الأحد 19/مايو/2024

لن تقتلوا حب مصر في قلوبنا !!!

مصطفى الصواف

عذاب ما بعده عذاب، ومهانة فاقت الحد، والحجة أمن مصر، مصر هذه التي أحببناها وسنبقى نحبها، وإن كرهنا فعل أجهزة أمنها فينا، وأي امن هذا الذي يباع ويشترى بـ 100 دولار امريكي، وكيف تخشون على امن مصر منا،ونحن ومصر جسد واحد، أمنها من أمننا، وأهلها أحبتنا، ولكن لن تقتلوا حبنا لمصر وشعب مصر، فلن تقدروا على ذلك مهما فعلتم أو تصرفتم بشكل غير حضاري لا يليق بحضارة مصر وعراقتها وعروبتها.

ما دفعني لكتابة هذه الكلمات، هو المعاملة السيئة التي نلقاها نحن الفلسطينيون عند دخولنا إلى مطارات مصر العزيزة أو معابرها، وعلى الرغم من أن البعض منا يحمل تأشيرة دخول، وآخرين تجاوزعمرهم عدد السنوات المسموح بموجبه الدخول الى مصر بدون تأشيرة  ، الا ان الحجز او ” التخشيبة ” بالتعبير المصري كانت نهاية المطاف بنا، نحجز فيها بشكل لا يليق بالبشر، وبشكل مؤذ جداًً، لآدمية الإنسان، ولو نجح الواحد منا بعمل تنسيق لدخول مصر كما يدخلها ” الحافي وأبو نعال ” ونحن لنا خصوصية، لأن وجودنا في الحجز مرهون بفتح المعبر، فقد يطول الحجز في هذا المكان الى عدة أيام ، بل وصل الأمر بالفعل إلى أن يُحجز البعض اسابيع في لحظة أغلق فيها المعبر بفعل الاحتلال.

ما زاد في عذابي أنا على الأقل، أن زوجتي كانت بصحبتي خلال السفر، صحيح لم يكن هناك قرار بحجزها، ولكن وصلنا المطار بعد منتصف الليل، فكيف يمكن لمثل هذه المرأة أن تُترك لتغادر المطار ولا معرفة لها بشيء، فمكثت معنا وعانت ما عانيناه من عذاب، والسؤال إلى متى سيبقى الأمر على هذه الحال؟.

قلت لنفسي هي ليلة ولن تكون نهاية الدنيا، خاصة أن وقَتُ سفري مع فتح المعبر، ساعات وستأتي الحافلة الذي ستقلنا من “الزريبة”، عفواً من مكان الحجز، وجلسنا على الأرض لا يفصلنا عنها إلا حصيرة بلاستيك، وبجوارنا المراحيض برائحتها وقذارتها، حيث المكان مغلق من كل النواحي خشية أن يهرب أحد !. لم يغمض لنا جفن، وضعت زوجتي في مكان مخصص للنساء وحدها، وأخذت أسير في ممر ممتلئ بالحقائب، حتى أذان الفجر، استيقظ كل الشباب وصلينا الفجر حاضراً، وانتظرنا بفارغ الصبر أشعة الشمس التي سبقتها شقشقة العصافير على قلتها وطال الانتظار وبزغت الشمس ولم تصل الحافلة، سألنا الشرطي، متى تصل الحافلة؟ لأنه عادةً ما تصل الساعة السادسة والنصف وعلى أسوأ تقدير عند الساعة السابعة صباحاً، ما أطول تلك الساعة، خاصة أننا حولنا عقارب الساعة حسب التوقيت الصيفي لفلسطين، وكان الفارق ساعة كاملة عن التوقيت في مصر، بدأ الجميع ينتظر، وأخرج الشبان الحقائب إلى الممر، والجميع ينتظر “عنتر”.

عنتر هذا يا سادة يا كرام رجل أمن مصري على ما يبدو، ويتولى نقلنا من المطار إلى الحافلة التي تقلنا الى معبر رفح الحدودي، وهو من يتمم إجراءات المطار والأمن، وغيرها من الأمور، تأخر عنتر عن الموعد المعروف، ألو عنتر، أين أنت؟ ان شاء الله سأكون عندكم في الثامنة صباحا ، ألو عنتر.. ربع ساعة، الو عنتر.. نصف ساعة، ألو عنتر أنتظر ضابط الأمن ، وهكذا ضاعت الساعات بين عنتر وألو عنتر، وعند الواحدة تقريباً وصل عنتر ووصلت الحافلة، وذهب الوقت، كيف يمكن لنا أن نصل المعبر في هذه الساعات القليلة؟، كنا على يقين أننا سنمضي ليلة أخرى في قاعة مطار العريش، وبالفعل انتهى وقت المعبر وأغلق ووقفت الحافلة عند مدخل مطار العريش، وانتظرنا أن يُسمح لنا بالدخول وفق ترتيبات رجال الأمن، وخلال دقائق كشف السائق المستور وأخذ يتحدث عن كل الذي يجري، وحمل المسئولية للسيد عنتر، مؤكداً أنه كان ينتظر منذ الساعة السادسة صباحا وغير ذلك من الحديث.

دخلنا قاعة المطار بعد أن أصابنا الإرهاق والإعياء حتى أن مفاصلنا باتت في غير مواضعها، ألقى كل واحد منا بجسده على الأرض، وجلست انا وزوجتي على قطعة من “الموكيت” في قاعة عفا عليها الزمن، فالوقت ليس وقت تصلح أو لا تصلح، وجيوش الباعوض تحيط بنا، ولا مانع لها، قام الإخوة في المطار مشكورين بتوزيع فرشات إسفنجية عفا عليها الزمن وأغطية على الشبان، فنام من نام وبقي من بقي، حتى الفجر، صلينا وانتظرنا الحافلة، وعند الساعة الثامنة والنصف وصلت سيارة نقل تابعة للشرطة ونقلنا الأمتعة فيها، دقائق حتى جاءت سيارة نقل المعتقلين وأصحاب السوابق، قالوا هذه السيارة ستنقلكم إلى معبر رفح، وكأن على رأسنا الطير، إلى هذه الدرجة يصل الأمر؟، ننقل جميعا بهذه الطريقة وكأننا مجرمون او متهمون؟ يااااه .. كم كان ذلك صعباً على النفس، ركبنا وهذه حيلة المضطر، وجلس بجوارنا شرطيان، وما إن تحركت السيارة حتى ذهبا في نوم عميق، وحالة الذهول تسيطر على ذهني، وعندما استيقظ الشرطيان، قلت لهما: مهما فعل رجال الأمن بنا فلن يقتلوا حب مصر في قلوبنا.

أنا لا أقول هذا الكلام مجاملة لأحد، أو حتى لا نقطع خط الرجعة، أو لأن الأمن المصري يسجل ما نكتب ويراقب، ولكن أقول ذلك حقيقة، وصدقاً، فمصر الشعب يختلف عن مصر الأمن وأجهزته، مصر الشعب من أفضل شعوب الأرض، ولن يشوه صورته ومكانته مثل هذا التصرف مهما كانت مبرراته وحججه، من يدخل مصر قادما من قطاع غزة بتنسيق، ويمكث عدة أيام في القاهرة، أو غيرها بأدب واحترام وحب لأهلها، ثم يغادر ويعود ليس بحاجة إلى تنسيق، فعبر بوابات مصر العتيدة يمر الأبيض والأسود، وحتى اليهود يمرون بكل احترام وتقدير ولا يعيقهم أحد، بل يقف الجميع لتسهيل امورهم، وهذا أمر لا اعتراض عليه، ولكن أن نعامل نحن الفلسطينيين بهذه الطريقة، فالأمر يحتاج إلى إعادة تفكير.

ومن هنا ندعو الحكومة والرئاسة بالتدخل السريع لحماية كرامة الشعب الفلسطيني، لأنها من كرامتهم ودعوة الحكومة المصرية إلى ضرورة إعادة التفكير في طريقة التعامل هذه، فرغم معرفتنا أن هناك قوائم سلمت بأسماء العديد من المواطنين الفلسطينيين عبر الأجهزة الأمنية مع قدوم السلطة، وهذه الكشوف غير دقيقة، وأن من ذكر فيها ليسوا مجرمين أو أصحاب سوابق، بل هم من شرفاء هذا الوطن، ومن قدم هذه الكشوف عوقب على فعلته السيئة والتي كان يحاول فيها أن يبني جسراً مع الأمن المصري لخدمة مصالح ذاتية، أو أن يكون رجل أمن مصر في قطاع غزة، ومصر ليست بحاجة إلى أحد، فأمن مصر من أمننا، لأننا ومصر جسد واحد، مرة ثالثة وأخيرة سأردد وأقول لن تقتلوا حب مصر في قلوبنا مهما فعلتم، وسنبقى نحب مصر أرض الكنانة وهبة النيل العظيم، فمصر باقية كبقاء فلسطين وجميعنا ذاهبون.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات