفاً مسلطاً ضد كل رموز الصمود العربي داخل الكيان، لكن الحل هو الدفاع عن حق عزمي في العودة والأمان والبقاء من ناحية، وحق الشعب الفلسطيني داخل الكيان في الحقوق المتساوية والحماية حتى لا يكون الطرد “الترانسفير” هو الحل.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات