الإثنين 29/أبريل/2024

طولكرم وبيت ريما والإعلام

طولكرم وبيت ريما والإعلام

الجزار والإرهابي شارون الذي يقود كيانا صهيونيا حاقدا يقوم على سفك الدماء والتصفيات الجسدية والضرب بعرض الحائط بكل المقررات الدولية والقيم الأخلاقية العالمية المتعارف عليها ليست إلا مجرد عبارات مكررة يحولها تكرارها إلى نوع من الابتذال. إننا نتقن تكرار هذه العبارات الرداحة التي تعبر عن حقيقة يصعب أن يكون لها قيمة عملية أو أي مردود على أرض الواقع. ربما تريحنا نفسيا من حيث أن المرء ينفث من خلال التحدث بها بعض الهموم، لكنها لن تحل مشكلة كما هي لم تحل مشكلة عبر عشرات السنين.

رأيي الشخصي أن شارون حقير كما أن باراك حقير وبيرس وشلومو وكوهين وسوسي ويوسي وموشيه، الخ. إنهم جميعا حقراء منحطون سفاحون قتلة غادرون آثمون ملعونون سفاحون إرهابيون داعرون معادون للإنسانية والمثل والأخلاق. إنني أستجمع في داخلي كل عبارات القذف والوصف المتدني والشتائم والسباب وأعتقد أنها تليق باليهود الصهاينة وبمن والاهم وتعاون معهم وسار على درب يسيرون فيه. لكن كل هذا سواء بُحت به أو لم أبح به لا يغير شيئا من العالم من حولي ولن يحقق لي ما أتمناه. تبقى الحقيقة المرة قائمة وهي أن الكثير من نفث الهموم لا يرفع من درجة الذكاء. أي من المفروض أن أتعلم من خلال التجارب القدرة على التعامل الذكي مع عدو يستعمل عقله وعلمه بدل أن أفتش عن إبداعية شتائمية جديدة.

ترى مسؤولين فلسطينيين على شاشات المرناة وتسمعهم عبر الإذاعات والخطابات والتصريحات يكررون ذات العبارات المعروفة والتي يحفظها الناس عن ظهر قلب. ومع هؤلاء المسؤولين تنضم وسائل الإعلام العربية على مختلف ألوانها وأشكالها. إنني أستمع إلى مراسلين لفضائيات ودور إذاعة وأشعر أنهم تعلموا الكثير من الردح والقليل من الإعلام. إنهم يسهبون في العبارات القيمية التي تخلو في كثير من الأحيان من المعلومات وتحتوي على الكثير من الانفعال. وفي بعض الأحيان لا يكاد المرء يميز بين إعلامي ورجل دعاية سياسية، ويختلط الحابل بالنابل بحيث يصبح الإعلامي سياسيا يتقن دعاية مبتذلة والسياسي إعلاميا لا يتقن نقل الخبر.

هذا المشهد يتكرر باستمرار، وقد تكرر في هذه الآونة مع أحداث طولكرم وبيت ريما. تمثل الهم الأكبر للسياسي والإعلامي في ترداد عبارات التقبيح بدل اللمس على الحقيقة المرة التي علينا أن ندركها لكي نتجنب أخطارها. وكأن هناك تناغما قد يكون مقصودا وقد لا يكون في وضع غشاوة على أعين الناس حتى يبقون ضمن وهم التهريج.

بعض الحقيقة هو أن الكيان الصهيوني كغيره من الكيانات لا بد أن يدافع عن نفسه، وأن شارون كغيره من قيادات هذا الكيان لا مفر أمامه إلا أن يستعمل مخنلف عناصر القوة في مواجهة التحديات التي نضعها نحن وغيرنا. إن من يظن أن على الكيان الصهيوني وقياداته أن يربتوا على ظهورنا إزاء أعمال المقاومة التي نقوم بها سيبقى تائها هائما في ظنونه. يملك الكيان آلية عسكرية ضخمة لم يكن تصميمها منذ البدء من أجل الاستعراضات والاحتفالات وإنما من أجل تدعيم الأركان والاستمرار في العدوان ورد الأخطار التي تواجههم. أريد أنا الآن أن أصف ما يقومون به من قتل وتدمير وتشريد إرهابا أو إرعابا أو خنزرة أو كلبنة لي ذلك لكنني لن أغير من الأمر شيئا ولن أحشد العالم معي في مواجهة عسكرية. أقصى ما يمكن أن أفعله هو حشد بعض الناس في زفة تنديد بالإرهاب الصهيوني.

بعض الحقيقة أيضا هو أنه مضى على الانتفاضة الحالية أكثر من عام عرفنا خلاله أن الحواجز التي تقيمها السلطة على مداخل المدن والتجمعات السكانية تتعرض للقصف ويتم قتل بعض من فيها. لقد خسرنا العديد من شبابنا على الحواجز ولم نتعلم بعد كيف نخدم أغراضنا دون أن تكون هناك مواقع مكشوفة وذات تجمعات. أصلا ومنذ اتفاق طابا لا ضرورة لهذه الحواجز ولم تخدم غرضا يستحق النفقات التي تتطلبها. بالنسبة لتهريب السيارات مثلا كانت هذه الحواجز في أغلبها متعاونة في التهريب. بالنسبة لتهريب بضاعة إسرائيلية إلى السوق الفلسطينية لم تستطع هذه الحواجز أن تمنع ما يتم الاتفاق عليه من تهريب بين المورد الصهيوني والمسؤول الفلسطيني. وبالنسبة للعملاء لا أعتقد أن هذه الحواجز قبضت على جاسوس واحد يحاول التسلل إلى مناطق السلطة الفلسطينية. يموت الأفراد على هذه الحواجز ونخرج بالجنازات هاتفين بفداء الشهيد انتظارا للقافلة الجديدة من الشهداء.

بعض الحقيقة أيضا أن اليهود يملكون معلومات، وما جرى في طولكرم وبيت ريما لا يخرج عن هذه القاعدة. ثارت التصريحات وانطلق الإعلام يندد ويدين ولكن لم يتطرق إلى الإهمال الفلسطيني الأمني ولا إلى انكشاف الأسرار الفلسطينية أمام أجهزة الأمن “الإسرائيلي”. كيف عرف العدو المخابئ في طولكرم وكيف توصل بهذه السهولة وتلك المدة القصيرة إلى كيفية قتل زائيفي؟ هذا هو السؤال الذي يجب أن يتم طرحه علنا وفي وضح النهار وبدون خجل أو وجل. بهكذا أسئلة نستطيع أن نتعلم ونستطيع أن نجبر من لا يريد التعلم على التعلم حتى لا يبقى الشباب الفلسطيني في دائرة الخطر وتحت مرمى القناص “الإسرائيلي”. وبدل التحدث عن المجازر الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني من المفروض أن نتحدث عن كيفية تحاشي هذه المجازر أو الاتقاء منها. نحن بالتأكيد لن نتقي شر العدو إلا أن جهود التوعية والوقوف على الحقيقة تقلل من خسائرنا وترفع من درجات كفاءتنا في المواجهة.

وبعض الحقيقة أيضا تتمثل في أن السنين تمر ولم نطور بعد تلك الوسائل البدائية التي يمكن أن تهدد دبابات العدو ومدرعاته. تنقل وسائل الإعلام أحيانا أن الشباب الفلسطيني يقومون بدحر الدبابات والمدرعات ويرغمونها على العودة من حيث أتت. للأسف هذا كذب. نحن لا نملك إمكانيات دحر الدبابات ولم تظهر حتى الآن في وسائل الإعلام دبابة واحدة محترقة. نحن نملك إمكانيات من نوع آخر ونستطيع من خلالها إلحاق الأذى بالعدو، ونستطيع إن أردنا تطوير وسائل يمكن أن تؤثر على الآليات العسكرية “الإسرائيلية”. هذا وتنقل وسائل الإعلام أحيانا أن قذائف مضادة للدروع يتم إطلاقها على المواقع العسكرية “الإسرائيلية”، لكنها لا تذكر لماذا لا يتم استعمال هذه القذائف ضد الدبابات بدل المكعبات الإسمنتية.

واضح أن إعلاميين والوسائل التي يعملون لصالحها يظنون أنهم يقدمون خدمات للشعب الفلسطيني من خلال تحاشي بعض الحقائق والتركيز على أعمال تحمل في طياتها البهرجة أكثر من الحقيقة. لا شك هناك أن وسائل الإعلام هذه قدمت خدمات للشعب الفلسطيني وما تزال تقدم، لكنها أضرت في كثير من الأحيان بالمسيرة النضالية بطريق غير مقصود. وواضح أيضا أن هذه الوسائل تحاول جاهدة أن ترضي طرفين: الشباب الذين يحملون السلاح والسلطة الفلسطينية. تحاول أن تظهر الشباب المسلح على الشاشات وتعمل في الغالب على إجراء المقابلات مع رجالات السلطة. في هذا يتم تعريض الشباب إلى مخاطر أمنية بسبب انكشافهم، ويتم أيضا صنع انطباع بأن رجالات السلطة هم قادة المقاومة. وطبعا من المحتمل أن عددا من الشباب يحبون الظهور على الشاشة وهم يحملون السلاح ويهددون “إسرائيل”، وأن السلطة تطلب من وسائل الإعلام التركيز على رجالاتها حتى تبقى في دائرة الحدث وتُبعد القوى الأخرى بقدر الإمكان عن التأثير الإعلامي والسياسي.

جميل من وسائل الإعلام أن تكون موضوعية وجميل منها أن تكون صديقة تساعدنا في استقطاب الدعم والتأييد، لكنه من الأجمل أن يصدُق المرء صديقه لا أن يجامله على حساب الحقيقة. هناك من يجاملنا وعن قصد وسابق إصرار. وأنا أعرف هذا من خلال احتكاكي المباشر مع مراسلين. يقر هؤلاء في كثير من الأحيان بأنهم يكذبون في تقاريرهم أو يخفون الحقيقة. وعندما يسألون عن هذا الاستهتار يصعب عليهم إعطاء الإجابات.

هناك حقيقة كبيرة لا يرقى إليها الشك وهي أن شباب فلسطين شجعان وأقوياء ويمتلكون رغبة قوية للتضحية في سبيل الله ومن أجل الوطن، وأنهم مستعدون دائما لمنازلة العدو بإيمان وعزيمة. لكن هؤلاء بحاجة إلى العقول المدبرة والتي تستند على المنهجية العلمية في إدارة الصراع. إنهم بحاجة إلى أولئك الذين يتعلمون من التجارب ويطورون من وسائلهم ويحسنون من أدائهم ليجعلوا من إنجاز مهماتهم أمرا أكثر يسرا ومن محاولات العدو النيل منهم أمرا أكثر عسرا. المسؤولية الأكبر تقع على عاتق القائمين المباشرين على التخطيط والتنظيم والتجهيز والإعداد، وتقع مسؤولية على من بإمكانه أن يبرز القصور والنجاح. تستطيع وسائل الإعلام أن تضغط من خلال الحقيقة فلا يبقى أحد أسيرا لأوهام تأتي على الشعب الفلسطيني بدمار. شعبنا يدفع ثمنا كبيرا، وجزء من الثمن ناجم عن تكرار أخطاء نصر على عدم طلاقها.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات