الخميس 29/أغسطس/2024

سعار الاعتقالات الإسرائيلية.. سلخانات تعذيب تفوح منها رائحة الموت

سعار الاعتقالات الإسرائيلية.. سلخانات تعذيب تفوح منها رائحة الموت

غزة – المركز الفلسطيني للإعلام

سباق محموم يخوضه جيش الاحتلال الإسرائيلي، في صراعه مع الشعب الفلسطيني؛ يسعى من خلاله لتحقيق شمولية جرائمه بين القتل والتنكيل والتشريد وهدم المنازل والاعتقال والإخفاء القسري، إلى غير ذلك من سائر الجرائم التي جرّمتها القوانين الدولية لا سيما اتفاقية جنيف، فيما يتعلق بتأمين المدنيين خلال فترات الحرب.

بالتزامن مع بدء تنفيذ الاحتلال الصهيوني عدوانه على قطاع غزة، قام بحملات اعتقالات واسعة النطاق في الضفة والقدس المحتلتين، ومع بدء الهجوم البري على القطاع قامت قوات الجيش بحملات اعتقال شرسة للمواطنين من بيوتهم ومن أماكن النزوح ومن الطرق الآمنة، لتبلغ حصيلة من تم اعتقالهم حتى كتابة هذا التقرير نحو 8700 مواطنًا، في غزة والضفة، أفرج الاحتلال عن بعضهم ولا يزال يحتجز أكثرهم في ظل ظروف اعتقالية شديدة القسوة.

وأصدرت محاكم الاحتلال أكثر من 5900 أمر اعتقال إداري بعد السابع من أكتوبر، ما بين أوامر جديدة وأوامر تجديد، منها أوامر بحقّ أطفال ونساء، فيما تنوعت ظروف اعتقال المواطنين بين من جرى اعتقالهم من المنازل، أو عبر الحواجز العسكرية، ومن اضطروا لتسليم أنفسهم تحت الضغط، ومن احتجزوا كرهائن.

اعتقالات غير مسبوقة

ووفقًا لبيانات إحصائية لهيئات ومؤسسات حقوقية معنية بالأسرى لدى احتلال، كهيئة شؤون الأسرىى والمحررين ونادي الأسير الفلسطيني، ومؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان، فإن الاعتقالات شملت نساء وأطفالا وصحفيين وأطباء.

وقد حصرت بيانات المؤسسات الحقوقية من تم اعتقالهم في الضّفة الغربية بما فيها القدس المحتلة، بينما لا يزال معتقلو غزة رهن الإخفاء القسري، لا يُعلم مكانهم أو مصيرهم.

وأظهرت إحصائيات الهيئات الحقوقية أن الاحتلال اعتقل نحو 290 امرأة من الأراضي المحتلة عام 1948، كما اعتقل نساء غزّاويات كُن يتواجدن في الضفة الغربية، بالإضافة إلى اعتقال 610 أطفال.

وأما الصحفيون، فقد اعتقل الاحتلال منهم بعد السابع من أكتوبر نحو 75 صحفيًّا، تبقى منهم رهن الاعتقال 48، وجرى تحويل 21 منهم إلى الاعتقال الإداريّ، بينما لا يزال 12 صحفيًّا من غزة رهن الإخفاء القسري.

انتهاكات بحق الأسرى

لم تكن طريقة الاعتقال ولا ظروف احتجاز المعتقلين بعد السابع من أكتوبر كما كان قبله، ولكن رافق هذه الحملات جرائم وانتهاكات متصاعدة، منها: عمليات تنكيل واعتداءات بالضرب المبرّح، وتهديدات بحقّ المعتقلين وعائلاتهم، إلى جانب عمليات التّخريب والتّدمير الواسعة في منازل المواطنين، ومصادرة المركبات، والأموال، ومصاغ الذهب، إلى جانب عمليات التدمير الواسعة التي طالت البُنى التحتية تحديدًا في مخيمات طولكرم، وجنين ومخيمها.

وتحتجز سلطات الاحتلال الإسرائيلية سكان قطاع غزة بشكل منفرد عن باقي الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين. كما تم احتجاز العديد منهم داخل معسكرات اعتقال تابعة للجيش، والتي تقع بشكل أساسي في صحراء النقب، تشير العديد من شهادات الأسرى المفرج عنهم إلى أن التعذيب الذي يتعرض له المعتقلون والمعتقلات من غزة في مراكز وسجون الاحتلال الإسرائيلي وصل إلى مستويات غير مسبوقة.

تعذيب وإعدامات

ولفت مركز الميزان لحقوق الإنسان إلى أن عدد الفلسطينيين الذين “توفوا” أثناء احتجازهم داخل السجون الإسرائيلية يفوق بكثير الحالات الموثقة، وتستند هذه الادعاءات إلى العشرات من الشهادات التي جمعتها مؤسساتنا ومؤسسات المجتمع المدني الأخرى من المعتقلين والمعتقلات المفرج عنهم، وتتضمن هذه الشهادات إفادات من المعتقلين الذين تعرضوا للتعذيب والذين شهدوا تعرض زملاءهم المعتقلين للضرب حتى الموت.

وقد بلغت ذروة الانتهاكات ضد الأسرى في سجون الاحتلال إلى حد تنفيذ إعدامات بحق بعضهم؛ حيث نفذت قوات الاحتلال إعدامات ميدانية، لمواطنين بعد اعتقالهم، ومنهم أفراد من عائلات المعتقلين، وبلغ عدد من استشهد في سجون الاحتلال بعد السابع من أكتوبر، 18 أسيرًا على الأقل في سجون الاحتلال ومعسكراته وهم: (عمر دراغمة من طوباس، وعرفات حمدان من رام الله، وماجد زقول من غزة، وشهيد رابع لم تعرف هويته، وعبد الرحمن مرعي من سلفيت، وثائر أبو عصب من قلقيلية، وعبد الرحمن البحش من نابلس، ومحمد الصبار من الخليل، والأسير خالد الشاويش من طوباس، والمعتقل عز الدين البنا من غزة، وعاصف الرفاعي من رام الله، وأحمد رزق قديح، جمعة أبو غنيمة، ووليد دقة، عبد الرحيم عامر، ود. عدنان البرش، وإسماعيل خضر)، بالإضافة إلى الجريح المعتقل محمد ابو سنينة من القدس والذي استشهد في شهر فبراير في مستشفى (هداسا) بعد إصابته واعتقاله بيوم.

يُشار إلى أنّ (16) أسيرًا ممن استشهدوا وأعلن عنهم بعد السابع من أكتوبر محتجزة جثامينهم، وهم من بين (27) أسيرًا من الشهداء يواصل الاحتلال احتجاز جثامينهم، علمًا بأن إعلام الاحتلال كشف عن معطيات تشير إلى استشهاد عشرات المعتقلين من غزة في المعسكرات، والاحتلال يرفض حتى اليوم الكشف عن أي معطى واضح وكافة هوياتهم، كما واعترف الاحتلال بإعدام أحد المعتقلين، إلى جانب معطيات أخرى تشير إلى إعدام آخرين ميدانيًا.

ووفقًا لتحقيقات أولية، يُعتقد أن جثمان الشهيد إسماعيل خضر هو أول جثمان لمعتقل فلسطيني “استشهد” أثناء احتجازه داخل السجون الإسرائيلية وأُعيد إلى قطاع غزة. وفي الفترة ما بين 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 و22 أبريل/نيسان 2024، سُجل وفاة 16 معتقلاً فلسطينياً داخل السجون الإسرائيلية نتيجة الإهمال الطبي أو تصعيد ممارسات التعذيب ضد المعتقلين. وكان من بينهم اثنان من سكان قطاع غزة: ماجد زقول، عامل يبلغ من العمر 32 عامًا وكان محتجزًا في سجن عوفر، وشخص آخر لم يُكشف عن هويته، حيث رفضت السلطات الإسرائيلية تقديم أي معلومات بشأنه.

الدكتور عدنان البرش

ومن بين أبرز الحالات الموثقة التي تشهد على وحشية الاحتلال وانتهاكاته لكافة الأعراف والمواثيق الدولية، اعتقال وإعدام الدكتور عدنان البرش، والذي اعتقلته قوات الاحتلال في شهر ديسمبر/كانون الأول 2023 من مستشفى العودة في جباليا، شمال قطاع غزة، خلال هجومهم البري للمحافظة.

والدكتور البرش، البالغ من العمر 50 عامًا، عمل رئيسًا لقسم العظام في مستشفى الشفاء في غزة، وشغل منصب رئيس الدائرة الطبية في الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم، وعضو لجنة البورد في المجلس الطبي الفلسطيني، ومن خلال عمله، أنقذ د. البرش أطرافًا لا تُحصى لمرضى فلسطينيين وفلسطينيات من المرضى الفلسطينيين الذين أصيبوا خلال هجمات إسرائيلية متكررة على قطاع غزة وخلال مسيرة العودة الكبرى.

وأوضحت هيئة شؤون الأسرى والمحررين ونادي الأسير الفلسطيني في بيان مشترك مطلع الشهر الحالي، أن قوات الاحتلال الإسرائيلي، قتلت الدكتور البرش بتاريخ 19 أبريل/نيسان 2024، ولكن تم الإعلان رسميًّا عن خبر وفاته يوم الخميس، 2 مايو/أيار 2024، في داخل سجن عوفر، فيما لا تزال سلطات الاحتلال تحتجز جثمانه.

إعدام موثق

وفي صباح يوم الخميس، 2 مايو/أيار 2024، قامت سلطات الاحتلال الإسرائيلية بالإفراج عن أكثر من 60 معتقل فلسطيني إلى قطاع غزة عبر معبر كرم أبو سالم، ظهر على بعضهم علامات واضحة للتعذيب الجسدي الذي تعرضوا له على يد سلطات الاحتلال. بالإضافة إلى ذلك، كان من ضمن مجموعة المعتقلين المفرج عنهم جثمان الشهيد إسماعيل عبد الباري خضر، البالغ من العمر 33 عامًا.

وتعقيباً على ذلك، قال الدكتور مروان الهمص، مدير مستشفى أبو يوسف النجار في رفح: “عند فحص الجثة، تم العثور على علامات التعذيب على معصميه، وتورمات في الأكتاف والركبتين، وتورم واضح في الصدر. توفي المعتقل داخل السجن تحت التعذيب، ولا نعلم ما إذا كان أصيب بجلطة أثناء التعذيب. ولكن هناك دليل قاطع أنه استشهد داخل السجن”.

منع المحامين

ولفت مركز الميزان لحقوق الإنسان إلى أنه منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، لم تكتف السلطات الإسرائيلية بمنع المحامين ووفود اللجنة الدولية للصليب الأحمر من زيارة المعتقلين الفلسطينيين فحسب، بل رفضت أيضًا تقديم معلومات دقيقة حول آلاف المعتقلين من قطاع غزة، بما في ذلك أمكان تواجدهم، فضلاً عن المعتقلين الفلسطينيين الذين “توفوا” أثناء احتجازهم.

وطالب “الميزان” المجتمع الدولي بممارسة الضغط على إسرائيل لضمان الشفافية الكاملة بشأن معاملة المعتقلات والمعتقلين الفلسطينيين، بما في ذلك تقديم معلومات محدثة حول حالتهم الصحية وظروف احتجازهم بصورة منتظمة ودقيقة، وكذلك الإفصاح عن أماكن احتجاز ومصير مئات المعتقلين الفلسطينيين من قطاع غزة الذين تعرضوا للاختفاء القسري. يجب أيضأ الضغط على السلطات الإسرائيلية للتواصل المفتوح والفعال مع المحامين ومؤسسات حقوق الإنسان والمجتمع المدني التي تعمل على حماية وضمان حقوق وكرامة المعتقلين الفلسطينيين.

كما طالب المجتمع الدولي باتخاذ إجراءات فورية وفعالة لضمان منح آليات التحقيق الدولية – بما في ذلك المحكمة الجنائية الدولية ولجنة التحقيق الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة المعنية بالأرض الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك القدس الشرقية وإسرائيل – لإمكانية الوصول غير المقيد إلى السجون ومراكز الاعتقال الإسرائيلية، بهدف إجراء تحقيقات شاملة في الانتهاكات التي ارتكبتها سلطات الاحتلال الإسرائيلية ضد المعتقلات والمعتقلين الفلسطينيين، مثل قتل الدكتور عدنان البرش، مشيرة إلى انه بدون امكانية الوصول هذه، يبقى تحقيق المساءلة والعدالة للضحايا الفلسطينيين أمرًا بعيد المنال.

كما دعا المركز الحقوقي إلى ضرورة إنشاء وجود دولي مستقل لمراقبي حقوق الإنسان لرصد ظروف الاعتقال في السجون الإسرائيلية بشكل شامل، وذلك لمنح آليات التحقيق والرصد الدولية امكانية الوصول الفوري إلى مراكز الاعتقال الإسرائيلية لضمان المساءلة، وحماية حقوق المعتقلات والمعتقلين الفلسطينيين، ومنع حدوث المزيد من الانتهاكات.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات