الخميس 09/مايو/2024

الأقصى والآثار الإسلامية المقدسية في خطر.. والحفريات الصهيونية متواصلة بلا توقف

الأقصى والآثار الإسلامية المقدسية في خطر.. والحفريات الصهيونية متواصلة بلا توقف

تنهش جرافات الحقد الصهيوني وآلياته جسد الأقصى الجريح.. تمعن في الحفر في محاولة لطمس هويته، وتغييب ذاكرته، وتعيث في جذوره وجنباته  فسادا وتخريبا وأذى.. يحدث كل ذلك في ظل صمت عربي وإسلامي مطبق، أو استنكار وتنديد خجول في أحسن الأحوال، لا يكاد يسمع له صوت، أو يتأتى منه تأثير، بموازاة مخطط صهيوني تدميري، بدأ قبل أربعة عقود.
 
وفقا لتقارير صهيونية فإن الغاية من أعمال الحفريات والبناء، قرب باب المغاربة، تتجاوز مجرد الترميم وما يصرح به صناع القرار في الكيان الصهيوني. وتُشدد هذه التقارير على أن مخطط سلطة الاحتلال، يسعى إلى إجراء تغيير كبير في التوازن الحساس القائم في منطقة الحرم الشريف ومحيطه، كما يسعى إلى إجراء تغيير جوهري في التنقل والحركة في هذه المنطقة، وفي الوضع القائم منذ احتلال عام 1967، وفتح المجال لتدفق أكبر عدد من اليهود، إلى باحات الحرم.

                                          مخطط عمره أربعون عاما
 
ويؤكد مراقبون أنه يتم في هذه الآونة، استغلال عملية بناء الجسر المؤدي إلى باب المغاربة، لإزالة  تلة ترابية صغيرة، لتوسيع موقع حائط البراق (أو ما يسميه الصهاينة بحائط المبكى)، وهو مطلب قديم للجمعيات الاستعمارية والمتدينين اليهود. وتقوم سلطة الآثار بهذه المناسبة أيضاً بأعمال حفريات، وهي المؤسسة الوحيدة في الكيان الصهيوني، التي لا تحتاج إلى ترخيص، من أجل تنفيذ عملها، فمهمتها أيديولوجية صهيونية بامتياز في أي مكان، ومن حقها بحسب القانون الصهيوني القيام بالحفريات، في أي مكان تشك بوجود آثار فيه.

وتعود عمليات الحفريات، وتدمير الآثار الإسلامية أو تبديل معالمها، بجوار باب المغاربة المؤدي للحرم القدسي الشريف، إلى أربعين عاما خلت، ضمن مشروع صهيوني بدأ بتدمير حارة المغاربة، في اليوم التالي لاحتلال القدس، وتواصل ليشمل منطقة واسعة على امتداد سور القدس المحيط بالبلدة القديمة، ابتداء من باب النبي داوود، إلى باب المغاربة، وحتى السور الجنوبي للمسجد الأقصى المبارك وهو ما يعني أن ما يحدث ليس وليد المرحلة الراهنة.

                                               مقام النبي داوود

وقد عمدت سلطات الاحتلال إلى استكمال تهويد ما يحيط بباب النبي داوود، وهو المؤدي إلى ما يعرف بحارة اليهود داخل البلدة القديمة، وذلك باستكمال عملية طرد الفلسطينيين من بيوتهم، والتي مارسها الاحتلال في هذا المكان منذ عام 1948، حيث استولى آنذاك على مقام النبي داوود، ومقامات ومساجد أخرى، وطرد العائلات التي تسكن في المكان، وأكبرها عائلة الدجاني، وأسكن يهودا صهاينة مكان الأسر الفلسطينية التي شردت أو قتل أفرادها.
 
وعزز الاحتلال حاليا، وأكثر من أي وقت مضى، سيطرته الكاملة على المنطقة، التي يطلق عليها (جبل صهيون)، وهي تسمية يبوسية تعني الحصن، وعلى مقام النبي داوود، الذي تحول إلى كنيس يهودي، بنيت فيه غرفة خاصة؛ حيث تجرى احتفالات سنوية، بذكرى تأسيس الكيان الصهيوني، والأخطر في الأمر أنه تم تحويل المسجد إلى مزار مسيحي، بإشراف دائرة الشؤون المسيحية في وزارة السياحة الصهيونية.

                                              ثغرة في سور القدس

وسعيا منها لإثبات أن ما تسميه بمدينة داوود تبدأ من باب النبي داوود، قامت المؤسسة الصهيونية بتنفيذ حفريات واسعة على امتداد السور، وعندما كشفت هذه الحفريات عن وجود كهوف ومغر كنعانية ويبوسية وآثار رومانية وإسلامية قام الاحتلال بتسويق هذه المشاهد باعتبارها جزء من مدينة داوود.

ومن هذه المشاهد ما أسمته المؤسسة الصهيونية بالحديقة الأثرية، حيث تم الاعتداء من أجل إنجازها على آثار إسلامية، كالأبراج الأيوبية على سور القدس، وبعضها لم يكن مكتشفا من قبل، بالإضافة إلى أقواس وآثار أخرى. وبدلاً من توفير الحماية لهذه الآثار المهددة، بفعل عوامل الزمن، فتحت المكان أمام الصهاينة والسياح، باعتباره حديقة عامة.

ولعل أخطر ما أقدمت عليه المؤسسة الصهيونية، هو إحداث ثغرة في سور القدس الجنوبي، وبناء جسر خشبي وحديدي، لتسهيل دخول الصهاينة عبره إلى حارة المغاربة المهدمة، والتي اتخذها الصهاينة “ساحة المبكى”، في اعتداء واضح على طبيعتها وتاريخها العريق.

ويعتبر فتح ثغرة في سور القدس، عملا استراتيجيا، من قبل سلطات الاحتلال، لتغيير الوضع القائم. ويرى خبراء ومتخصصون أنه لا يوجد أي مبرر لفتح باب جديد في سور القدس، خصوصاً وأن باب المغاربة (باب سلوان)، وهو الباب الرئيسي للبلدة القديمة من الجهة الجنوبية، لا يبعد عن الباب الجديد سوى 100 متر فقط.

                                               المسجد القبلي

ويشوه هذا الباب الجديد، الذي وضعه الاحتلال غضبا، معالم المكان، وله تأثيرات على متانة السور، لأن رأس الجسر مثبت على السور، مما يزيد من مخاطر إحداث تشققات في سور المدينة المقدسة، المليء بالأسرار التي لم تكتشف بعد. 

وقد تسببت أعمال الحفريات في طمس كثير من المكتشفات في ذلك المكان، ومن أهمها ما يعرف بالقصور الأموية، أو دار الإمارة الأموية.، وتظهر التشققات واضحة في سور القدس، وهو السور الجنوبي للمسجد الأقصى المبارك، أو ما يعرف بالمسجد القبلي، الذي رُكب فيه منبر صلاح الدين الجديد مؤخراً. ويعتبر هذا المسجد أكثر الجوانب ضعفا من الناحية الأمنية، وهو ما تنبه إليه قائد فذ مثل صلاح الدين الأيوبي، فبنى ما يعرف بالمدرسة الختنية، التي يبرز بناؤها، سور القدس الجنوبي (جدار المسجد الأقصى)، لأسباب دفاعية. 

                                               السور الجنوبي

ويطلق الصهاينة على نافذة صغيرة في المكان “بوابة خلدة”، وهي على اسم إحدى نساء التوراة، ويزعمون أن بني إسرائيل كانوا يدخلون إلى ما يطلقون عليه جبل الهيكل أو قدس الأقداس، من هذا الباب، خلف نبيتهم خلدة، لذا فإن الخطورة على الأقصى تأتي من هذا الجانب من السور أكثر من أي جانب آخر.

وعلى مساحة طويلة ومتداخلة بجانب السور الجنوبي، توجد مرافق سياحية ومتاحف، تعيد رواية تاريخ القدس من وجهة نظر صهيونية، في حين أن الجانب الفلسطيني والعربي والإسلامي، لا يقدم في معظم الأحيان روايته، مكتفيا ببيانات التنديد، مبتعدا عن البحث العلمي الجدي، وإن قدمها فإنها تكون مليئة بأخطاء تاريخية ودينية وأثرية.
 
                                            لماذا باب المغاربة؟!

تتواصل الحفريات دونما توقف عند هذا الباب باعتباره من أكثر مداخل الحرم القدسي حساسية، واعتبارا من عام 1967 انتزع الاحتلال السيطرة عليه، ويحتفظ وحده بمفاتيحه، ويستخدمه للدخول إلى باحة الحرم، وإدخال الصهاينة إليها، وتستخدمه ما تسمى حركة “أمناء الهيكل” كممر لمخططاتها العدوانية داخل الحرم، ويعتبر الممر الرئيسي لدخول قوات الأمن الصهيونية في أوقات التوتر.

ومنذ عام 1967 وحتى عام 2004 كان ثمة جسر يصل باب المغاربة بباحة الحرم، وفي 14 شباط/فبراير 2004 تداعى الجسر بسبب الأمطار الغزيرة، ومن هنا بدأت المخططات تتراكم تحت حجة ترميم الجسر، أو إعادة بنائه، بحيث أصبح الأمر مواتياً لإجراء تغييرات في مبنى وطول ومكان الجسر، ويكون العمل بحجة ترميمه وإعادة بنائه، وينطوي على تمرير مؤامرة يشارك في صنعها غلاة المستعمرين والأداة هي المؤسسات الرسمية الإسرائيلية.

وفي 1 فبراير/ شباط 2005  تم منح ترخيص صهيوني لإقامة جسر خشبي مؤقت مثبت على سبعة أعمدة داعمة، في نفس المكان، الذي انهار فيه الجسر تقريبا، ومنذ ذلك الحين زاد الضغط من قبل أوساط صهيونية مختلفة، ومن ضمنهم المستوطنون وصندوق تراث الهيكل (جمعية مقربة من المستعمرين) والشرطة، لبناء ممر دائم لباب المغاربة بشكل يحدث تغييرا في الوضع القائم، الذي كان ساريا بين عامي 1967 و2004 .

وفي 28 يونيو/ أيار 2006 أجريت مشاورات في مكتب رئيس الوزراء الصهيوني بهذا الشأن برئاسة المستشار العسكري لرئيس وزراء العدو، وبمشاركة الشرطة الصهيونية والأجهزة الأمنية وسلطة الآثار وبلدية القدس وجمعية “صندوق تراث جبل الهيكل”. 

وقد طالبت الشرطة الصهيونية بأن يشمل المخطط الجديد في باب المغاربة السماح بتجمع 300 من أفراد الشرطة في آن واحد على الجسر، من أجل تسهيل الدخول للحرم، عندما يتطلب الأمر، وزعم آخرون أن الجسر الحالي يضيق المساحة المعدة للنساء للصلاة في ساحة حائط البراق.

وفي 15 نوفمبر 2006 صادقت اللجنة المحلية للبناء في بلدية القدس المحتلة على منح ترخيص لبناء جسر ثابت، بين ساحة البراق وباب المغاربة، واشترطت الترخيص بموافقة الشرطة وسلطة الآثار، وتبين أن الترخيص صدر بطريقة منافية للتعليمات.

                                            منظمة “العاد” الصهيونية

كشفت مصادر صهيونية أن عمليات الحفر التي تنفذ أسفل المسجد الأقصى تمولها منظمة استيطانية تسمي “العاد”. وقالت صحيفة “هآرتس” الصهيونيةإهذه المنظمة لم تحصل على تراخيص من المؤسسات الرسمية لتنفيذ أي حفريات. وأضافت الصحيفة “أن عمليات حفر النفق التي تتم أسفل بلدة سلوان، تجري منذ عدة أشهر بدون ترخيص من سلطة الآثار الصهيونية، وفقاً لـما يتطلبه القانون، كما أنه لا توجد هناك خطة لتطوير الـموقع من قبل سلطة حماية الطبيعة والحدائق الإسرائيلية، التي تدير الـمنطقة قانونيا”. 

ونفس هذه المنظمة الصهيونية، هي التي تعمل على الاستيلاء على الـمنازل العربية في سلوان، وتقوم بطرد العرب منها بهدف تهويد المدينة المقدسة. وقالت الصحيفة إنه “على الرغم من ذلك فلم تتخذ أية إجراءات عقابية ضد اثنين من علـماء آثار سلطة الآثار الصهيونية اللذين خرقا الرخصة الـممنوحة لهما، وبدلاً من ذلك، سمح لهما بالحفر في منطقة تمتد لـمسافة 100 متر إضافية”.

وأشارت الصحيفة نقلاً عن كبار علـماء الآثار الصهاينة إلى أنه جريا على العرف المتبع فإن علـماء الآثار الذين يخالفون أحكام الإجازة يتم عقابهم أو منعهم من الحفر، إلا أنه في هذه الحالة تحديداً قررت سلطة الآثار الصهيونية تمديد فترة الحفر الـممنوحة لعلماء الآثار الذين سبقت الإشارة إليهم.

ويرى مراقبون أن احتراف العرب لحالة الصمت، وإغلاق عيونهم وآذانهم عما يحدث ويجري من تهويد للقدس والأقصى، مدعاة لفتح شهية المؤسسة الصهيونية للقيام بالمزيد من عمليات الحفر والتنقيب .

 

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات