الأحد 28/أبريل/2024

خسائر بلا حدود

خسائر بلا حدود

صحيفة الخليج الإماراتية

ما من أسبوع يمر منذ الحرب على لبنان في الصيف الماضي إلا وينشر المزيد من التقارير والمقالات العبرية عن الخسائر الحقيقية التي منيت بها الدولة العبرية في تلك الحرب، والتناقض الملحوظ في الإحصاءات تتحكم به الأمنيات والرغائب، فالمتحمسون للحرب يحاولون التقليل من شأن الخسائر الفادحة. والمعارضون للحرب يرون فيها انعطافة كبرى تذكر اليهود بانعطافة عام 1973 بعد حرب رمضان.

آخر ما طالعتنا به الصحف العبرية تقرير سيفر بلوتسكور المنشور في “يديعوت احرونوت”، والذي يقر بخسائر تل أبيب في تلك الحرب، حيث إنها بلغت 18 مليار شيكل، وكان المكتب المركزي للإحصاء أعلن عن انكسار عميق للجهاز الاقتصادي في الدولة العبرية، فقد انخفض الإنتاج المحلي بمعدل سنوي بلغ واحداً في المائة، وتضاءل إنتاج القطاع العملي بمعدل أربعة في المائة، وهذه الإحصاءات تؤكد أن الخسائر تكاد تكون ذاتها أو على الأقل متشابهة، في الحرب على لبنان وفي السنوات التي شهدت ذروة الانتفاضة الفلسطينية.

إن الإعلام الصهيوني يتلاعب حتى بالأرقام إضافة إلى مهارته في التلاعب بالعقول. ومن يعترفون بالخسائر، يعودون في مواقف أخرى إلى الادعاء بإمكانية الاستدراك، خصوصاً ما ينقل عن بنيامين نتنياهو وزير المالية الأسبق، الذي وعد اليهود بقفزة نوعية على صعيد الاقتصاد إذا قيض له أن يفوز في الانتخابات.

والأرجح إن الخسائر الحقيقية لم تعلن بعد لأنها تخضع إلى رقابة صارمة، وهناك محاولات لتهوين الأمر، أو ما يسمى ترشيد الصدمة بالنسبة لليهودي الذي دفع ثمن حرب فاشلة، لم تحقق حتى هدفاً واحداً من أهدافها الأربعة، سواء ما كان منها معلناً أو مضمراً.

وقد يكون صحيحاً ما يقال بأنه ما من حرب بلا خسائر، اللهم إلا تلك التي تعود فيها الجيوش بالغنائم أو تحتل بلاداً وتسطو على ثرواتها، لكن هذه الحرب أضافت إلى الخسائر المادية خسارة معنوية كبرى، هي كسر ما يسمى متوالية الانتصارات السريعة.

واستمرار لجان التحقيق في الاستجواب، وما ينشر من تبادل للإدانات بالتقصير يضيف إلى الخسارة المعنوية خسارة أخرى هي أخلاقية بامتياز. فقد اندلعت أزمة الثقة إلى ذروتها بين السياسي والجنرال، وبين المجند والضابط، وأخيراً بين المواطن العادي وما سوق له من شعارات الحرب. لقد مر ما يقارب التسعة شهور على تلك الحرب التي شملت لبنان كله، لكن الحقائق لا نصاب زمنياً لها كالحمل، بحيث تولد بعد تسعة شهور أو سبعة، لأنها قد تعاني من إجهاض مماثل لما تعانيه النساء الحوامل إذا كان الحمل غير شرعي.

وما من حرب شرعية على الإطلاق إا تلك التي تقاوم الشعوب من خلالها الغزاة الذين ينتهكون سيادتها، والبادئ هو الأظلم على الدوام.. لكن المنطق المعكوس، وفلسفة الدفاع عن الأخطاء هي ما يؤدي إلى هذا التخبط بعد حرب تخوضها الدولة العبرية ضد العرب، فهي تعلن نصف الحقيقة وأحياناً ربعها. محتفظة لنفسها بما لا يهدر ماء الوجه، خصوصاً إذا كان الإعلام العسكري المقترن بالحرب، يقدم وعوداً حاسمة بالظفر السريع والمجاني.

لقد كانت الحرب على لبنان جملة معترضة في أكثر من كتاب، فهي جملة معترضة في كتاب العسكرتاريا الصهيونية، كسرت المتوالية التي ظن الجنرالات إنها مضمونة، ببوليصة تأمين تاريخية، وهي جملة معترضة في تاريخ العرب المعاصر، لأنها لم تكن هزيمة تضاف إلى مثيلاتها خلال نصف قرن.

وقد تكون الحرب بالمعنى الميداني قد انتهت أو دخلت عطلة لا نعرف كم ستدوم، لكنها بمقياس آخر لا تزال قائمة، بحيث لم يتفق الخاسرون فيها حتى على حجم خسائرهم.

وان المراقب حتى لو كان محايدا ليعجب من هذا الإصرار وهذه المكابرة الصهيونية، بحيث يبحث الجهابذة الاسبارطيون، والحاخامات عن نصر صغير داخل الهزيمة الكبرى.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

اشتباكات ومواجهات مع الاحتلال في الضفة

اشتباكات ومواجهات مع الاحتلال في الضفة

الضفة الغربية- المركز الفلسطيني للإعلامواصلت قوات الاحتلال عمليات الاقتحام والمداهمة لقرى ومدن الضفة الغربية، فجر الأحد، وسط عمليات اعتقالات وتصدي...