الثلاثاء 21/مايو/2024

35 دقيقة .. لإحراق ما لم يستطع الاحتلال اختطافه

35 دقيقة .. لإحراق ما لم يستطع الاحتلال اختطافه

مقر مجلس الوزراء الفلسطيني في رام الله، يكاد يكون هادئاً وخالياً من الوزراء. فمعظم وزراء الحكومة الفلسطينية من قاطني الضفة الغربية اختطفهم الاحتلال في حملات متلاحقة وأودعهم خلف قضبانه. أما باقي الوزراء من قطاع غزة، يتقدمهم رئيس الحكومة إسماعيل هنية؛ فلا يتمتعون بالامتيازات التي يحظى بها كبار قادة حركة فتح، من التنقل بين الضفة وغزة، إذ تمنعهم حكومة الاحتلال من ذلك، أو لعلها تهتبلها فرصة لإلحاقهم بزملائهم المختطفين.

مقر مجلس الوزراء الفلسطيني في رام الله، هو بالتالي مبنى بلا وزراء، ولو أمكن للاحتلال أن يختطف المبنى لما تردّد. إلاّ أنّ آخرين أخذوا على عاتقهم المهمة، فأضرموا مقر الوزراء المختطفين لدى الاحتلال، وما يريدونه بوضوح ليس المبنى الذي أتت عليه نيرانهم وإنما المعنى الذي يحمله، أي حكومة الشعب الفلسطيني المنتخبة، والتي لم تستجب لضغوط الرئاسة وإلحاحاتها، بالاعتراف بالكيان الصهيوني ونبذ حق المقاومة ضد احتلال توسعي.

وإذا كان الأمر على هذه الشاكلة مع الرئاسة؛ فإنّ جهازها الأمني الملتصق بها “أمن الرئاسة”، اتخذ خطوتين لافتتين في سياق خطوات كثيرة، يوم الأحد الباعث على الأسف في الشوارع الفلسطينية. الخطوة الأولى كانت إطلاق عناصره النار على مقر المجلس التشريعي بمدينة غزة، مستهدفين الشرعية الفلسطينية وخياراتها التي لا تروق لبعض الأطراف. أما الخطوة الثانية؛ فهي مشاهدة مسرحية مثيرة للأسى في رام الله، استغرقت خمساً وثلاثين دقيقة.

فوحدات الحرس الرئاسي، المعروفة باسم “القوة 17” كانت متمركزة في محيط مقر الوزراء الفلسطيني، لدى وصول فوج من عناصر فتح، ممن حركتهم إرادة انقلابية لها أطرافها وأدواتها وارتباطاتها.

وصل هؤلاء إلى المقر الحكومي الأبرز داخل ما اعتُبر ذات يوم مشروعاً لدولة مستقلة، واقتحموه من بوابته الرئيسة، ثم شرعوا في تحطيم الزجاج والمكاتب ورمي الملفات وبعض المحتويات الى الشارع العام. أما عناصر الشرطة الذين كانوا مرابطين في المكان فقد أخلوا الموقع وانسحبوا منه قبل دقائق من ذلك.

أما الخطوة التي انتظرها “أمن الرئاسة” بترقّب لافت؛ فهي النهاية المحبوكة بعناية لهكذا مسرحيات، أي إضرام النار واندلاع أعمدة الدخان من مقر الحكم الفلسطيني، الذي لا يبتعد كثيراً عن حواجز الاحتلال وثكناته عند أطراف رام الله.

نحو خمس وثلاثين دقيقة أو يزيد قليلاً، استغرقتها المسرحية التي شاهدها متفرجون، كثيرو العدد والعدّة، من قوات حرس الرئاسة، الذين تابعوا باهتمام ما يدور دون أن يسكنوا متحركاً.

مسيرة التخريب والترويع انطلقت من مقر مجلس الوزراء المحترق، صوب أية معالم لحكم فلسطيني منتخب، فحاول هؤلاء الذين علت من بينهم هتافات نابية، اقتحام مقر وزارة التربية والتعليم في رام الله، ولكنهم بعد أن أخفقوا في ذلك؛ عمدوا إلى إحراق سيارتين تابعتين للوزارة.

صولات التخريب وجولاتها توقفت عند مقر صحيفة “منبر الاصلاح” في رام الله، وحاول الانقلابيون اقتحام المقر إلاّ أنهم لم ينجحوا، فما كان منهم إلاّ أن شرعوا في تحطيم زجاج المدخل الرئيس لمكاتب الصحيفة، ثم ألقوا بداخلها الحجارة في محاولة لتحطيم أجهزة الحاسوب.

وتابع عناصر فتح حملتهم، مستهدفين لوحة تضامنية مع وزراء الشعب ونوابه المختطفين في سجون الاحتلال، فاختطفوها من مكانها الذي عُلِّقت فيه، على واجهة إحدى المراكز التجارية وسط رام الله، وأضرموا النار فيها.

وإمعاناً في الإعراب عن حضور الخط الانقلابي؛ اقتحمت هذه الزمرة التي يتقدمها عدد من المسلحين، مكاتب نواب الشعب المختطفين عن دائرة رام الله، والكائنة في عمارة الإسراء، وعاثوا فيها فساداً وتخريباً.

كثير من إطارات السيارات أُحرقت نهار الأحد في مدينة رام الله، بتوقيع التيار الانقلابي، وشلّ المدبِّرون حركة السير، مُرغِمين جمهور المواطنين على إغلاق محلاتهم التجارية في نهار رمضان، آتين على ما تبقى من رمق في قصبة الحياة الاقتصادية للمدينة المشمولة بالحصار الجائر.

في غضون ذلك كله؛ كان مقر مجلس الوزراء الفلسطيني لا يزال يحترق، وقد صدقت تقديرات من لم يتوقع وصول وحدات الإطفاء إلى ذلك الموقع الحيوي الهام في رام الله.

فسيارات الإطفاء التابعة لجهاز الدفاع المدني؛ لم تصل إلى مقر المجلس المشتعل إلاّ بعد ما يربو على الساعة من الواقعة. عندها لم يكن الأمر ليتطلّب أكثر من معاينة الموقع، طالما أنّ النيران قد خمدت بمجرد أن التهمت ما وجدته في طريقها، وأطلقت سحب الدخان في أجواء رام الله، التي ظنّ بعض ساكنيها أنّ قصفاً صهيونياً قد استهدفها.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات