الأحد 19/مايو/2024

العوامل التي ساهمت في صنع الدولة العبرية

العوامل التي ساهمت في صنع الدولة العبرية

نجحت الحركة الصهيونية في إقامة دولتها، بعد ثلاثة عقود على صدور وعد بلفور (2/12/1917) الذي منحته بريطانيا، الدولة المستعمرة لفلسطين لهذه الحركة، والمتضمن إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، وفي الحقيقة فإن تفسير هذا النجاح لا يزال موضع جدل لدى المهتمين والمؤرخين، فثمة من يرجح دور العوامل الخارجية، ومن يؤكد على العامل الذاتي لليهود وحركتهم الصهيونية، ومن يحيل ذلك على هشاشة الوضع العربي (آنذاك)، وثمة من يفسر ذلك بهذه العوامل كلها .

منذ قيامها توافرت للحركة الصهيونية مجموعة من العوامل الموضوعية، التي مكنتها من تحقيق مشروعها. وبالأساس فإن الحركة الصهيونية أقامت دولتها بالاعتماد على وسائل الاستيطان- الاحتلالي والقوة العسكرية، وبفضل الاعتماد على دعم القوى الاستعمارية، بخاصة بريطانية ثم الولايات المتحدة الأمريكية، ومن الصعب تصور إمكانية نجاح هذه الحركة في تحقيق أهدافها، بمعزل عن هذا الدعم الذي تلقته من الدول الكبرى المهيمنة في العالم، التي كان لها أصلاً دور كبير في قيام هذه الحركة وتطورها، والتي رأت في قيام هذه الدولة مصلحة خاصة لها في سياستها إزاء هذه المنطقة .

بالنسبة إلى العوامل الخارجية، مكنت الدولة المنتدبة، بريطانية (صاحبة الوعد)، الحركة الصهيونية من ترسيخ أقدامها في فلسطين، فمنحت هذه الحركة، ممثلة بالوكالة اليهودية، مكانة سياسية، شكلت البرعم الأول للدولة الإسرائيلية، في حين أنها حالت دون التمثيل السياسي للفلسطينيين، كما منحت هذه الوكالة الأرضية الخصبة، وقدمت الحماية للتجمعات الاستيطانية، ورعت الألوية العسكرية الأولى لهذه الحركة في إطار جيشها. وبالأخص فإن بريطانيا عملت على وأد الحركة الوطنية الفلسطينية، وينقل وليد الخالدي في محاولاته الهامة لإعادة كتابة تاريخ النكبة، عن محمد عزة دروزة، رصده لخسائر الفلسطينيين (في النصف الثاني من عقد الثلاثينيات) على يد الجيش البريطاني، حيث يقول:«بلغ عدد المعتقلين خمسين ألفاً وعدد الشهداء سبعة آلاف وعدد الجرحى عشرين ألفاً وعدد البيوت المنسوفة ألفين»، وبحسب الخالدي فقد بلغ عدد الأسلحة المصادرة من الفلسطينيين خلال الفترة 1936 – 1940، بحسب المصادر الرسمية البريطانية: 6371 بندقية و 3220 مسدساً و 1812 قنبلة و 425 بندقية صيد .

ويقدر الباحث أحمد السيد النجار، مجموع المساعدات التي وصلت إلى اسرائيل، منذ قيامها، بحوالي 180 بليون دولار اي 450 بليون دولار بأسعار الوقت الراهنة، ويقدر المساعدات الأمريكية لاسرائيل بحوالي 658 بليون دولار، أما المساعدات الألمانية، فيقدرها بحوالي 60 بليون دولار، وبالطبع فقد استفادت اسرائيل من الناحية الاقتصادية، كثيراً من استيلائها على أراضي فلسطين وأملاك الفلسطينيين والبنى التحتية والمنشأت والمياه وبحسب الباحث سلمان أبو ستة فإن قيمة هذه الأملاك التي سلبتها اسرائيل بلغت بتقدير سامي هداوي 743 مليون جنيه استرليني (بأسعار العام 1948)، وهذا المبلغ يساوي، بحسب أبو ستة، 130 بليون دولار (باسعار العام 1993)، بمعنى أن مجموع المساعدات والمكاسب التي حصلت عليه إسرائيل منذ قيامها، حتى الآن بلغت، حوالي 600 بليون دولار، لحوالي ستة ملايين نسمة !

إلى جانب الدعم السياسي والمالي والأمني والتكنولوجي الذي تلقته اسرائيل من الدول الكبرى، فإن للوضع العربي نصيبه في تحمل مسؤولية قيام هذه الدولة. ويمكن من ملاحظة الاستعداد العسكرية للتجمع اليهودي في فلسطين قبل النكبة، ومستوى الاستعداد العربي، ملاحظة الفارق الهائل في استعداد الجانبين، وبحسب وليد الخالدي، فإنه عندما بدأت التعبئة العامة للمستوطنين اليهود في 30 تشرين الثاني/ نوفمبر 1947، بلغ عدد الذين تقدموا للخدمة 500،82 رجل وامراة حتى 15 نيسان (أبريل) 1948، ثم 500،94 شخص عشية إعلان الدولة، وقد تألف جيش الميدان، في 15 أيار/ مايو 1948، من 574،30 مقاتلاً نظموا في عشرة ألوية. وقد ارتفع ملاك هذا الجيش بسرعة إلى 825،40 (6حزيران/ يونيو 1948)، ثم إلى 33،88 (19 تشرين الأول/ اكتوبر 1948) وبالنسبة لموازنة الحرب فقد بلغت تبرعات الجالية اليهودية في أمريكيا وحدها 50 مليون دولار، جمعت ما بين كانون الثاني/ يناير وآذار/ مارس 1948. وكان مبلغ 50 مليون دولار في ذلك الحين يشكل ضعف ميزانية جيش مصر لعام 1946 – 1948.

في المقابل صمد عرب فلسطين بمساعدة جيش الانقاذ غير النظامي (حوالي 5000 جندي)، لغاية آخر آذار/ مارس 1948، هذا بالإضافة إلى عدة آلاف من المجاهدين الفلسطينيين والعرب الذين حال مستوى تدريبهم، وقلة تسلحيهم، وضعف امكاناتهم من مستوى أدائهم، أما بالنسبة للجيوش العربية فإن الدول العربية المستقلة حديثاً، وبحكم أوضاعها السياسية لم تستطع تحشيد قوة تزيد عن القوة التي حشدها التجمع الاستيطاني اليهودي الذي يقدر عدده بحوالي 608 ألف مع الفارق في التسليح والإمكانات وبالأساس في الإرادة السياسية ووحدة القيادة .

ولم يكن الوضع العربي دون مستوى المواجهة العسكرية، فقط فقد كان دون مستوى التحدي الجديد، من نواح عديدة، فمثلاً إذا أخذنا قضية الهجرة اليهودية من البلدان العربية، يمكننا معرفةمدى قصور الوضع العربي، فقد هاجر إلى فلسطين في ظل الانتداب البريطاني حوالي 483 ألف مهاجر – مستوطن، 8 – 10% فقط منهم من يهود البلدان ا لعربية،وقدر مجموع المهاجرين اليهود إلى إسرائيل، بعد قيامها، في ما بين 1948 – 1993 بحوالي 3،2 بليون شخص منهم 687 ألف مهاجر في الأعوام الثلاثة الأولى لقيام اسرائيل ما أدى إلى مضاعفة عدد اليهود فيها، وكان 50% من مصادر هذه الهجرة من البلدان العربية، أيضاً فقد شكلت ممانعة النظام العربي لقيام كيان فلسطيني على باقي الأراضي الفلسطينية، التي فلتت من الاغتصاب الصهيوني، عاملاً من عوامل تثبيت شرعية إسرائيل، بمساهمتها، غير المباشرة، بتغييب الهوية الوطنية الفلسطينية في مواجهة اسرائيل وتبريراتها الصهيونية. ولا شك أن الحؤول دون قيام تمثيل سياسي للفلسطينيين أضعف من قدراتهم، وشكل نجاحاً للحركة الصهيونية. ثم إن ضعف الإرادة السياسية في المواجهة وتدني مستوى التضامن العربي في مواجهة الاستحقاقات الناشئة عن وجود اسرائيل، ساهما في استقرار اسرائيل وتطورها، كما في تعقيد المشكلة الناجمة عن قيامها في مختلف المجالات .

هذه الاستنتاجات لا تعنى التقليل من أهمية العامل الذاتي في قيام هذه الدولة، وتدعيم مصادر شرعيتها وتطورها، لأسباب ذاتية وموضوعية، ولولا دعم الدول الكبرى لما تمكنت هذه الحركة من تأمين هجرة اليهود إلى فلسطين والاستيطان فيها، ولاتأمين كل وسائل القوة للتغلب على المقاومة الفلسطينية والعربية، ولما استطاعت اسرائيل، في ما بعد تأمين إمكانيات استمرارها وتطورها من النواحي السياسية والاقتصادية والأمنية. وهذا يعني أيضاً، بأن اسرائيل لم تنشأ كنتاج للتطور المجتمعي والاقتصادي والثقافي والسياسي للتجمع اليهودي في فلسطين وانما نشأت نتيجة تضافر عدد من العوامل الذاتية والموضوعية (الداخلية والخارجية) التي سمحت بقيام هذه الدولة في حينه .

وبالطبع فإن اسرائيل لم تستكن للدعم الخارجي، وعملت على استثماره بأفضل ما يمكن، وساعدت في ذلك طبيعة نظامها المؤسسي، والمستوى المتقدم للتعددية والتنوع السياسي والثقافي فيه، المدعوم بحياة ديمقراطية لمواطنيها، كما ساعد على ذلك ادارتها الحديثة لمختلف أنشطتها المجتمعية والاقتصادية، ويكفي ان نعلم ان اسرائيل تخصص 3% من دخلها القومي، الذي يبلغ نحو 90 بليون دولار للبحث والتطوير العلمي، في بلد تعدداه نحو 6 ملايين نسمة، في حين يخصص له العالم العربي أقل من 1% من ناتجه القومي البالغ 600 بليون دولار، لنحو 260 مليون نسمة .

أخيراً سيستمر الجدل حول نصيب كل عامل من العوامل المذكورة، في قيام اسرائيل وتطورها، وفي غضون ذلك ستستمر اسرائيل في مواصلة تحديها للأوضاع العربية، حتى يستطيع العرب وضع الأسس الجدية اللازمة لمواجهة استحقاقات هذا التحدي، وبدون هذه الاستحقاقات فإن اسرائيل ستواصل استهتارها بالحقوق العربية، مراهنة على أن الزمن يعمل لصالحها، وبذلك لا يستطيع العرب مواجهة اسرائيل، فقط بالإدعاء بأنهم انتهجوا طريق السلام والوئام معها، فهذا الأمر لوحده، كما أثبت التجرية، قد تكون له مفاعيل عكسية على هذه الدولة المصطنعة .

الحياة،

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

الاحتلال يشن حملة دهم واعتقالات في الضفة

الاحتلال يشن حملة دهم واعتقالات في الضفة

الضفة الغربية - المركز الفلسطيني للإعلام شنت قوات الاحتلال الإسرائيلي - فجر الأحد - حملة دهم في أرجاء متفرقة من الضفة الغربية تخللها اقتحام منازل...