الأحد 19/مايو/2024

بؤس ثقافة الفرصة

بؤس ثقافة الفرصة

صحيفة الخليج الإماراتية

تقدم الصحف العبرية ووسائل الإعلام المختلفة هذه الأيام المشهد العربي في صورة بالغة الاختزال والاستخفاف، والوتر السائد الذي تتناوب عليه آلاف الأصابع هو أن العرب الآن في أسوأ أحوالهم، وليس لديهم من القوة أو فائضها ما يتيح لهم إملاء الشروط، لهذا عليهم القبول بالمعطى حتى لو كان أقل من خردلة، ويأتي هذا الإلحاح متزامناً مع إعلان الحكومة الفلسطينية ومؤتمر القمة، ولا شك أن العرب أنفسهم أسهموا بشكل أو بآخر في إضعاف صورتهم، وتقديمها على هذا النحو الشاحب والمصاب بالأنيميا.

لأن كثرة الكلام عن انعدام الخيارات، والدعوات المتكررة للتأقلم مع الوضع القائم في العالم ضاعف من اللعاب الصهيوني الذي لم ينقطع منذ ربع قرن على الأقل، والأرجح أن الرهان الصهيوني كان يضع في حساباته هذه المتوالية العربية من التنازلات تحت شعار عجيب هو القليل خير من اللاشيء، وكأن حقوقهم المفترى عليها والمسروقة طارئة، أو هي مجرد فائض ديمغرافي وجغرافي.

وذهنية الرصد الصهيونية هي ذهنية صياد محترف لكنه أحياناً لفرط أركانه على خبرته وقوته يصطاد نفسه، والدليل على ذلك، هو التعامل مع الراهن العربي على أنه أبدي وليس عابراً أو جملة معترضة في كتاب التاريخ.

وإذا كانت الدولة العبرية تستخف بالعرب المعاصرين فإن هناك ما يرشح بوضوح من خوفها المزمن من عرب قادمين، فالمستقبل لا يخضع لأي تمدد أو احتلال، إلا إذا حمل الجيل القادم أوزار هزائم لا ذنب له فيها، بحيث تتحول إلى مديونية شايلوكية لكن بلا قضاة حصيفين وعادلين كالذين قدمهم شكسبير في تاجر البندقية، إن توصيف أي وضع بشري يجب أن يشمل الممكنات حتى لو كانت غير منظورة، ولدى العرب من هذه الممكنات الكثير، لكن هناك محاولات مستمرة لمنعها من التحقق، فالنيران تطلق على البراعم أيضاً وثمة قنابل أشد ذكاء تصيب الأمل بمقتل.

وما تهدف إليه الدولة العبرية الآن، هو الحصول على سلام مجاني تماماً، وذلك يذكرنا بعبارة شهيرة لجولدمائير عندما وضعت الأرض والسلام بالمشط والمرآة، وهما داخل حقيبتها النسائية. وليس سراً أن ما حققته الدولة الصهيونية حتى الآن من مكاسب مقابل لا شيء لا يتوقف عند حدود الاعتراف، فهي تسرح وتمرح بحرية ودونما رقابة في عدة أماكن، ويكفي أن نتذكر بأنها افتتحت قبل أيام مكاتب لصحفها في بغداد، بدءاً من هآرتس، والبقية تأتي.

 وإذا كان الصياد يغمض إحدى عينيه قد يصيب الهدف، فإن ما يفوته ويفوت عينه المغمضة هو ما لا يقع في مدار بندقيته، وهذا بالضبط ما نعنيه بالممكنات الهاجعة في الواقع العربي بمختلف أبعاده الاقتصادية والثقافية والإنسانية.

والرهان الصهيوني الذي لا يغيب إلا ليعود أكثر وضوحاً، لا سبيل أمام العرب لتكذيبه إلا عدم تصديق ما يقال لهم، عن أنفسهم وما يحاول البعض التبشير به، وهو ليس بالإمكان أفضل مما كان أو ما هو كائن.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات