حكومة فيشي والحرب النفسيّة على غزّة
شَرَعت الإدارية الأمريكية بقيادة وزير خارجيتها أنتوني بلينكن، وبإسنادٍ من المتحدث باسم الأمن القومي في البيت الأبيض جون كيربي، وغيرهما من المسؤولين بحملة واسعة من العلاقات والتصريحات بشأن حكم قطاع غزة ما بعد القضاء على حماس، كما يقولون، وهو الأمر الذي تم طرحه على العديد من الوزراء العرب في المنطقة.
ما يثير الغرابة أن الأمريكيين يتحدثون ويبحثون ذلك، في وقت يعاني فيه الكيان الإسرائيلي من فشل أمني واستخباري وعسكري مريع في مواجهة المقاومة وكتائب القسام في غزة، فمنذ أكثر من عشرة أيام ومع بدء الحرب البرية وجيش الاحتلال لا زال يقصف ذات المناطق في شمال وغرب قطاع غزة بأحزمة نارية زلزالية، ولم يستطع التقدم إلا مئات من الأمتار، يضطر أحياناً إلى التراجع عنها، بفعل ضربات المقاومة وكمائنها وقدرتها على الالتفاف خلف خطوط العدو وضربه في مقتل، وهذا ما دلّت عليه أيضاً الفيديوات التي تنشرها كتائب القسام، ناهيك عن سقوط المئات من جنود الاحتلال حسب إعلاناته الرسمية والتي لا تعبّر بالضرورة عن عين الحقيقة.
كما فَشِل الاحتلال في إرغام المدنيين على النزوح من الشمال إلى جنوب قطاع غزة، ومن ثمّ تهجيرهم إلى سيناء، وما يشاهده المراقب يؤكد على عكس مُراد الاحتلال، فلا زال نحو 900 ألف فلسطيني يعيشون في مدينة غزة وشمالها ويرفضون النزوح رغم القصف الوحشي والجنوني الذي أودى بحياة الآلاف من الأطفال والمدنيين، ناهيك عن قطع المياه عنهم وكافة خطوط الإمداد الإنساني من دواء وغذاء.
يضاف إلى كل ذلك، سقوط سردية الاحتلال وروايته عالمياً، وصعود السردية الفلسطينية المشفوعة بصور الواقع وعلى الهواء مباشرة، ما حرّك شعوب العالم من اليابان إلى تشيلي و الرأي العام في قلب واشنطن ولندن وكافة العواصم الغربية، ما تسبّب بحرج شديد للدول الداعمة للاحتلال وللإدارة الأمريكية ولشخص الرئيس بايدن الذي بدأت تتراجع نسب التأييد له في الحزب الديموقراطي بين الليبراليين وفي قطاعات الشباب الذين يرفضون الدور الأمريكي في الإبادة الجماعية التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة.
هذا ناهيك عن الإدانات الدولية، دولاً ومنظمات، لما يجري من قتل للأطفال بشكل مروّع، وهو ما دفع الأمين العام للأمم المتحدة السيد غوتيريش بوصف الوضع في غزة بالمقبرة للأطفال، نتيجة العدوان والقصف الإسرائيلي.
وإذا كان الميدان ونتائج المعركة والقدرة على تحقيق الانتصار لأي طرفٍ هو من يرسم مستقبل قطاع غزة، وإذا كان انتصار المقاومة يكمن في إفشالها لأهداف الاحتلال، فهذا يعني وبناءاً على معطيات الواقع المرشّح استمراره بصمود والمقاومة والشعب الفلسطيني في مواجهة آلة الحرب والعدوان الصهيوني، يصبح كلام بلينكن وكيربي وغيرهما من الشخصيات الأمريكية التي تتحدث بتوافق وتقاطع مع قيادات الاحتلال، تصريحات ومساعٍ مشكوك في نجاحها بل تبدو مستحيلة.
أمام تلك الصورة، يبدو أن التصريحات والحراك الأمريكي يهدف لتحقيق أمرين:
أولاً ـ محاولة الضغط النفسي على المقاومة، كما الضغط على الحاضنة الشعبية، في محاولة أمريكية لبث اليأس والاحباط في النفوس، بإشعارهم أن الأمور منتهية لصالح الاحتلال، وكأن الأمر تحصيل حاصل، ليس إلا.
ثانياً ـ محاولة الإدارة الأمريكية الضغط على الدول العربية والإسلامية، ودفعها للتفكير بإدارة قطاع غزة أو أن تكون شريكاً في إدارته بعد العدوان، مع إيهام الجميع بأن الأمر منتهي لصالح الاحتلال الإسرائيلي، ومن ثم دفع تلك الدول لخفض سقف توقعاتها وسقف موقفها السياسي قُبيل انعقاد القمة العربية وقمة التعاون الإسلامي في 11 و 12 تشرين الأول/أكتوبر الجاري في السعودية، وبالتالي إضعاف الموقف العربي والإسلامي عموماً والذي يُفترض به أن يَصْعد باتجاه الضغط لوقف العدوان وفتح الممرات الإنسانية لإغاثة المدنيين.
إذن الحراك الأمريكي الاستباقي هو خطوة غير واقعية، مبنية على أماني مغمّسة بغطرسة الأقوياء الذين اعتادوا على أن أحلامهم واقعٌ في ميادين الضعفاء، ولم ينتبهوا بأنهم يواجهون شعباً جباراً حراً، لا يقبل الوصاية، ولا يقبل بأمثال حكومة فيشي الفرنسية التي أخذت على عاتقها ضبط الأوضاع في فرنسا على إيقاع المحتلين الألمان، وطاردت المقاومين الفرنسيين في الجبال، الذين جاؤوا في يوم التحرير ليُعلّقوا المشانق لألئك الخونة أمثال الجنرال فيشي.
لو أدرك الأمريكيون مع من يتعاملون لوفّروا على أنفسهم عناء البحث عن سلطة متوهّمة لتحكم قطاع غزة ما بعد حماس، لأن حماس الحركة والفكرة لا زالت حاضرة وتقاتل وهي صاحبة اليد العليا في مواجهة جنود الاحتلال في الميدان. ولعل وزير خارجية الولايات المتحدة أنتوني بلينكن لمس صعوبة تمرير هذه الفكرة مع الدول العربية التي ترى في ذلك قفزاً على حقوق الشعب الفلسطيني الذي لن يتوانى عن التعامل مع أي حكومة تفكّر بحكم غزة، بإرادة صهيونية أمريكية، على أنها سلطة خائنة لدماء الشهداء بغض النظر عن عرابيها إن كانوا عرباً أو فلسطينيين.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات
سعار الاعتقالات الإسرائيلية.. سلخانات تعذيب تفوح منها رائحة الموت
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام سباق محموم يخوضه جيش الاحتلال الإسرائيلي، في صراعه مع الشعب الفلسطيني؛ يسعى من خلاله لتحقيق شمولية جرائمه بين القتل...
إصابات واعتقالات باقتحام الاحتلال الضفة الغربية
الضفة الغربية - المركز الفلسطيني للإعلام أصيب عدد من المواطنين بجروح وحالات اختناق في مواجهات - فجر الاثنين- مع قوات الاحتلال الإسرائيلي التي نفذت...
الاحتلال يغتال القيادي طلال أبو ظريفة بقصف إسرائيلي على غزة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام استشهد طلال أبو ظريفة، عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين -مساء الأحد- في جريمة اغتيال نفذتها قوات...
مواجهات عقب هجوم للمستوطنين جنوب نابلس
نابلس – المركز الفلسطيني للإعلام اندلعت مساء اليوم الاحد، مواجهات بين المواطنين والمستوطنين وقوات الاحتلال في بلدة قصرة جنوب شرق نابلس....
تفاصيل جديدة حول كمين كتائب القسام في حي الزيتون
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام كشف مصدر قيادي بكتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، اليوم الاحد، بعض تفاصيل الكمائن التي نفذتها الكتائب، الجمعة...
خلال 24 ساعة.. جيش الاحتلال يعلن إصابة 50 من جنوده باستهدافات المقاومة بغزة
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام أعلن جيش الاحتلال، إصابة 50 من جنوده وضباطه، في المعارك الدائرة في قطاع غزة، خلال الساعات الـ24 الماضية. وارتفعت...
صحة غزة: 500 شهيد من الطواقم الطبية منذ بدء العدوان
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية في غزة، استشهاد 500 من الطواقم الطبية جراء عدوان الاحتلال المستمر على قطاع غزة منذ 219...