الخميس 09/مايو/2024

دماء الشهيد القسامي علاء الحداد تشكو لبارئها جريمة اغتياله على يد عناصر الأمن

دماء الشهيد القسامي علاء الحداد تشكو لبارئها جريمة اغتياله على يد عناصر الأمن
على يد زمرة من عناصر الأمن الوقائي التي تتدثر بعباءة منظمة “فتح”، والتي ما تزال تنفخ في نار الفتنة، رغبة في جر الفلسطينيين مجددا إلى مستنقع الاقتتال الداخلي البغيض، تم اغتيال القائد القسامي الشهيد علاء عمر الحداد 41 عاما يوم 13 آذار/ مارس الماضي، في عملية جبانة ودنيئة لا تخدم سوى مخطط العدو الصهيوني، الذي يعتبر المقاومين، لاسيما الكوادر القيادية فيهم، أهدافا مهمة لمرمى نيرانه.

فأية جريمة أشد بشاعة من سفك دم قائد ومجاهد، سخر كل حياته على مدار عشرين عاما، مقاتلا صلبا، ومدربا بارعا، ومخططا من الطراز الأول في ميادين مقارعة العدو، ضمن كتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية “حماس”، وأي حقد أكبر من تصويب الرصاص القاتل إلى قلب ينبض بحب الله، وعشق الشهادة، ابتغاء مرضاته.
 
ولد الشهيد علاء في 11/10/1966م ، وتربى في كنف أسرة معروفة بأخلاقها والتزامها بدينها، فتعلق قلبه بمسجد السلام، بمنطقة الصبرة، في مدينة غزة، مداوما على الصلاة والتبتل في محاريبه، ومتعلما لكتاب الله العزيز وسنة رسوله الكريم في حلقاته، ومحبا للجهاد في سبيله، والتضحية بالنفس والمال، فداء لوطن ابتلي باحتلال بغيض، دنس أرضه ومقدساته. وقد امتاز الشهيد علاء منذ طفولته إضافة لالتزامه الشرعي بعقليته المتفتحة، وشخصيته الطموحة، وتمتع بالحاسة السادسة القوية، التي أهلته فيما بعد للعديد من المهام الجهادية الصعبة.

                                                 صفات ربانية

حدثتنا والدته “أم يوسف” التي لم نسمع منها إلا كلمات الصبر والثبات والاحتساب عند الله، عن صفات ابنها الشهيد قائلة: “كان شاباً عابداً زاهداً صابراً هادئاً شجاعاً نشيطاً، وصاحب شخصية قوية صبورة لا تهاب الصعاب والمواجهات، تحمل في طياتها نفسا مرحة، وقلبا رحيما حانيا على كل الناس، فيلاطف هذا ويداعب ذاك”.
وواصلت حديثها عن علاقته بوالديه وبره بهما قائلة: “كانت معاملته حسنة وطيبة مع الجميع، خاصة معي ومع والده، فقد كان يحرص على رضانا، ولم يكن يخرج من المنزل إلا بعدما يقبل يدي ويسمع دعائي له، وقد ربى أبناءه على ذلك رحمه الله”.

بدوره، أكد رياض الحداد شقيق الشهيد، بقلب كله حرقة على فراق شقيقه، أن الشهيد علاء كان نموذجاً للإنسان الذي قدم لله سبحانه وتعالى كل شيء، عمره وصحته ووقته وأبناءه وأهله وماله، مبينا أن “علاء كان ينسى نفسه وأولاده وبيته، لكنه في المقابل لم ينس أبدا المهمة الأساسية، التي سخر حياته لها، ألا وهي رضا الله عز وجل، مجاهداً في سبيله، ومرابطاً على ثغوره”.

وأوضح رياض أن الشهيد علاء تميز بالنباهة والحس الأمني المرهف، مشيرا إلى أنه “لم يكن يكل أو يمل من تتبع الحقيقة ومعرفتها، رغم أن مستواه الدراسي لم يكن عالياً، إذ إنه لم يكن ليسمع، في الحراسة الليلية، لأي صوت ويسكت، بل كان يبحث عن مصدر الصوت حتى يطمأن” حفاظا على أمن جماعته وإخوانه المجاهدين من اختراقات العدو.

وأضاف وآلام الفراق ظاهرة على محياه: “لم أذكر في حياتي أنه أساء لي أو لأهله في شيء، بل كان يحب الجميع، ويحرص على سعادتهم، وإدخال السرور على قلوبهم، وكان مرحاً لطيفاً يداعب أبناءه ويلاعبهم، وكان يتقن فن التعامل مع الآخرين، والتواضع لهم، يحترم الكبار، ويعطف على الصغار”، مشيراً إلى أن تعامله مع إخوانه في الجهاز العسكري كان ينطبق عليه قول الحق سبحانه “أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين”، حيث الحب والإخلاص لله عز وجل.

وأوضح شقيق الشهيد أن علاء كان متميزا عن سائر إخوانه في كل شيء، ويكفيه فخرا أنه قدم حياته كلها لله، وجاد بكل لحظة كان يمكن أن يهنأ بها مع زوجتيه وأبنائه الصغار إرضاء لله.

                                            نشاطه في الانتفاضة الأولى

انخرط علاء في حرب الاحتلال الصهيوني منذ طفولته، وحمل كباقي الشباب الفلسطيني على عاتقه تحرير أرضه ومقدساته من دنس المحتل الغاصب، فكان في الانتفاضة الأولى ضمن الأنشطة التي تنظمها حركة المقاومة الإسلامية “حماس” يقوم بإلقاء الحجارة وزجاجات الملوتوف على دوريات الاحتلال.. ليعود إلى أهله وجسمه مليء بالكدمات نتيجة إصابته بالرصاص المطاطي من قبل العدو الصهيوني.

وقد اعتقل عدة مرات من قبل الاحتلال الصهيوني ليخرج من سجونه أكثر قوة وإصراراً على المضي في هذا الطريق، وفي عام 1992 التحق بـ “الصاعقة الإسلامية”، التي استمرت في عملها حتى انطلق الجهاز العسكري لحركة “حماس”. 

                                             في صفوف كتائب القسام

نشط الشهيد علاء في مجال العمل العسكري ضمن تشكيلات كتائب الشهيد عز الدين القسام منذ بدايات تأسيسها، واتصف بالجرأة والشجاعة والحنكة العسكرية، بالإضافة إلى السرية التامة، وقد عمل مرافقاً للشيخ أحمد ياسين رحمه الله لفترة طويلة، ومرافقاً للدكتور محمود الزهار أيضا، وشارك في كثير من جولات كتائب القسام وجهادها ضد الاحتلال، من صد للاجتياحات الصهيونية، وتدريب للمجموعات القسامية، فضلاً عن رباطه الدائم على الثغور، وعمله في وحدة التصنيع، مما أهله لأن يكون عضواً في المجلس العسكري لمنطقة تل الإسلام والصبرة والزيتون.

وللتدليل على الخبرة العسكرية للقائد علاء الحداد، لاسيما في وضع الخطط روى “أبو مصعب” ابن عم الشهيد موقفاً يدلل مهارته المتميزة في هذا الجانب قائلاً: “احتاج إخواننا المجاهدون إلى خطة عسكرية، واحتاروا في أمرها، فما إن وصل علاء إلى الموقع، ورأى ما يحتاجه الشباب وضع خطة ناجحة، وهي التي ما يزال يسير عليها المجاهدون حتى الآن “وأكد أنه كان “رأس حربة في كثير من المعارك”، التي يخوضها القساميون ضد الاحتلال.

وتعتبر حياة علاء نموذجاً لمن أراد أن يستيقن بأن خوض غمار المخاطر لا تعني نهاية أجل الإنسان، إلا إذا قدر الله له ذلك، فقد نجاه الله من مواقف خطرة، ولم يمت إلا حينما حان أجله، ففي الانتفاضة الأولى تعرض لإطلاق نار من قبل العدو الصهيوني وأصابته رصاصة في عنقه خرجت من فمه، وكادت تودي بحياته، ولكن الله قدر له البقاء، وقبل استشهاده بشهر استهدفته “الفئة الانقلابية” بقذيفة (آر بي جيه)، ولكنها أصابت جدارا صخريا تفجر في وجهه مما أدى لإصابته بالصمم وعدم الرؤية الجيدة.

                                              استدراج ثم اغتيال

وعن تفاصيل واقعة اغتيال القائد القسامي علاء الحداد ذكر ابن عمه “أبو مصعب” أنه “تم رصد سيارة علاء من قبل عناصر في الأمن الوقائي، وقد أرادوا التأكد من أنها تعود لعلاء، فاقترب اثنان منهم من السيارة وهي عند أحد أقاربنا بحجة الشراء، فسألوه عنها وعمن يمتلكها ثم ذهبا”.

وأوضح “أبو مصعب” أن السيارة ملك لكتائب الشهيد عز الدين القسام، وأن علاء كان هو من يقودها، وأضاف “في آخر يومين تبادلت السيارة معه، وأخذتها حيث أسكن، وعند عصر يوم الثلاثاء، الذي استشهد فيه كانت السيارة معي، وجئت لكي استقلها وإذا بمجموعة من جهاز الأمن الوقائي حاولوا أخذها بحجة أنها تعود لهم”.

وأشار “أبو مصعب” إلى أنه حاول أن يوضح لهم بأنها ليست له، إلا أنهم لم يقبلوا بحديثه وطلبوا منه الاتصال بصاحب السيارة، فاتصل بعلاء وأبلغه بأن عناصر الأمن الوقائي مصرون على موقفهم، وعليه أن يأتي للتفاهم معهم، وإنهاء الخلاف بهدوء وسلام، منوها بأن علاء أتى بالفعل “وما إن وصل المكان حتى كانت رصاصات الغدر قد أجهزت عليه”.

وأكد أبو مصعب على اتهام عائلته لجهات في الأمن الوقائي بالوقوف وراء الحدث قائلا: “إن علاء قبل استشهاده بيومين وصلته معلومات مؤكدة بأن الوقائي أعد قائمة بأسماء الأشخاص المطلوبين لديه، وأنه على رأس هذه القائمة، ونبه أخاه بأنه قد يحدث له مكروه بسبب هذه  القائمة”.

وطالب “أبو مصعب” وزير الداخلية هاني القواسمي ورئيس السلطة محمود عباس بالعمل على إحقاق الحق، وتحقيق العدالة، وتقديم المجرمين القتلة للعدالة، حتى تهدأ النفوس، “لأن محاكمة هؤلاء فيه تهدئة للنفوس وجبر للخواطر، أما دون ذلك فسيبقى التوتر وتتحقق للمجرمين غايتهم”.

رحل الشهيد الحداد وترك خلفه ستة أطفال أكبرهم إسلام 17 عاماً، وأصغرهم طفلة لم تكمل عامها الأول بعد، من زوجتين مؤمنتين بالله تعالى، مثلما ترك ذكرى عطرة لدى جيرانه وإخوانه وأحبابه.. رحم الله الشهيد علاء وأسكنه فراديس جنانه.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات