الجمعة 10/مايو/2024

انصر أقصاك

انصر أقصاك

لا يسع أحداً التعلل بالجهل، فإن القوم لا يدارون، ولا يداورون، بل يعلنون ويصرحون، أنه لا بد من إقامة الهيكل، وأن الرب -بزعمهم- لن يرضى، والمسيح المتنظر لن ينزل، إلا إذا أقيم الهيكل، ولن يقام الهيكل إلا إذا أزيح الأقصى.

وحجر الأساس لهيكلهم، الذي مرروه أمام أعيننا وأمام العالم قبل بضع سنين، ما زال محفوراً ذاك الحدث الاجرامي الأليم اللئيم، ما زال محفوراً في الذاكرة. وقصة بقرتهم الحمراء، ما زالت أصداؤها تتردد، وما دين يقوم على أساطير؟! ليس هنا المهم. المهم أن العالم المغفل المستغفل يصدق أساطيرهم.

أقول: لا عذر لأحد إذن بالجهل. فالقوم يصرحون لا يلمحون أنه لا بد من إقامة الهيكل وإن طال السفر، أو وإن طال الانتظار. وأعداؤنا المجرمون إذا وضعوا نصب أعينهم هدفاً، لم يفارق أعينهم حتى يحققوه، وحسرة على وضع أمة أحسن أحوالها هبة تنطفئ جذوتها بعد أيام. لا عذر بالجهل والقوم يعلنون أن الرب لن يرضى عنهم إذا لم يقم الهيكل سنة 2007، يعني هذه السنة.

لا عذر بالجهل، وقد منعوا المصلين يوم الجمعة الماضي من بلوغ أقصاهم ومسرى نبيهم وقبلتهم الأولى وقبلة نبيهم صلى الله عليه وسلم.

لا عذر بالجهل وجرافاتهم قد أزالت باب النبي صلى الله عليه وسلم، وتعبث الآن وتعيث خراباً في حائط براق النبي صلى الله عليه وسلم.

وكل هذا الذي يجري على خطورته بالون اختبار، أمام الخطوات التي تعقب ما يجري، إن لم نوقف ما يجري.

ولا عذر باصطناع العجز أو ادعاء الضعف. فقرابة مليار ونصف من المسلمين وقرابة الثلث منهم من العرب، أيعجزون عن نصرة مسرى نبيهم وثالث مساجدهم، وثاني بيت وضع لعبادة الله، وأول قبلة صلينا إليها؟ العجز وهم. وتوهم قوة الخصم وهم آخر. وقد التقت علينا الحلقتان، والتفت من حول عقولنا السلسلتان، والآن آن أن نكسر حلقات الوهن والوهم، وننضو عنا سلاسل الضعف ونخرج من مسلسل الانكسار والانهيار.

أيدعي أحد عجزه وقلة حيلته وهو يرى ابنه يلوب ألماً يصارع الموت، أو يقترب منه عقرب؟ أيسع أحدا في مثل ذلك الوضع أن يدعي الوهن والهوان وقلة الحيلة؟

إن التنين اللعين يقترب الآن من مسرى سيد النبيين صلى الله عليه وسلم، ومن مسجده، فهذا مسجده، ومسجد أبيه إبراهيم، أفندعه نهباً للطامعين؟

أما تعلم من درس حرم الخليل وقد صادروه، وأوشكنا أن ننسى قصته ومأساته؟ أيسركم أن يتكرر مع مسجدكم الحبيب ما حدث لأخيه من قريب؟

ما الحياة إن مس الأقصى؟ ما قيمة وجودنا إن تطاول اللئام على شقيق المسجد الحرام، ومسجد النبي عليه الصلاة والسلام؟

أليست الحياة موقفاً؟ أليست وقفة العز لنصرة دين الله ومسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم تساوي الدنيا وما فيها؟

المطلوب اليوم دون تطويل ولا مقدمات: أن يستنفر كل منا مخزونه من الطاقة والقوة والقدرة والعزم والإرادة، وأن نرفض نفسياً الذل والهوان، وأن نتعوذ بالله من العجز وقلة الحيلة.. ولا تهنوا.. ثم أن ننبذ الآن وفوراً كل خلاف، وكل تناقض، وكل جدل ونزاع حول أية مسألة، ولتتوجه الهمم نحو قضية القضايا. فهناك أولويات، وهناك فريضة الوقت، والآن فريضة هذا الوقت: نصرة الأقصى.

ثم ليجعل كل معلم وقتاً من كل حصة للتبصير بالأقصى قدسية وقضية، لا بصورة شكلية، ولكن بطرح عميق وصادق وحي.

وليجعل الإعلام قضية الأقصى قضيته، بدل ملحق الكرة، وملحق الفن، وملحق الطبخ، وملحق السوق.. لنجعل صميم قضية الإعلام، وشغل العقول والأذهان: قضية الأقصى.

ثم لتفعّل كل مؤسسات المجتمع المدني، ولنجعل شعار التحرك: انصر أقصاك. افد الأقصى. احم المسرى. ولنردد كلمة المصطفى صلى الله عليه وسلم حين نصره عمرو بن سالم: «لا نصرت إن لم أنصرك».
 
* صحيفة السبيل 20/2/2007

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات