الجمعة 26/أبريل/2024

تزايد عمليات الإعدام الميداني.. هل بدأت حكومة الاحتلال تطبيق سياساتها؟

تزايد عمليات الإعدام الميداني.. هل بدأت حكومة الاحتلال تطبيق سياساتها؟

بوتيرة يومية تشهد الضفة الغربية منذ مطلع عام 2023 عمليات قتل متعمدة يرتكبها جيش الاحتلال بحق فلسطينيين إثر أوامر إطلاق نار جديدة تلقّاها الجنود وذلك دون أن يشكل الفلسطينيون أي خطورة على أفراد الجيش.

وأعاد مشهد إعدام الشهيد أحمد كحلة (45 عامًا) من سلواد برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي إلى الأذهان عمليات الإعدام التي جرت في الفترة الأخيرة حيث تم قتله بدم بارد.

رصاصتان في الرقبة وضعتا حدًّا لحياة الشهيد كحلة الذي ينحدر في قرية رمون شرق رام الله ويعيل خمسة أبناء أكبرهم قصي (20 عاما) الذي كان معه في لحظاته الأخيرة قبل استشهاده.

يقول قصي في حديث صحفي إن ما يذكره أنه ووالده كانا في طريقهما للعمل صباحاً فأوقف مركبتهما حاجز جنود الاحتلال تحت جسر يبرود الذين أطلقوا قنبلة صوت ارتطمت في سقف السيارة وحينها عاجله الجنود برش غاز الفلفل صوب وجهه وأنزلوه من المركبة ثم غاب عن الوعي.

وأظهر شريط مصور التقطه أحد المواطنين المتوقفون على الحاجز أن عراكاً دار بالأيدي بين الشهيد كحلة وعدد من جنود الاحتلال فقام أحدهم بإطلاق النار عليه من مسافة صفر دون أن يشكل أي خطورة على الجنود.

ومن بين الشهداء الذين أعدمهم الاحتلال استشهدت الشابة غفران هارون حامد وراسنة إثر إصابتها برصاصة أطلقها عليها جنود الاحتلال قرب مخيم العروب شمال الخليل اخترقت الرصاصة صدرها من الجهة اليسرى (تحت الإبط) وخرجت من الجهة اليمنى”.

وكانت الواقعة الأبرز نهاية العام الماضي حينما أعدمت قوات الاحتلال الإسرائيلي الشاب عمار حمدي نايف مفلح (23 عاما) من أوصرين جنوب نابلس بالرصاص الحي من نقطة الصفر في بلدة حوارة وأظهر فيديو توثيقي التقط من المكان بأن جنديًّا إسرائيليًّا أطلق الرصاص الحي على الشاب مفلح وسط حوارة من نقطة الصفر.

قوة مميتة
من جهته يقول مدير الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان عمار دويك إن تعليمات إطلاق النار لدى جيش الاحتلال خطيرة جدًّا ولا تتفق مع المعايير الدولية في موضوع استخدام القوة المميتة.

ويضيف دويك في تصريح خاص لـ”المركز الفلسطيني للاعلام” “يتم إدخال تعديلات جديدة على هذه التعليمات باستمرار باتجاه تسهيل إطلاق النار على الفلسطينيين والهدف من ذلك هو إعطاء الحماية القانونية لجنود الاحتلال والتغطية على جرائمهم في الميدان بحق الفلسطينيين”.

ويلفت دويك إلى أن آخر تعديل طرأ على تعليمات إطلاق النار كان في ديسمبر 2022 ومنذ ذلك الوقت شهدنا تصاعدا في عمليات القتل والإعدامات الميدانية.

ويؤكد أن هناك ازدياد ملحوظ في القتل من جيش الاحتلال نتيجة بيئة التحريض التي يقوم بها السياسيون الاسرائيليون وكان آخرها إشادة وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي بن غفير بقاتل الشهيد السمامرة بالظاهرية.

ويتابع: “نشاهد تحريض من السياسيين الاسرائيليين في عمليات القتل والتحريض على قتل الفلسطينيين”.

ويتوقع دويك في إطار الحكومة الإسرائيلية الجديدة أن تكون المرحلة القادمة صعبة جدًّّا بحق الفلسطينيبن حيث زيادة عمليات القتل والحصار والقوانين العنصرية والضم.

ويوضح أن “جوهر التعليمات الجديدة أن الجندي يستطيع إطلاق النار واستخدام القوة المميتة لدى شعوره بأبسط اشتباه”.

ويؤكد أن هذه الإعدامات تتم دون أي محاسبة أو مساءلة لجنود الاحتلال لأن التعليمات تحميهم.

ويتابع؛ “نحن كمؤسسات حقوقية نتابع هذا الأمر باستمرار ووزارة الخارجية الفلسطينية قدمت ملفا لمحكمة الجنايات الدولية حول موضوع الإعدامات الميدانية يوضح أن ما يجري هو سياسة قتل خارج إطار القانون بحجج واهية وليس حوادث معزولة”.

ويشدد دويك أن معظم الفلسطينيين الذين أعدموا لم يكونوا يشكلون أي خطر على حياة الجنود لدى قتلهم.

ويبين أن “المسار السياسي والقانوني نسلكه بشكل جيد وهناك رصد ومتابعة وكتابة تقارير من جانبنا كمؤسسات حقوقية بشكل مستمر”.

مشكلة جوهرية

ويرى دويك أن المشكلة الجوهرية التي تواجهنا كفلسطينيين تتمثل في ضعف إنفاذ القانون الدولي موضحًا أن إنفاذه متعلق بإرادة الدول وهي معلقة بقرار سياسي وبالتالي هناك تسييس في هذا الجانب.

ويشير إلى أن هناك توجه دولي في الوقت الحالي بعدم محاسبة إسرائيل على جرائمها.

من جهته قال سمير المناعمة المحامي في مركز حقوق الانسان ” ننظر بخطورة بالغة الى هذه الممارسات باعتبارها تشكل انتهاك خطير للمعايير الدولية لحقوق الانسان ولأحكام القانون الدولي الإنساني”.

وأكد المناعمة في تصريح خاص لـ”المركز” أن الحق في الحياة حق مكفول بموجب المادة السادسة من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وبالتالي هو يشكل قتل خارج نطاق القانون وهي جريمة عمدية تضاف إلى الجرائم الاسرائيلية.

وشدد الحقوقي المناعمة أن سلطات الاحتلال لا تلقي بالا لأحكام القانون الدولي وتشعر بأنها محصنة من كافة أشكال المسائلة والمحاسبة وبالتالي استمرار هذه السياسة على شكل واسع يشكل أحد صور جرائم الحرب المحظورة بموجب ميثاق روما المنشأ للمحكمة الجنائية الدولية باعتبار القتل العمد هو أحد صور جرائم الحرب.

وتابع: “يجب على المدعي العام لمحكمة الجنايات الدولية أن يفتح تحقيقا في كل هذه الجرائم وإحالة من اقرفها ومن أمر باقترافها إلى العدالة ليلقى المسائلة والمحاسبة”.

وحول دور المؤسسات الحقوقية تجاه هذه السياسة أوضح المناعمة أن يتم العمل تجاه هذه القضية على عدة مستويات المستوى الأول يتمثل بعملية الرصد والتوثيق لهذه الانتهاكات ومن ثم إحالتها إلى وحدة المساعدة القانونية من أجل تقديم طلبات فتح تحقيق إلى المدعي العسكري الإسرائيلي لكي يفتح تحقيقا في كل حادث ليقوم بمسائلة ومحاسبة الجناة.

واستدرك أن الواقع القضائي الإسرائيلي يشير إلى أن هذا القضاء غير مستقل وغير محايد وبالتالي يفتقر إلى القدرة على المسائلة والمحاسبة للجناة وتعويض الضحايا ما يعني أنه قضاء غير على الوفاء بالتزاماته وواجباته القانونية مما يفتح المجال تجاه المحكمة الجنائية الدولية لتقوم بواجباتها.

وأضاف أن “المؤسسات الحقوقية تقوم بفضح ونشر كافة هذه الانتهاكات لكي تؤثر في الراي العام الدولي وتحديدا الاجسام الدولية المعنية بحقوق الانسان من أجل القيام بأدوارها وواجباتها نحو الضغط على هذه الدولة لكي تلتزم بأحكام القانون الدولي باعتباره قانوناً ينظم هذا النوع من العلاقات الدولية لكي تتوقف هذه الانتهاكات”.

وذكر أن المطلوب فلسطينياً يتمثل في التركيز وتسليط الضوء على هذه الانتهاكات سواء عبر وسائل الإعلام أو المؤسسات الحقوقية أما على المستوى الدولي فشدد على ضرورة أن تقوم الهيئات المعنية بحماية حقوق الانسان القيام بواجباتها للضغط على هذه الدولة لكي تنصاع وتحترم أحكام القانون الدولي الإنساني على اعتبار أن الحق في الحياة مكفول بموجب المادة السادسة من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.

وأردف قائلاً: “على الجهات الدولية والقضاء الدولي أن يباشر بالوصول إلى نتائج المحكمة الجنائية الدولية مطالباً بضرورة محاسبة ومسائلة الجنود الاسرائيليين وتعويض الضحايا خاصة أنه لا يمكن أن يكون الجناة الاسرائيليون فالتون من العقاب خاصة أننا سنشهد جرائم أخرى في هذا الإطار حال لم يتم معاقبتهم”.

دون تشكيل أي خطر
من جهته قال صلاح عبد العاطي رئيس الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني” ننظر بإدانة وخطورة شديدة إلى استمرار سياسة الإعدام الميداني بحق الفلسطينيين والتي تأتي تكرارًا لسياسات دولة الاحتلال الإسرائيلي العنصرية التي تزايدت خلال العام الماضي لتصل حصيلتها إلى 70 حالة إعدام ميداني من بين 230 شهيدا تم استهدافهم وجرى قتلهم من قوات الاحتلال”.

وأكد عبد العاطي في تصريح خاص لـ”المركز الفلسطيني للإعلام” أن حالات الإعدام التي ارتكبها جنود الاحتلال بحق الفلسطينيين كانت مباشرة ودون أن يشكل هؤلاء الشهداء أي خطر على الجنود الاسرائيليين.

وأفاد الحقوقي عبد العاطي أنه ومنذ بداية هذا العام وحتى منتصف الشهر أعدم 14 فلسطينيًّا بدم بارد منهم ثلاثة أطفال.

ويشير عبد العاطي إلى أن هذه السياسة تزايدت بفعل توجه المجتمع الإسرائيلي بالكامل نحو اليمين الإسرائيلي وصعود حكومة يمين متطرف فاشي أدت توجيهاتها وتعليماتها إلى تزايد عمليات القتل عبر ما يعرف بسياسة “اليد المرخية على الزناد” والتي تشرعن قتل الفلسطيني حتى لو أنه لم يشكل أي خطر.

وشدد على أنه هذه السياسة تمثل ترجمة لإزدراء الحق الفلسطيني في الحياة وتنكر لكل قواعد القانون الدولي الإنساني وتشكل جرائم حرب يجب مساءلة الاحتلال عليها أمام محكمة الجنايات الدولية وباستخدام مبدأ الولاية القضائية الدولية.

وتأتي أبعاد هذه السياسة حسب عبد العاطي في سياق سياسات استعمارية عنصرية هدفها صرف مزيد من ديناميات السيطرة الاستعمارية وفي سياق تحقيق أهداف الاحتلال بفرض وقائع على الأرض.

وتبدأ أولى هذه الأبعاد -وفق عبد العاطي- بضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية وصولاً إلى ضمها بدون سكان وأيضا ترجمة لتوجهات الحكومة في فرض وقائع جديدة في مدينة القدس ومن بينها الأماكن المقدسة بفرض التقسيم الزماني والمكاني في الأقصى بالإضافة إلى تحويل حياة الفلسطينيين إلى مستوى الكارثة بهدف تسهيل تهجيرهم وإبعادهم عن الأراضي الفلسطينية المهددة بالاستيطان.

وفيما يتعلق بدور المؤسسات الحقوقية تجاه هذه السياسة أوضح عبد العاطي أن دورهم يتركز على رصد وتوثيق ومتابعة هذه الانتهاكات وفضحها ومتابعتها مع كل الأجسام العربية والدولية لحثها على اتخاذ الإجراءات اللازمة للضغط على الاحتلال من ناحية والحد من جرائمه من ناحية أخرى.

وطالب عبد العاطي الجهات الرسمية الفلسطينية بوقف سياسة التردد والانتظار والتسويف والمماطلة والالتزام بقرارات الإجماع الوطني بالتحلل من كل التزامات وقيود اتفاق أوسلو ووقف التنسيق الأمني وسحب الاعتراف من دولة الاحتلال والبناء على مقاربة القانون الدولي ومقاطعة حكومة الاحتلال ومطالبة العالم بمقاطعة دولة الاحتلال وفرض عقوبات عليها.

كما طالب بضرورة تبنى قرارات من الجمعية العامة لمقاطعة الاحتلال عدا عن تحريك الملفات أمام محكمة الجنايات وتهيئة القضاء الوطني الفلسطيني لاستخدام مبدأ الولاية القضائية الدولية وتعظيم الاشتباك الشعبي والدبلوماسي مع دولة الاحتلال.

أما على المستوى الدولي فشدد على ضرورة النظر في توفير الحماية للمدنيين الفلسطينيين والضغط من أجل إنهاء الاحتلال الإسرائيلي عبر ترجمة قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة بالقضية الفلسطينية إلى واقع.

وبحسب بيانات وزارة الصحة فقد وصل عدد الشهداء خلال عام 2022 إلى 230 شهيدًا منهم 59 طفلًا و16 امرأة وفتاة ومن بين إجمالي الشهداء 170 فلسطينيًا ارتقوا بالضفة و54 في قطاع غزة بالإضافة لـ 6 شهداء ببلدات الداخل المحتل.

وتصدرت محافظة جنين القائمة في الضفة بـ 56 شهيدًا تليها نابلس بـ 33 شهيدًا ثم محافظة رام الله والبيرة بـ 24 شهيدًا فالقدس بواقع 18 شهيدًا تتبعها الخليل بـ 14 ثم بيت لحم بـ 12 شهيدًا يأتي بعدها طوباس وقلقيلية بواقع 4 شهداء لكل محافظة ثم سلفيت بـ 3 شهداء فطولكرم وأريحا بواقع شهيد لكل منهما.

وتوزع عدد شهداء فلسطين على الأشهر العام 2022 على النحو التالي: 6 في يناير/ كانون ثانٍ ومثلهم في شباط/ فبراير و17 في آذار/ مارس و23 في نيسان/ أبريل و10 في مايو/ أيار و14 في حزيران/ يونيو كما استشهد 8 فلسطينيين في تموز/ يوليو و59 في آب/ أغسطس و19 في أيلول/ سبتمبر و30 في أكتوبر/ تشرين أول و21 في نوفمبر/ تشرين ثاني و17 في ديسمبر/ كانون ثاني.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات