السبت 04/مايو/2024

النقمة على حكمة حماس..!

وميض قلم
أحياناً تواجهني مشكلة في إقناع بعض الناس أننا مازلنا تحت احتلال ! .. ولكم أن تتخيلوا مدى الصعوبة التي أواجهها حين أشرح لهم الفرق الكبير بين مفهوم ومعنى الاحتلال المتعارف عليه ، ومعنى الاحتلال الذي تعيشه فلسطين على وجه الخصوص ، وأنه لم يسجل التاريخ المعاصر حالة احتلال واحدة كالتي تعرضت لها فلسطين ، باستثناء احتلال الأوربيين لبلاد الهنود الحمر والتي نعرفها اليوم باسم أمريكا ..
طبعاً سمعتهم عن أمريكا ! ..

لكن لا أظن أن الكثيرين منا يعرفون أن شعب الهنود الحمر كان بالملايين وليس مئاتٍ أو آلافاً منتشرين في عدة قبائل ، كما صورت ذلك استوديوهات هوليوود ( الأمريكية ) في أفلام رعاة البقر !..

وجه الشبه بين الفلسطينيين والهنود الحمر ، أن كلا الشعبين تعرضوا لاحتلال عسكري و استيطاني ، وليس الاحتلال العسكري فقط .. وهو ما يعني أن عدد أفراد الاحتلال أكبر من عدد السكان الأصليين للبلد المحتل .. ويمكن تفسير ذلك بحسبة رقمية بسيطة أوضح فيها هذا المعنى ، مقارنة بدول أخرى محتلة كالعراق أو أفغانستان .. فحتى يتفق معنى كلمة احتلال بين فلسطين وهاتين الدولتين ، يجب أن لا يقل عدد أفراد الاحتلال في إحداهما عن ثلاثين مليون شخص على الأقل ، من بينهم أكثر من سبعة مليون ونصف جندي مسلحين بأحدث أنواع الأسلحة .. هنا فقط يمكن أن نقول : إن الاحتلال في أفغانستان وفي العراق هو نفس معنى الاحتلال في فلسطين !.. فإن لم يكن هذا التساوي قائماً ، فلا وجه للمقارنة أبداً وكل حالة يكون لها خصوصيتها ، فأي مقارنة لن تكون مفيدة ولا منطقية ولا مجدية لاختلاف الظروف ..

نعود للهنود للحمر ..
هل نسمع عنهم اليوم شيئا ؟ ..
هل هناك أي جبهة تحرير أو حركة مقاومة للهنود الحمر ؟..
الجواب ببساطة : لا .. لأنهم انقرضوا .. انقرضوا رغم أن عددهم كان بالملايين .. انقرضوا نهائياً ولم يعد لهم أي وجود .. ومن بقي منهم ذاب كما يذوب الملح في ثقافة وعقيدة المحتل .. ربما يظن البعض أن الانقراض كان بفعل المحتل الأوربي وما فعله بهم من مجازر وتقتيل !.. لا أبداً .. رغم أن هذا كان أحد الأسباب .. ولكن السبب الرئيسي وراء انقراضهم ، هو الحروب الأهلية التي كانت تحدث بين القبائل ، والتي كان يؤججها ويسعرها الاحتلال مستغلا ثقافة الكراهية فيما بينهم ، بل كان يعمل ويعّمد ويعمقّ هذه الثقافة فيما بينهم ، لتتحرك آلة الهلاك أكثر وتحقق لهم الفناء الكامل .. تذكروا هذه الكلمة جيدا لأنها هدف المحتل دوماً .. الفناء .. فالمحتل لا يمكنه أن يفني شعباً مهما فعل بحقه من جرائم .. لكن الشعب الواحد يمكنه إفناء نفسه بنفسه بكل سهولة لو سمح للكراهية التغلغل في نظام حياته .. أما أدوات الهلاك ، فالمحتل يتكفل بها بأسعار مخفضة وأحياناً مجاناً بلا مقابل !..

حسناً .. لنترك الهنود الحمر وأسباب فنائهم ولننظر لبداية حالات مشابهة تحدث اليوم في تاريخنا المعاصر ..
في العراق هناك احتلال وهناك مقاومة شريفة ينتج عنها ضحايا عراقيين نحسبهم شهداء ولا نزكي على الله أحدا .. لكن في المقابل هناك حرب أهلية بين العراقيين أنفسهم ، سقط فيها ضحايا أضعاف الذين يسقطون بيد الاحتلال .. وعلى الرغم من الرقم المهول في أعداد القتلى ، إلا أن كل المؤشرات تفيد ، بأن الحرب الأهلية مازلت في بدايتها .. وهذا النوع من الحروب حين يحدث في ظل احتلال ، لا ينتهي إلا بأمرين اثنين لا ثالث لهما .. إما بحكمة تُوقف كرة الكراهية التي تتدحرج على جبل من ثلج .. وإما تستمر في اندفاعها للنهاية وتفني الجميع !..

طيب .. لنفرض أن هذه الحكمة حدثت في العراق اليوم .. ألن يقول ذوو من قتلوا تحت عجلة الكراهية : لماذا لم تحدث أمس ؟ .. هذا يؤكد أن كل يوم يمر تدور فيه عجلة الكراهية وهي تفتك بالعراقيين ، فيه خسارة كبيرة لشعب العراق ، وكلما كان التعجيل بإيقاف دورانها مبكرا كان أفضل للجميع .. إن لم يكن من أجل التفرغ لبناء العراق، فعلى الأقل من أجل التفرغ لمقاومة الاحتلال وإحباط أهدافه وإفشال خططه !.. أما الأفضل من كل هذا هو أن تتدخل الحكمة لمنع هذه الحرب من بدايتها ، لكن من الذي سيفهم حينها أنها حكمة وحسن تدبير وليست تخاذلا أو تفريطا ..!!

عندما عقدت حركة حماس مع حركة فتح اتفاق مكة والذي نتج عنه ما يُسمى بحكومة الوحدة الوطنية ، انبرت أقلام وألسن الذين ينظرون تحت أقدامهم واتهموها بالتفريط والتحالف مع الخونة ، لم ينظروا إلى هذا الاتفاق على أنه أوقف فتنة كان يمكن أن يكون لها تداعيات جسام كما يحدث الآن في دول إسلامية محتلة .. منها على سبيل المثال أن تصل الأمور للدرجة التي يقف فيها أفراد حركة فتح طوابير أمام معسكرات الجيش الصهيونية للتجنيد في صفوف الجيش الصهيوني لمواجهة حماس .. ألم يمنع هذا الاتفاق ويوقف جسراً جوياً من المساعدات العسكرية الأمريكية كانت موجهة إلى حركة فتح لتحارب بها حركة حماس .. ثم ما الذي تغير في برنامج ما يُسمى بحكومة الوحدة الوطنية عن البرنامج القديم ؟ .. أليس هو نفس البرنامج الذي يحترم أو يلتزم أو حتى يُقدس أي اتفاق فيه مصلحة للشعب الفلسطيني ؟!! ، وهو ما يعني أيضا إن كانت هذه المصلحة غائبة من كل الاتفاقات فلا احترام لها ولا التزام بها ..

نحمد الله تعالى أن منّ علينا بأمثال قادة حركة حماس الذين مزجوا بين الذكاء والخبرة والإرادة وأوقفوا نزيفاً كان يمكن أن يتحول إلى أنهارا من دم ، بينما يقف العالم حينها يحصي عدد قتلى ركاب السفينة التي حتماً ستغرق حين تتحول لميدان معركة !..

وعلى ذكر السفينة وركابها .. وكلامي هذا أوجهه إلى المتنطعين الذين يتصرفون كرهبان النصارى وأحبار اليهود وكهنة الفراعنة باسم الإسلام والعقيدة .. أما سمعتم قول الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث السفينة : (فإن أخذوا على يديه أنجوه ونجوا أنفسهم، وإن تركوه أهلكوه وأهلكوا أنفسهم ) ؟؟

قال عليه الصلاة والسلام : أنجوه ونجوا أنفسهم .. أي يأخذوا على يديه لتكون النجاة من نصيب الجميع .. مع أنهم لو ألقوه في البحر أو قتلوه ، لنجوا أنفسهم أيضاً .. لكن الحكمة تقتضي إيجاد السبيل لنجاة الجميع حتى ترسو السفينة على بر الأمان .. رحم الله سفيان الثوري رضي الله عنه حين قال : ( إذا أدبرت الفتنة عرفها كل الناس ، وإذا أقبلت لم يعرفها إلا العالم ) ..

 

* مشرف المحور السياسي – شبكة فلسطين للحوار

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات