لماذا انتهى الفلتان في غزة وتعاظم في الضفة؟
حالة الفلتان الأمني في الساحة الفلسطينية ليست جديدة، فقد رافقت نشوء السلطة، وظهور السلاح العلني في أيدي المحسوبين عليها ابتداء، ثم توسّعت لاحقاً حتى صارت تستغرق مفاصل المجتمع، مستفيدة من العصبيات القبلية والمناطقية، فصارت الزعرنة والبلطجة ظاهرة، مع الاستقواء بالسلاح لإدارة الخلافات الاجتماعية، وإن صغرت، أو لتثبيت معادلة قوة في هذه المنطقة أو تلك.
تبدو مدينة الخليل مؤخراً في الضفة الغربية عنوان انفلات السلاح العشائري الأعمى، الذي ضرب حالة الاستقرار في المدينة، مثلما ضرب صورتها الخارجية، رغم أن شلل المسلحين والزعران لا يمثلون المدينة أو يعبّرون عنها، بل تخلق أفعالهم حالة من السخط في أوساط الناس، ورغم أن الفلتان الأمني يطال الضفة الغربية كلها، ويتجلى في حوادث باتت شبه يومية في مناطق عديدة.
لكن الظاهرة تبرز بوضوح في الخليل نتيجة للنزعة العشائرية القوية فيها، ولأن بعض مشاكل الثأر العائلية فيها تستمرّ سنوات طويلة، ولأن فيها مراكز قوة عديدة متصارعة على تثبيت سطوتها، أو (سيادة البلد)، والاحتلال يدعم بعضها ويثبت وجودها، فيما السلطة تدعم عناوين معيّنة بدورها، وتستفيد كما الاحتلال من بقاء المدينة تحت سطوة السلاح المنفلت والمشاكل الداخلية، حتى وإن بدا أن الأجهزة الأمنية عاجزة عن تثبيت الأمن ومحاسبة المتورطين في القتل وتخريب الممتلكات، عقب كل مشكلة عائلية.
في ظل استفادة السلطة عموماً من حالة الفلتان التي تصرف الناس وتشتتهم عن القضايا الأساسية، إلى جانب رعايتها جانباً من حالة الفلتان قديماً وحديثا، لن ينتظر ولا يستقيم أن يُنتظر منها أن توجد حلاً حاسماً لهذه الظاهرة، ولا أن تفككها أو تضعفها، رغم أنها قادرة على ذلك لو أرادت، ولو تعاملت مع الفلتان بمستوى الجدية والجدّ ذاته الذي تبديه في التزامها بمقتضيات التنسيق الأمني وتنفيذها الملاحقات للمقاومين وللنشطاء الوطنيين وأصحاب الرأي في عموم الضفة.
يحيلنا الأمر تلقائياً إلى عقد مقارنة مع الحال في غزة، وهو كان منذ مجيء السلطة وحتى العام 2007 نهبة لفلتان أمني مشابه، بل إن بعض العائلات المتنفذة كانت تراكم سلاحاً ونفوذاً جعلها تقسم غزة إلى مربعات أمنية، وإلى إقامة حواجز تهدد استقرار الناس وأمنهم وحياتهم في أحيان كثيرة، وحين تمكنت حركة حماس في غزة، وضعت حداً جذرياً وشاملاً وحاسماً لظاهرة الفلتان والسلاح المشبوه، وحتى سلاح الاستعراضات الجوفاء، وصار السلاح الوحيد المسموح في غزة ذاك المقاوم النظيف فقط، إلى جانب سلاح الشرطة والأمن العام، بل تم إنهاء الظواهر الجانبية الناشئة عن وفرة السلاح، كإطلاقه في المناسبات المختلفة.
لم تكن حماس في معالجتها لظاهرة الفلتان تجامل أو تستثني أحدا، بل طال العلاج بعض المحسوبين عليها الذين انتصروا لتنفّذ عائلاتهم على حساب سيطرة القانون والحق، ولم تكن الحركة بحاجة لصناعة جيوب أمنية توظف فيها السلاح المشبوه لأي غرض، لأنها كانت تركز في مسارها الأهم وأولويتها الكبرى، وهي صناعة قاعدة للمقاومة في غزة، تملك سلاحاً لا يحيد عن وجهته، مهما تنوعت ألوان المشكّلين لهذه القاعدة، ولذلك انتظمت كل الفصائل في إطار هذه الرؤية، ولم تحد عنها، رغم امتلاكها السلاح والعتاد.
لأجل هذا انتهت ظاهرة الفلتان في غزة، بعد أن عولجت جذرياً ودون مهادنة، ولأن قيادة غزة وجّهت طاقات الشباب والمسلحين نحو وجهة المقاومة فقط، وظلّت تعاند المحتل وتطوّر وسائل مواجهته، حتى صنعت معادلة ردع في زمن قياسي.
ولأجل نقيض كل ما سبق فقد تعاظم الفلتان الأمني في الضفة، لأن السلطة رعته ابتداءً واستفادت منه، ولأنها مستعدة للتعايش مع أي سلاح سوى المقاوم، ولأن بوصلة مسيرها تائهة، فيما التزاماتها الأمنية تجاه الاحتلال تتقدم أولوياتها، وتهيمن على مجالات تفكيرها ونشاطها.
فلسطين أون لاين
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات
أوقاف غزة: الاحتلال دمر 600 مسجد وسرق 1000 جثمان
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام أفادت وزارة الأوقاف والشؤون الدينية بغزة، مساء الجمعة، بتدمير قوات الاحتلال الإسرائيلي 604 مساجد بشكل كلي و200 تضررت...
ارتقاء قائد من كتيبة جنين بقصف للاحتلال
جنين – المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية مساء اليوم الجمعة عن ارتقاء شهيد وثمانية إصابات، حيث وصلت إصابة بحالة مستقرة وصلت إلى...
جيش الاحتلال يقتحم المسجد الإبراهيمي ويمنع أذان المغرب
القدس المحتلة – المركز الفلسطيني للإعلام اقتحم جيش الاحتلال الإسرائيلي، الجمعة، المسجد الإبراهيمي في مدينة الخليل جنوبي الضفة الغربية، وأخرج موظفي...
حماس: الرصيف المائي ليس بديلًا عن فتح المعابر البرية لغزة
غزة- المركز الفلسطيني للإعلام أكدت حركة المقاومة الإسلامية حماس اليوم الجمعة، رفضها لوجود أي تواجد عسكري على الأراضي الفلسطينية، وعلى أن الرصيف...
القسام تعلن استشهاد القائد شرحبيل السيد بغارة للاحتلال على لبنان
بيروت – المركز الفلسطيني للإ‘لام أعلنت كتائب القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس، الجمعة، "استشهاد القائد شرحبيل علي السيد في غارة...
الحميداوي: لنصرة فلسطين لن تبخل المقاومة بالدم والمال
غزة- المركز الفلسطيني للإعلام قال الأمين العام لحزب الله العراق الحاج أبو حسين الحميداوي، اليوم الجمعة، إن المقاومة الإسلامية لن تبخل بالدم والمال...
إغلاق محيط حي الشيخ جراح بالقدس المحتلة
القدس المحتلة – المركز الفلسطيني للإعلام قررت سلطات الاحتلال الإسرائيلي، يوم الجمعة، إغلاق جميع الشوارع المؤدية إلى حي الشيخ جراح ونشر مئات الجنود...