الثلاثاء 21/مايو/2024

كثير من الاغتيالات المسكوت عنها في صراعات الأجهزة الأمنية

كثير من الاغتيالات المسكوت عنها في صراعات الأجهزة الأمنية

تسلط التهديدات التي أطلقتها مؤخراً جهات متنفذة في حركة “فتح” باغتيال وزراء في الحكومة الفلسطينية وقياديين في حركة المقاومة الإسلامية “حماس”، على خلفية الضغوط على الحكومة حتى تعترف بالكيان الصهيوني؛ الضوء على سجل عمليات الاغتيال، التي شهدتها الأراضي الفلسطينية المحتلة خلال الأعوام القليلة الماضية، والتي طال الكثير منها شخصيات من فتح وضباطاً في الأجهزة الأمنية، على خلفية صراعات الأجنحة، وتقوية مجالات النفوذ بين الأقطاب ومراكز القوى، كما يقول المراقبون.

ومن بين عمليات الاغتيال التي تركت آثارها على مجرى الحياة السياسية الفلسطينية؛ فإنّ تصفية الحسابات داخل السلطة أدّت إلى مقتل عدد من المسؤولين المدنيين والأمنيين وضباط المخابرات البارزين، ممن كانوا أطرافاً في صراعات داخلية في أجهزة السلطة على النفوذ. وقد كان اغتيال رئيس تلفزيون فلسطين هشام مكي، الذي قُتل في فندق “بيتش” على شاطئ بحر مدينة غزة، على أيدي عدد من المسلحين (المجهولين)، أطلقوا النار عليه وانسحبوا من مكان الحادث على دراجتهم النارية، من دون أن يتعرض لهم أحد؛ واحداً من تلك الاغتيالات المعروفة.

الملفت في الأمر أنّ قتل مكي تم على بعد أمتار قليلة من مقر رئيس السلطة الراحل ياسر عرفات “المنتدى”. والملفت للانتباه أيضاً؛ أنّ أحداً من قوات أمن الرئاسة (القوة 17) أو غيرهم من رجال الأمن الموجودين في المنطقة؛ لم يتمكنوا من إلقاء القبض على منفذي عملية القتل أو حتى ملاحقتهم أو تتبع آثارهم.

وما فاجأ الجمهور أنه بعد أيام من اغتيال مكي؛ اهتم النائب العام بأموال القتيل، وأصدر أمراً بحجزها. أما روح مكي والبحث عن قتلته فلم يلق أي اهتمام، وأُغلق الملف، دون أن يطالب قادة “فتح” بالكشف عن القتلة، ولم تتمكن الأجهزة الأمنية، ومن بينها جهاز الأمن الوقائي، الذي كان على رأسه محمد دحلان في ذلك الوقت، من الوصول إلى القتلة، هذا إذا كان ذلك الجهاز قد رغب في فتح الملف.

– دحلان وموسى عرفات

حادثة اغتيال مكي قد تكون الأولى، ولكنها لم تكن الأخيرة في مسلسل طويل من الاغتيالات، طالت قادة في حركة “فتح” فيما بعد. فقد استمر مسلسل الاغتيال في أجواء باردة وأخرى ساخنة. أحد أشهر تلك العمليات عملية إعدام اللواء موسى عرفات (69 عاما)، رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية السابق، بعد أن هاجمت مجموعة كبيرة من المسلحين منزله القريب جداً من مقر الأمن الوقائي في تل الهوى، والذي لا يبعد كثيراً عن منزل رئيس السلطة محمود عباس. وقد استمرت عملية مهاجمة المنزل ما يقرب من العشرين دقيقة أو ما يزيد، دون تدخل أي من الأجهزة الأمنية. وما حصل أنّ عرفات تُرك يواجه قدره، بل تم خطف نجله “منهل”، وبعد ذلك تم تسليمه لقادة “فتح”، الذين لم يذرفوا الدموع على موت واحد من وجوه صفوفهم الحركية المتقدمة، علاوة على صلة القربي التي تجمعه بالرجل الذي طبع فتح بطابعه، أي ياسر عرفات.

الصراع الذي دار بين أقطاب الأجهزة الأمنية في غزة، بين عرفات وجهاز الاستخبارات التابع له من جانب، ومن جانب آخر محمد دحلان الذي بقيَّ محتفظاً بسيطرته على الأمن الوقائي حتى بعد ترك قيادته المباشرة لنائبه رشيد أبو شباك؛ يبدو أنهه كان سبب انحباس الدموع في أعين قادة حركة “فتح”.

وما حصل قبل الاغتيال أنّ مواجهات واشتباكات عنيفة دارت على مدى زمني طويل بين جهازي الاستخبارات والأمن الوقائي، وأدت إلى مقتل العديد من أفراد حركة “فتح”. وفي إطار ذلك تعرض موسى عرفات لعدة محاولات اغتيال، منها محاولة إطلاق قذيفة على مكتبه في مقره بالسرايا، ومحاولة أخرى بتفجير سيارة مفخخة بالقرب من موكبه. وقد فشلت جميع تلك المحاولات في الوصول إلى هدفها، واغتيال عرفات، إلاّ بعد أن تم إجباره على ترك منصبه وإحالته على التقاعد، فتمت تصفية نشاطه، ولم تمر فترة طويلة حتى تم اغتياله. وبالرغم من أنّ جهات معينة أعلنت مسؤوليتها عن اغتياله؛ إلاّ أنّ الكثير من المتابعين يرون أنّ هناك تواطؤاً من أعداء الماضي، أو على الأقل أنّ الرجل تُرك وحيداً ليواجه مصيره.

– تصفية ضباط مخابرات أو اختطافهم

وإذا كان لموسى عرفات أعداء كثر؛ فمن هم الأعداء الحقيقيون لقادة وضباط المخابرات العامة، الذين طالتهم عمليات اغتيال متتالية، وبدأت بالمسؤول في الجهاز تيسير خطاب، الذي اغتيل بهدوء، ولم توجه أي اتهامات لأحد، وتم تحميل الاحتلال المسؤولية، ولكن قلوب الكثيرين وعقول البعض كانت تعلم أن هناك يداً داخلية، هي التي نفذت الاغتيال، ولم يتم أي تحقيق جدي في ذلك. وتلتها بعد ذلك عملية اغتيال الضابط في الجهاز نفسه (المخابرات العامة) عبد الله اللوح، في شارع النفق بمدينة غزة، ومر الأمر كذلك من دون تحقيق.

أما العمليات الأبرز فكانت محاولات اغتيال رئيس الجهاز أحمد شنيورة “أبو رجب”. ووجه الاتهام حينها لبعض الأفراد، وتم اعتقال عدد منهم، ثم إطلاق سراحهم فيما بعد. أما المحاولة الثانية لاغتيال أبو رجب في مصعده بمقر المخابرات في السودانية؛ فقد ألمح العميد توفيق الطيراوي، نائب رئيس الجهاز، إلى تورط عناصر من حركة “حماس” في القضية، ولكنه بعد ذلك أطبق شفتيه وصمت صمت القبور.

ومع أنّ محاولة الاغتيال التي تمت داخل مقر الجهاز الأكثر تحصيناً، والذي لا يدخله إلا من يخضع للفحص الأمني، ومع تسرب أنباء عن اعتقال أفراد لدى الجهاز، على خلفية الحادث؛ إلاّ أنّ أي نتائج للتحقيق لم يتم التطرق إليها، إلى أن تمت عملية اغتيال اللواء جاد الكريم التايه، مسؤول العلاقات الدولية في الجهاز ومرافقيه الأربعة.

– رمتني بدائها وانسلت

بدأ مسلسل الاتهامات الموجه لحركة “حماس” يتوالى من جديد، وأكثره إثارة ما صدر عن محمد دحلان، القائد السابق للأمن الوقائي، الذي اتهم “حماس” بتنفيذ عمليات اغتيال سياسي، ما دفع المتحدث باسم الحركة سامي أبو زهري إلى القول إنّ دحلان هو آخر من يحق له الحديث في مثل هذه الأمور، وذكّره بمحاولته للانقلاب على رئيس السلطة الراحل ياسر عرفات.

وقال أبو زهري إنّ على دحلان أن يجيب شعبنا كيف اغتيل الدكتور حسين أبو عجوة، عضو القيادة السياسية لحركة “حماس”، وكيف تم تهريب قتلته إلى خارج القطاع. وبحسب مصادر خاصة؛ فإنّ أحد منفذي عملية الاغتيال هو هاني زيدية، الذي تم تهريبه إلى الضفة بمساعدة ضباط كبار في جهاز الأمن الوقائي، يتلقون تعليمات مباشرة من مدير الجهاز السابق محمد دحلان. 

– سجل طويل لعمليات ومحاولات اغتيال

ومن خلال إلقاء نظرة سريعة على بعض عمليات الاغتيال، التي تمت في عهد الحكومات السابقة؛ يبدو من الواضح أنّ بعض الأذرع داخل السلطة كانت وما زالت، تعمل بأسلوب العصابات. ولعل ما يعزّز هذا الانطباع هو التسلسل التالي لبعض عمليات الاغتيال والخطف، التي قام بها أشخاص أو جهات محسوبة على السلطة أو على حركة “فتح” خلال السنوات الستة الأخيرة:

– في 19 كانون الأول/ ديسمبر 2000 استشهد العميد عبد المعطي حسين السبعاوي، عضو المجلس الثوري لحركة “فتح” ومساعد مدير الشرطة الفلسطينية للعمليات والتخطيط والتنظيم. والرواية الرسمية للسلطة الفلسطينية قالت إنّه أصيب بشظايا قذيفة صاروخية، أثناء محاولة إبطال مفعولها في منطقة السودانية، على شاطئ البحر، شمال معسكر الشاطئ، في حين ذكرت مصادر فلسطينية حينها أن العميد السبعاوي قد يكون تعرّض لعملية اغتيال في إطار الصراعات الداخلية.

– في الأول من شهر أيلول/سبتمبر 2001 تم اغتيال أحد القادة الأمنيين البارزين، الذين يعملون في جهاز المخابرات العامة الفلسطينية، وهو دكتور تيسير زايد خطاب (42 عاماً)، وهو من سكان مدينة غزة، ويعمل مديراً لمكتب اللواء أمين الهندي، مدير جهاز المخابرات العامة في قطاع غزة.

– في شهر كانون الثاني/ يناير من العام 2001 أعلنت كتائب شهداء الأقصى المحسوبة على حركة “فتح” مسؤوليتها عن اغتيال رئيس محطة تلفزيون فلسطين هشام مكي، لضلوعه في عمليات فساد، ولم تنل القضية أهمية تذكر سوى استنكار عابر.

– في السادس والعشرين من شهر آب/ أغسطس 2004 نجا نائب مدير المخابرات العامة الفلسطينية العميد طارق أبو رجب (اسمه الحقيقي أحمد شنيورة) من محاولة اغتيال، استهدفته قرب مخيم الشاطيء، شرق مدينة غزة. وقد أصيب العميد أبو رجب في تلك المحاولة برصاصتين إحداهما في الصدر.

– في شهر تموز/ يوليو عام 2004 حاول مسلحون اغتيال عضو المجلس التشريعي الفلسطيني نبيل عمرو، بعد أن انتقد ياسر عرفات في مقابلة تلفزيونية. وقد أُصيب عمرو بجروح بالغة واضطر الأطباء لبتر ساقه. ورغم تشكيل السلطة لجان تحقيق، إلاّ أنّ القضية وجدت طريقها إلى أدراج المكاتب ورفوف النسيان.

– في 16 أيلول/ سبتمبر 2004، أقدم مسلحون في غزة على اختطاف العميد محمد البطراوي الذي عيّنه ياسر عرفات رئيساً للرقابة المالية علي أجهزة الأمن، ثم تم الإفراج عنه.

– في منتصف ليلة الثلاثاء الموافق 2 آذار/ مارس 2005، أقدم مجهولون على إطلاق أعيرة نارية على الصحفي خليل محمد الزبن، رئيس تحرير مجلة “النشرة”، وقد قتل الزبن في تلك العملية، التي تمت أثناء خروجه من مكتبه بحي الصبرة بمدينة غزة.

– يوم 6 تموز/ يوليو 2005 تم العثور على جثة عبد الله اللوح، ضابط المخابرات العامة في غزة بعد ساعات من اختطافه.

– صباح الأربعاء 7 أيلول/ سبتمبر 2005، اغتيل اللواء موسى عرفات، مستشار رئيس السلطة الفلسطينية للشؤون العسكرية، ورئيس جهاز الاستخبارات العسكرية السابق، بعد أن اقتحم عشرات المسلحين منزله في وقت مبكر من الفجر، ثم قام المهاجمون باختطاف نجله منهل.

– في الرابع عشر من تموز/ يوليو من العام الماضي، تم اختطاف اللواء غازي الجبالي مدير عام الشرطة الفلسطينية، وتم نقله إلى أحد المخيمات في وسط قطاع غزة، ثم جرى الإفراج عنه بعد تعهد من ياسر عرفات بإقالته. وفي وقت سابق قام عناصر من “فرقة الموت” التابعة للأمن الوقائي والمرتبطة بمحمد دحلان، بوضع رأس الجبالي في دورة المياه بمقره في الجوازات.

– في السادس عشر من الشهر ذاته، اختُطف العميد خالد أبو العلا، مدير الارتباط العسكري في خانيونس، جنوب قطاع غزة، على يد مسلحين من كتائب أحمد أبو الريش، المحسوبة على حركة “فتح”، مطالبين بإعادتهم إلى الخدمة، وتحصيل حقوقهم من السلطة، وأفرج عن الرجل بعد ساعاتمن عملية الاختطاف.

– في 28 تموز/ يوليو 2005 أقدم مسلحون ينتمون لكتائب شهداء جنين على اختطاف أحد ضباط جهاز الاستخبارات العسكرية برتبة رائد، ويدعى جهاد عابد، وكان يعمل مديراً لمكتب مدير جهاز الاستخبارات العسكرية السابق اللواء موسى عرفات. وقد حدثت عملية الاختطاف أثناء عودة الضابط إلى قطاع غزة قادماً من مصر برفقة زوجته وأولاده، الذين أُطلق سراحهم بعد ساعة من وقوع عملية الاختطاف، مع الإبقاء على الضابط المذكور في مكان مجهول في محافظة الوسطى. وقد قام الخاطفو

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات