زيارة بايدن.. هل فشل مشروع التحالف الشرق أوسطي؟
لا يبدو أن “إعلان بايدن -لبيد” و”بيان قمة جدة”، قد كشفا عن اندفاعة مضاعفة للتحالف الشرق أوسطي، وذلك في حين نفى وزير الخارجية السعودي حصول أي نقاش بشأن التحالف مع (إسرائيل)، أو بشأن تدشين ما كان قد سماه الملك الأردني “ناتو شرق أوسطي”، كما أنّ بيان قمة جدة قد عاد بالمواقف العربية إلى خطابها التقليدي عن المبادرة العربية وحل الدولتين ورفض “كل الإجراءات الأحادية التي تقوض حل الدولتين” دون تسمية (إسرائيل!)، و”احترام الوضع التاريخي القائم في القدس ومقدساتها، والدور الرئيسي للوصاية الهاشمية في هذا السياق”، والتأكيد على أهمية دعم الاقتصاد الفلسطيني ووكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا”.
قمة النقب التي جمعت في آذار/ مارس الماضي وزراء خارجية دول الإمارات ومصر والمغرب والبحرين والولايات المتحدة و(إسرائيل)، لم يصدر عنها بيان مشترك، وإنما عبّر وزير خارجية الاحتلال حينها يائير لابيد (رئيس حكومة الاحتلال المؤقت الآن)، عن الطموح الإسرائيلي بتشكيل “هيكل إقليمي”، وهو الوصف الذي استخدمه كذلك “إعلان بايدن-لبيد”. هذا “الهيكل الإقليمي”، بعد قمة النقب صار “منتدى دائماً”، له “لجنة تنسيقية” اجتمعت في 27 حزيران/ يونيو في المنامة بين يدي زيارة بايدن للمنطقة.
أمّا “التحالف الشرق أوسطي” فهو التعبير الذي فضله بيان قمة ترامب في الرياض في أيار/ مايو 2017، والذي تبعته حملة التطبيع، وتوقيع اتفاقيات “أبراهام”، والحملات الدعائية التحطيمية لفلسطين وقضيتها وأهلها، وصعود علاقات عربية إسرائيلية إلى أنماط تحالفية مكشوفة.
ما يمكن قوله، والحالة هذه، إن قمة جدة لم تناقش -في حدود المعلن- ولم تفض بالتأكيد إلى الإعلان عن تدشين تحالف شرق أوسطي، فالتحالفات لا تقفز على هذا النحو، لكن ذلك لا يعني أن الفكرة غير قائمة أصلاً. فهي، وكما قلنا في مقالات سابقة عديدة، فكرة عربية إسرائيلية، أخذت اندفاعتها في حقبة الرئيس الأمريكي السابق ترامب، لكنها امتلكت عوامل ذاتية، عربية إسرائيلية، كانت تراقب سلوك الولايات المتحدة في المنطقة مع مرحلة الثورات العربية، وآليات تعاطيها مع تصاعد النفوذ الإيراني في المنطقة في فترة أوباما، وإن كانت الجذور القريبة للتردي العربي في موقفه من القضية الفلسطينية، قد مرّت بأحداث 11 أيلول/ سبتمبر، وتأسست على تصورات انهزامية تاريخية إزاء (إسرائيل).
بالنظر إلى العلاقات السعودية المحفوفة بالشك مع إدارة بايدن، فإنه لم يكن للسعودية أن تمنح هذه الإدارة ورقة العلاقة بـ(إسرائيل) لتعود بها إلى الولايات المتحدة، إذ يمكن ادخار هذه الورقة لأوقات أخرى قد تكون المنفعة فيها أكبر، وما جرى تقديمه من خطوات معلنة محسوب للغاية، كالسماح للطيران المدني الإسرائيلي بعبور الأجواء السعودية بالاستناد إلى اتفاقية شيكاغو عام 1944، حتى لا يبدو الأمر وكأنه تطبيع مباشر. وأما الموافقة الإسرائيلية على نقل جزيرتي تيران وصنافير من مصر للسعودية، فهي أقرب لأن تكون مبادرة إسرائيلية، وإن لم تكن منفكة في عمقها عن ترتيبات العلاقة بين (إسرائيل) والسعودية.
من المرجح أن بايدن كان مدركاً أن زيارته لن تنتهي بتدشين تحالف معلن يجمع (إسرائيل) بدول عربية، كما أن دول الخليج لم تكن لتقبل، في هذا الوقت، بالصياغة الإسرائيلية الكاملة لموقعها في أجندة مواجهة إيران، ومن ثمّ، كانت أحاديث بايدن عن الأهداف الإسرائيلية من زيارته، غطاء يسوّغ به زيارته للمملكة العربية السعودية، ولقاءه بولي عهدها الأمير محمد بن سلمان، ولرفع شعبيته، إن استطاع، داخل الولايات المتحدة، وهو ما يعني أنّ الهدف من الزيارة أمريكي، خاص بهذه الإدارة أصلاً، أكثر مما هو خاص بـ(إسرائيل).
يعني ذلك جملة من الأمور، ليس فيها ما يستدعي التفاؤل باستدارة عربية لصالح فلسطين أو أبعد عن (إسرائيل)، فأخطر ما في تلك الأمور، أن العلاقات العربية الإسرائيلية باتت أعمق من أن تنحصر في المؤثرات الخارجية من الولايات المتحدة الأمريكية. وإذا كان تصعيد هذه العلاقة في صورة حلف هيكلي يقارب حدّ الاستحالة في المدى المنظور، لأسباب سياسية واقتصادية ولوجستية، متعلقة بكون الحلف مؤسسة تستند إلى مواثيق والتزمات ثابتة وقيادة نافذة وأهداف محددة بوضوح، وتنظيمات للسلاح والخطط، فإنّ ذلك لا ينفي أنماطاً من التحالف الثنائي، والتعاون الجماعي. وذلك واضح في العلاقات السياسية المعلنة، والتعاون الاستخباراتي السري، والتدريبات المشتركة مع (إسرائيل) مباشرة أو بمظلة أمريكية، والرادارات الإسرائيلية في بعض دول الخليج، وتطوير التنسيق الإسرائيلي العربي بإدراج (إسرائيل) رسميًّا في مسؤولية القيادة المركزية للجيش الأمريكي، كما أن خطوات التطبيع المتدرجة، وبما تكشف عنه من اتصالات سرّية، ليست أقل خطورة -بالنظر إلى مآلاتها والأهداف منها- من تلك التي وصلت حدوداً تعاونية صارخة.
وإذا كان مفهوم التحالف يفيد التعاون العسكري المعلن في إطار مهمة مؤقتة، فإنّ مستوى العلاقات المعلن بين (إسرائيل) وعدد من الدول العربية أعلى مما يفيده مفهوم التحالف، وإن كان ما يزال أقل مما يفيده مفهوم الحلف. فالتطابقات السياسية، وتهميش القضية الفلسطينية، وحملات الترويج لـ(إسرائيل)، والتعاون الاستخباراتي، والاستمرار في محاولات تطوير هياكل إقليمية تضمّ (إسرائيل)على نحو دائم، يزيد في سياقه العربي المتصل بالقضية الفلسطينية؛ على ما يمكن أن يفيده تحالف بمهمة مؤقتة، وإن كان ذلك دون الآمال الإسرائيلية باندفاعة سعودية أكبر، فالحسابات السعودية لا تجد نفسها مضطرة الآن إلى مثل تلك الاندفاعة.
هذا الجانب الأهم في العلاقات العربية الإسرائيلية غير منوط حصراً بالولايات المتحدة، بالرغم من أهميتها لتغطية هذه العلاقات وتطويرها، كما اتضح في عدد من الخطوات المندرجة في سياسات دمج (إسرائيل) في المنطقة.
وحين أخذ بيان جدة بخطابه التقليدي عن القضية الفلسطينية، في سياق العلاقات العربية الإسرائيلية الجارية، فإنه لا يمكن التعامل معه إلا بوصفه ديباجة خطابية لا تعبر عن شيء واقعي، ويمكن أن يضاف ذلك إلى تهميش بايدن الكامل للفلسطينيين في أجندة زيارته، التي حرصت على تقليص الطابع السياسي في شقها الفلسطيني لصالح “الإنساني”. ولا ينبغي لمراقب أن يتوقع شيئاً آخر على هذا الصعيد، فالتبني الأمريكي لـ(إسرائيل) ما يزال كاملاً، وحلّ الدولتين مجرد رطانة خطابية لا يؤمن بها أحد، وهو ما يعني في جوهره تعمق العلاقات العربية الإسرائيلية دون حلّ القضية الفلسطينية.
فلسطين أون لاين
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات
منظمة إنقاذ الطفولة: رفح تعد الملجأ الأخير لأهالي غزة
لندن – المركز الفلسطيني للإعلام حذرت منظمة إنقاذ الطفولة الدولية، الاثنين، من أن "قرار إسرائيل بتهجير الفلسطينيين قسرا من مدينة رفح جنوب قطاع غزة،...
خليل الحية يكشف تفاصيل مقترح وقف إطلاق النار الذي وافقت عليه حماس
الدوحة – المركز الفلسطيني للإعلام قال القيادي في حركة حماس خليل الحية مساء اليوم الإثنين: إنّ المقترح الذي قدمه لنا الوسطاء في قطر ومصر يتضمن ثلاث...
هنية يهاتف أردوغان ويطلعه على موافقة حماس على وقف إطلاق النار
الدوحة – المركز الفلسطيني للإعلام قالت حركة المقاومة الإسلامية حماس في تصريح صادر عنها مساء اليوم الإثنين: إنّ إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي...
القسام تقصف محور “نتساريم” بالصواريخ والقذائف
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام قصفت كتائب الشهيد عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة "حماس"، اليوم الاثنين، موقعا عسكريا لجيش الاحتلال الإسرائيلي...
حماس تبلغ مصر وقطر موافقتها على مقترحهما لوقف إطلاق النار
الدوحة – المركز الفلسطيني للإعلام أكدت حركة المقاومة الإسلامية حماس مساء اليوم الإثنين، موافقتها على المقترح المصري القطري لوقف إطلاق النار. وقالت...
إصابات بمواجهات عنيفة مع الاحتلال شرق نابلس
نابلس – المركز الفلسطيني للإعلام أصيب ثلاثة شبان، عصر اليوم الاثنين، خلال برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي في بلدة بيت فوريك شرق نابلس....
هيئة الاسرى تكشف فصلاً مأساويًا يعيشه المعتقلون في سجن مجدو
رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام أكدت هيئة شؤون الأسرى والمحررين، اليوم الاثنين، استمرار الأوضاع الحياتية والمعيشية والاعتقالية السيئة التي...