السبت 27/أبريل/2024

السلام في الشرق الأوسط.. آفاق ملبدة بالغيوم

السلام في الشرق الأوسط.. آفاق ملبدة بالغيوم

صحيفة البيان الإماراتية

يبدو أن كل ما يتصل من تصريحات وزيارات جيئة وذهاباً إلى المنطقة ومنها، اجتماعات ولقاءات ثنائية وأكثر تحت عنوان وهدف تنشيط أو إعادة إحياء العملية السلمية، لا ينطوي على توفر الإرادات المطلوبة لتحقيق هذا الهدف بقدر ما أنه ينطوي على عملية تضليل ضخمة، وإذا أحسن النوايا فإنها تندرج في إطار حملة علاقات عامة، بهدف التغطية على عدم رغبة الأطراف المعنية في توفير إرادات الوصول إلى حلول مقبولة للصراع الفلسطيني العربي – الإسرائيلي.

الحديث يدور عن عدم نضج الظروف الموضوعية والذاتية بما يؤدي إلى تسوية عادلة بالمعنى النسبي لهذا الصراع المديد والدامي، وتضارب الاستراتيجيات والمصالح على المستويين الدولي والإقليمي إلى حد لا يوفر الأرضية المناسبة للحل.

قبل قليل وبعد اتفاق مكة بين حركتي «فتح» و«حماس»، كانت الإدارة الأميركية، قد أظهرت عزماً على تنشيط زيارات وزير خارجيتها إلى المنطقة، في إطار إعلاني، يتصل بإحياء المفاوضات وعملية السلام وحيث تقوم بإجراء لقاءات ثنائية وجماعية من بينها ما اعتبرته اللقاء الأهم والذي أدى إلى توليد أوهام بشأن القمة الثلاثية التي جمعتها في القدس يوم 19 فبراير إلى الرئيس محمود عباس ورئيس الحكومة الإسرائيلي إيهود أولمرت.

هذه الحركة الأميركية النشطة، بما في ذلك تكرار اجتماعات الرباعية الدولية في أوقات متقاربة، جاءت تزامناً بعد تقديم مجموعة بيكر – هاميلتون تقريرها للإدارة الأميركية، والتي قابلته بقدر ملحوظ من التحفظ، ودفعها لاستخلاص ما عرف لاحقاً بالاستراتيجية الأميركية الجديدة في العراق.

من بين أهم فرضيات الاستراتيجية الأميركية الجديدة، تعزيز الوجود العسكري الأميركي، بزيادة عدد القوات، والموازنات، وبالتعاون مع الحكومة العراقية، تصميم خطة أمنية ضخمة تستهدف ملاحقة المقاومين والإرهابيين من بيت إلى بيت، وإحداث توازن في علاقتها بين الشيعة والسنة، واستهداف الميليشيات المحسوبة على إيران والقريبة منها، فضلاً عن مطالبة الدول العربية المعتدلة بتأييد ودعم تلك الخطة.

واضح أن الإدارة الأميركية تواجه أزمة ومغامرة كبرى في العراق إذ يعكس إصرارها على خطتها رغم تزايد المعارضة الديمقراطية، وحتى السياسة الخارجية من قبل حلفائها الأوروبيين، فإما أن يؤدي نجاح الخطة لتعزيز المصالح والاستراتيجيات الأميركية في المنطقة، وإما أن الفشل في العراق سيشكل مقدمة لانهيار هذه الاستراتيجيات وتعرض مصالحها للخطر، ويتضح أيضاً أن الإدارة الأميركية لا تضع خطوطاً حمراء إزاء فحص كل إمكانية لتحقيق النجاح بما في ذلك إذعانها لفكرة عقد مؤتمر دولي في العراق تحضره كل من إيران وسوريا، وربما أيضاً لا يغيب عن الأجندة السياسية الأميركية إمكانية الدخول لاحقاً في مقايضة مع إيران بشأن ملفها النووي، ودورها في العراق، إن كان ذلك سيساعد في نجاح الاستراتيجية الأميركية الجديدة.

في ضوء ذلك يكون من السهل الوصول إلى استنتاج مفاده أن الملف العراقي يتصدر مركز الأولوية والاهتمام بالنسبة لإدارة بوش، لما يترتب عنه من نتائج تتصل بالسياسة الأميركية في المنطقة، ومن تأثيرات على حظوظ الجمهوريين في انتخابات الرئاسة الأميركية التي ستجرى بعد نحو عامين، غير أن عاملاً مهماً دخل على خط الأولويات الأميركية، بما يفرض عليها أن تبدل أولوياتها لصالح معالجة ملف الصراع الفلسطيني العربي – الإسرائيلي، ولكن لرفع مستوى الاهتمام بهذا الملف إلى حد يرضي المتطلبين العرب والأوروبيين الذين لا يكفوا عن التطلع لأن يتحمل المجتمع الدولي مسؤولية أكبر، وأن يبذل جهوداً جدية لمغادرة مواقع إدارة الأزمة إلى حلها، كما قال مؤخراً المنسق الأعلى للسياسة الأوروبية خافيير سولانا.

إن هذا هو ما يفسر تردد وزيرة الخارجية الأميركية والعديد من مبعوثي الإدارة إلى المنطقة، وتكرار دعوة الرباعية الدولية للانعقاد في أوقات متقاربة، وبدون أي تغيير لا على المرجعية السابقة وهي خطة خارطة الطريق، ولا على الآليات، حيث تبدي واشنطن والرباعية دعماً أكبر لقناة المفاوضات الثنائية الفلسطينية – الإسرائيلية، بطرق سرية وعلنية، وبمراجعة أو تشجيع ملحوظ أكثر من السابق.

اعتماد المرجعية القديمة التي تجاوزتها أحداث أربع سنوات حافلة بالمتغيرات منذ الإعلان عنها أواسط 2003، ومرجعية المفاوضات الثنائية والمباشرة، لا يعكس جدية التوجه نحو البحث المجدي عن حلول قريبة، بقدر ما أنه يعكس قدراً من الرغبة في المشاعلة واستهلاك الوقت ليس أكثر، ذلك أن واشنطن لا تزال ترفض فكرة أن ما وقع من أحداث ومتغيرات، يفرض إعادة بناء العملية السياسية وليس إعادة إحيائها.

وإذا كانت واشنطن كطرف أساسي مهيمن على الملف، والرباعية الدولية كإطار عام، لا تملكان مشروعاً جديداً متبلوراً تقدمه لأطراف الصراع، فإن وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس قد خفضت سقف توقعات كل الأطراف حين أعلنت صباح القمة الثلاثية في القدس يوم التاسع عشر من فبراير الماضي، أنها تستبعد تحقيق رؤية الدولتين خلال ما تبقى من عمر الإدارة الأميركية برئاسة جورج بوش الابن.

وفي واقع الحال، فإن شروط تحقيق تقدم في العملية السلمية غير ناضجة أيضاً على المستويين الإسرائيلي والفلسطيني. ففي حين يقف على رأس السياسة الإسرائيلية حكومة ضعيفة، لا تملك الحد الأدنى من مقومات القيادة القادرة على اتخاذ مبادرات وقرارات استراتيجية، فإن الوضع الفلسطيني حتى بعد اتفاق مكة لا يزال لم يخرج من غرفة الإنعاش، فيما لا يملك أحد ضمانة أكيدة بشأن ثبات اتفاق مكة واستمراره لفترة طويلة تسمح بإعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني، بما يؤهله لخوض مغامرة السلام وتحمل تبعاتها واستحقاقاتها.

ثمة لغم آخر كبير يكمن في رؤية الدولتين، التي تعتبرها واشنطن والكثير من الأطراف على أنها عنوان وناظم وهدف العملية السلمية، وإذا ما توفرت المناخات المناسبة لعودة، الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي للمفاوضات، فسيتضح حينها، مدى صعوبة التوصل إلى اتفاق يتصف بالحد الأدنى من العدل، والقبول والاستقرار، بل ربما تتعطل المفاوضات في بداياتها وقبل أن تقلع.

التساؤل يدور عن حدود وطبيعة الدولة الفلسطينية، حتى لو أن الأطراف اتفقت على استبعاد فكرة الدولة ذات الحدود المؤقتة التي تنص عليها خارطة الطريق، وهل يمكن أن يقبل الفلسطينيون دولة حتى لو كانت ذات سيادة، ومتصلة جغرافياً، وقابلة للحياة سواء عبر الغذاء الطبيعي أو من خلال المحاليل؟

السؤال هنا يذهب إلى الالتزامات التي سبق أن قدمها بوش لرئيس الحكومة الإسرائيلية السابق شارون، والتي ورد فيها ما يمنح “إسرائيل” الحق في الاحتفاظ بالتكتلات الاستيطانية التي تتسع يوماً بعد آخر في الضفة، وتنهش هي من ناحية والجدار العنصري من ناحية أخرى المزيد من أراضي الضفة الغربية، وباعتبار ذلك من وجهة نظر أميركية استجابة للتغيرات الديموغرافية التي وقعت على الأرض بحكم الأمر الواقع.

ويمتد السؤال لتفضي الإجابة عنه إلى انغلاق طريق الاتفاق على تسوية عادلة ومقبولة في الأمد القريب، حين يتصل الأمر ببقية قضايا ملف مفاوضات الوضع الدائم، ومن أبرزها وأخطرها، قضية القدس التي تتعرض لعملية تهويد وعزل متسارعة، وإلى عملية تهديد مباشر للأماكن المقدسة، والمعالم الأثرية والتاريخية والحضارية التي تضفي على المدينة طابعها العربي وانتمائها.

إن “إسرائيل” التي تواصل العمل ليل نهار في القدس، وتتصرف على اعتبار أنها عاصمة أبدية لها، إن “إسرائيل” تتوقع أن تشكل القدس عقدة كبيرة وكأداء آملة تواصل ونجاح العملية السياسية.

أما الموضوع الآخر شديد الخطورة أيضاً فهو الذي يتصل بملف عودة اللاجئين باعتباره جوهر القضية الفلسطينية، وإزاءه كان بوش قدم لشارون من خلال ما يسمى «بوثيقة الضمانات الأميركية» في 14 أبريل 2004، قدم له ضمانة بأن ترفض الولايات المتحدة أي حل لهذه القضية، ودعا الفلسطينيين لقبول عودتهم إلى الدولة الفلسطينية في حال قيامها.

عند هذا الحد يمكن أن نتصور ما الذي يمكن أن تسفر عنه الجهود الأميركية والأوروبية والإقليمية، وما تستهدف واشنطن تحقيقه من وراء هذه الجهود الصاخبة، وأي أفق متاح للتسوية السياسية خلال المرحلة القريبة المقبلة، والتي قد تطول ما لم يتم إعادة بناء كل العملية السياسية برمتها عبر المؤتمر الدولي والأمم المتحدة كإطار، والمفاوضات الجماعية كآلية، وتنفيذ قرارات الأمم المتحدة ذات العلاقة، كهدف. 
 
 كاتب فلسطيني

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات