الثلاثاء 21/مايو/2024

فاسدو السلطة .. سهام على الشرعية وعيون على الامتيازات المفقودة

فاسدو السلطة .. سهام على الشرعية وعيون على الامتيازات المفقودة

استشاط غضباً لقرار الوزير نقله من وظيفته، فبدأ يتوعّد بفعل أي شئ للعودة إلى منصبه القديم أو على الأقل الانتقام من الوزير ومن حكومته التي تريد أن تحارب الفساد. ولم يكن أمام هذا ومن شابهه سوى التظاهر والمطالبة براتبه الذي لا يستطيع الوزير تسديده له بفعل الحصار الجائر، وهكذا كانت الفرصة مواتية كي يستغل بعض الفاسدين من كبار الموظفين ظروف الموظفين الصغار المحتاجين.

الهتافات والعبارات التي يرددها بعض المحرضين على الإضراب عن العمل، حملت وراءها الكثير من الأسرار والمعاني. فبالرغم من أنّ مطالب عموم الموظفين المضربين هو الحصول على الراتب؛ فإنّ هناك عدداً آخر منهم يطالب بوقف ما سمّاه “الإقصاء الوظيفي”. إنها عبارة تشي بالكثير مما وراءها، من إرادة متورطين بقضايا فساد إداري وتسيب مالي التمسك بمواقع وظيفية لعهود إضافية.

وفي هذا السياق؛ لاحظ متابعون لخيمة اعتصام نُصبت في غزة في سياق الإضرابات المسيسة؛ أنّ عدداً من المعتصمين بداخلها هم من ذوي المراكز العليا أو كانوا كذلك. فهؤلاء، وهم معروفون بعملهم في وزارات كالصحة التي قام وزيرها الدكتور باسم نعيم بعملية إصلاح كبيرة، شملت تغييرات لبعض الموظفين منهم ذوى النفوذ في الوزارة الذين أساؤوا استغلال وظائفهم.

فقد عمل الوزير نعيم بشكل وصفه المتابعون بأنه جاد وحثيث، لمكافحة من أساؤوا استخدام صلاحياتهم في وزارة الصحة، مما دفع بعض المتضررين من الإصلاحات إلى محاولة تكوين جيوب داخل الوزارة، لعرقلة عمل الوزير الجديد الذي تعهد بمكافحة الفساد، على أمل إفشاله عبر تحريض الموظفين على عدم الانتظام في عملهم.

كما جرى في هذا السياق تحريض الأطباء والممرضين على وقف تقديمهم العلاج للمرضى من المواطنين الفلسطينيين في المستشفيات والعيادات المختلفة، وهي محاولات تعثّرت أمام إرادة الجسم الطبي الفلسطيني، رغم بعض الحالات التي تعرقل العمل فيها بشكل جزئي في بعض المستشفيات والوحدات الصحية في مناطق بعينها من الضفة الغربية.

ومن الوجوه المرتبطة بتنسيق حملة التحريض والعرقلة هذه؛ وزير الصحة السابق الدكتور ذهني الوحيدي، والمتورط بعدة تجاوزات إدارية وإساءة استغلال للمنصب. إذ كانت مصادر في ديوان الموظفين العام بالسلطة الفلسطينية، قد كشفت النقاب عن أنّ هذا الوزير السابق أقدم على توظيف نجله في وزارة الصحة دون مسابقة رسمية. وقالت المصادر إنّ الوحيدي وظّف ابنه ضياء الدين ذهني يوسف الوحيدي، في وظيفة إداري في عيادة الرمال برقم وظيفي 201870، مستفيداً من نفوذه الخاص.

مصادر مطلعة ذكرت أنّ كثيراً من ملفات الفساد قد تورّط بها الوحيدي من خلال منصبه السابق، وأنها قد تُكشف في أية لحظة، داعية النائب العام الى التحقيق مع المدراء العامين في وزارة الصحة، حيث سيتضح أنّ عدداً كبيراً منهم قد وظّف أبناءه وأبناء أقاربه في وظائف بالوزارة.

والمثير أنّ ذهني الوحيدي تحوّل بعد إنهاء خدماته من وزارة الصحة بعد فوز حركة “حماس” في الانتخابات التشريعية الأخيرة، ليصبح فجأة رئيساً لنقابة الأطباء. ورغم فشله في الانتخابات التشريعية وإخفاقه السابق في انتخابات اتحاد موظفي وكالة الغوث الدولية؛ فإنه يتزعم حملة فتح بمسمى نقابي ضد الحكومة الفلسطينية التي شكّلتها حركة حماس.

وأوضحت المصادر أنّ الوحيدي الذي تورّط في تعيينات على أساس المحسوبية التي يُفترَض أن تكون مخالفة للنظم الإدارية السليمة المرعية؛ يبلغ خاصته أنه عائد الى قيادة وزارة الصحة وسيعيد الأمور إلى ما كانت عليه.

وينظر المندرجون في هذه الفئة بآمال عريضة إلى إمكانية عودتهم إلى مواقعهم السابقة، ليستطيعوا استئناف ما ألفوه من ممارسات وأدوار موغلة في التسيب، وانتزاع صلاحيات واسعة لم تعد متاحة لهم.

ويبرز من بين هؤلاء بسام زكارنة، الذي يصف نفسه برئيس نقابة موظفي القطاع العام. فهو يعمل في منصب كبير بوزارة الأشغال العامة والإسكان بالضفة الغربية، لكنه، كما يقول مقربون منه، يستشعر أنه فقد شيئاً من نفوذه في الوزارة، بفعل إجراءات الحكومة الإصلاحية. ومن هنا؛ يقود هذا المسؤول البارز تحركاً يأمل من خلاله استعادة النفوذ. ويتردّد أنّ زكارنة الخريج من جامعة اليرموك الأردنية، ربما يطمح فوق ذلك بأن تتم مكافأته من قبل التيار الانقلابي الساعي بضراوة للالتفاف على الشرعية الفلسطينية.

ويبدو أنّ هذا ما حدث فعلاً مع موظفين كبار في وزارتي الثقافة والإعلام، مثل عمر حلمي الغول، الذي تم نقله من منصبه الذي يشغله في وزارة الثقافة منذ فترة إلى وظيفة أخرى، فوجد خياره في التحريض على وزارته وعلى الحكومة، متخذاً من إحدى الصحف التي يكتب فيها مقاله اليومي مرتعاً للمواجهة ومحاولة تعبئة جمهور الموظفين على الثورة، ولكن ليس ضد الاحتلال، وإنما ضد الشرعية الفلسطينية.

ويتحدث المراقبون لما يدور وراء الكواليس عن حالة نموذجية تجسد جانباً آخر من مفارقات اللحظة الفلسطينية الراهنة. فوكيل وزارة الخارجية أحمد صبح، يخوض مسلسلاً من المناكفة في مواجهة وزيره الدكتور محمود الزهار. جرى ذلك بعد أن أصر الزهار على طرده من وزارته بسبب قضايا فساد مالي وتجاوزات إدارية خطيرة، وهي القضية التي كانت مثبتة لدى الوزير السابق نبيل شعت ولكنه تعامل معها باهتمام أقل من الزهار الذي لم يقبل بوكيل “فاسد” بوزارته. في مثل هذه الحالة أيضاً لم يجد الوكيل المتورط في ملفات إدارية سوداء إلا الاتجاه لخيار تعبئة كنانة الحملة على الحكومة المنتخبة بمزيد من السهام، وخاصة الوزارة التي طالما صال فيها وجال فيما عيناه تتطلعان إلى المنصب في ظل الحملة الانقلابية الجارية.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات