الخميس 09/مايو/2024

المدينة المقدسة في ربع الساعة الأخيرة

المدينة المقدسة في ربع الساعة الأخيرة

صحيفة البيان الإماراتية

المدينة المقدسة تمر في لحظات حاسمة بعد أن طالتها عمليات الاستيطان الكولونيالي التوسعي الصهيوني، فقضمت من على أرضها الأخضر قبل اليابس، وانتقلت مما فوق الأرض إلى ما تحت أسوار الأقصى المبارك، في خطوات إسرائيلية مدروسة للأطباق الكامل على المدينة «والإنهاء التدريجي» لطابعها العربي الإسلامي والمسيحي، بعد أن كانت الدولة الصهيونية قد فرضت عملية التهويد الكامل على أجزائها الغربية المحتلة عام 1948 .

وبالرغم من التحركات الإيجابية من قبل الهيئات والمنظمات والمؤسسات الإسلامية في العالم لإنقاذ المدينة من سرطان التهويد إلا أنها بقيت دون المستوى المطلوب، فيما أثمرت الجهود المثمرة الكبيرة على يد الحركة الإسلامية داخل «إسرائيل» بقيادة الشيخ رائد صلاح في سياق الدفاع عن عروبة المدينة المقدسة، وعن أوابدها وتراثها ومقدساتها العربية الإسلامية والمسيحية، خصوصاً في ظل أعمال الحفر السرية تحت وحول المسجد الأقصى، والتي تواصل القيام بها أطراف صهيونية تحت غطاء سلطات الاحتلال .

وتشكل أعمال الحفريات المشار إليها، بحثاً عن «الهيكل» المزعوم خطورة بالغة، إذ أنها تستهدف تفريغ الأتربة والصخور من تحت المسجد وقبة الصخرة لتركهما قائمين على فراغ يجعلهما عرضة للانهيار والسقوط. فالحفريات أسفل المسجد الأقصى بدأت بعد الاحتلال الكامل للمدينة المقدسة عام 1967، ومرت بعشرة مراحل مختلفة :

المرحلة الأولى حين هدم الاحتلال حي المغاربة نهائياً لتكون الأرض جاهزة لأي أعمال حفر وتنقيب. واستمرت الحفريات في هذه المرحلة سنة كاملة، ووصل عمقها إلى 14 متراً.

وفي المرحلة الثانية استمرت أعمال الهدم في الأحياء الإسلامية مع إجلاء سكانها العرب . وفي هذه المرحلة حدث حريق المسجد الأقصى عام 1969، وأقيمت في تلك الفترة المعاهد والمدارس والاستراحات والفنادق وغيرها فوق أنقاض الأبنية العربية، وجرت الحفريات على امتداد 80 متراً حول السور .

المرحلة الثالثة كانت بين العامين 1970 – 1972 حيث بدأت بشق الأنفاق تحت أسوار المسجد الأقصى من جانبها الجنوبي والغربي حتى نفذت إلى الأرضية الداخلية تحت ساحة المسجد، وشملت هذه المرحلة الاستيلاء على أبنية إسلامية كثيرة منها المحكمة الشرعية .

أما المرحلة الرابعة فكانت عام 1973 وخلالها اقتربت الحفريات من الجدار الغربي للمسجد الأقصى، وتغلغلت مسافة طويلة تحته، ووصلت أعماقها إلى اكثر من 13 متراً. وتوسعت الحفريات في المرحلة الخامسة عام 1974 تحت الجدار الغربي .

المرحلة السادسة بين عامي 1975 – 1976، حيث تعمقت الحفريات، وأزال المحتلون خلالها مقبرة للمسلمين.

وفي المرحلة السابعة عام 1977 وصلت الحفريات إلى أسفل مسجد النساء داخل الأقصى، وتمت خلالها موافقة لجنة وزارية إسرائيلية على مشروع بضم الأقسام الأخرى من الأراضي المجاورة للساحة وهدم ما عليها بعمق 9 أمتار .

وفي المرحلة الثامنة عام 1979 بدأت حفريات جديدة تحت الجدار الغربي قرب حائط البراق الذي يسميه الإسرائيليون «حائط المبكى» وشق نفق واسع طويل تقرر الاستمرار فيه حتى يخترق المسجد الشريف من شرقه إلى غربه، وتم تحصين هذا النفق بالإسمنت المسلح وأقيم كنيس صغير يهودي افتتح رسمياً من قبل رئيس دولة الاحتلال .

أما في المرحلة التاسعة خلال عام 1986 فقد استمرت الحفريات من جانب، وتم إجلاء أعداد كبيرة من السكان من القدس القديمة، وأغلقت سلطات الاحتلال مشفى فلسطين داخل البلدة.

وبدأت المرحلة العاشرة منذ عام 1989 وما زالت إلى الآن، مع ما رافقها من هبة نفق الأقصى .

وفي سياق العملية الاستعمارية الاجلائية التهويدية الجارية فوق الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967 خاصة في منطقة القدس، تأتي عملية المضايقات التي مارستها سلطات الاحتلال منذ العام 1967 بحق المواطنين الفلسطينيين من أبناء الطوائف المسيحية، حيث تقلصت أعدادهم بشكل مذهل، كما هو الحال مع مجمل أبناء المدينة من الفلسطينيين .

والآن، يبلغ عدد المسيحيين في المدينة المقدسة وقسمها الشرقي وفقاً لآخر إحصاء، نحو عشرة آلاف نسمة، وكان عددهم عام 1967 زهاء خمسة وعشرين أ لف نسمة، وفي عام 1948 زهاء 175 ألفاً.

هذا التناقص في أعداد المسيحيين العرب الفلسطينيين في القدس، يعزى إلى هجرة الكثيرين منهم بفعل معاناة الشعب الفلسطيني المستمرة في مواجهة الغزو الصهيوني وخصوصاً بعد حربي 1948 و1967، إضافة إلى المعاناة الكبرى التي يواجهها الشعب الفلسطيني بمجمله وبجميع طوائفه من سياسات الاحتلال.

وبحسب مصادر بعض المطارنة الفلسطينيين في القدس، فإن أعداد المسيحيين الفلسطينيين سترسو مع نهاية العام 2006 م على عدد لا يتجاوز 2000 نسمة، ولم تشهد أعداد المسيحيين الفلسطينيين في مناطق الضفة الغربية كبيت لحم وبيت ساحور ورام الله تناقصاً مثيلاً في نسبته العالية لما شهدته وتشهده مدينة القدس العربية .

والأسباب تعود بجوهرها لسياسات الاحتلال ودوره في خلق معاناة كبرى أمام سكان القدس من مسلمين ومسيحيين لدفعهم للرحيل. فالمسيحيون الفلسطينيون الذين كانوا يشكلون 20% من الشعب الفلسطيني حتى عام 1948، أصبحوا يشكلون الآن 2% فقط من سكان فلسطين التاريخية: غزة والقدس والضفة الغربية وإسرائيل معاً .

فقد اضطر 37% من المسيحيين الفلسطينيين للهجرة عام النكبة، وأدت سياسة التهويد التي مارستها سلطات الاحتلال الإسرائيلي إلى اجتياح عدد من المؤسسات الدينية المسيحية (والإسلامية أيضاً). وكان دير الآباء البنديكت في جبل الزيتون في القدس أول دير يحتله الإسرائيليون، ومنه قصفوا دير الأرمن الأرثوذكس بمئة قنبلة مورتر في 17 مايو 1948 من ذلك العام فقتلوا ثمانية من الرهبان وأصابوا 120 شخصاً آخرين .

كاتب فلسطيني – دمشق

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات