الجمعة 03/مايو/2024

كابوس الخسارة يحوّل الكيان الإسرائيلي لجيش ديجتالي

كابوس الخسارة يحوّل الكيان الإسرائيلي لجيش ديجتالي

صحيح لا يوجد قرار سياسي إسرائيلي حتى الآن باجتياح كامل لقطاع غزة يغير الواقع الميداني والسياسي في مشهده، لكن الحكومة والجيش لا يضمنان نتائج مغامرة مكلفة الثمن من عدة جهات أولها وقوع جنودها قتلى وأسرى وخشيتها من بدء معركة لا تعرف متى تنتهي.

فضلت “إسرائيل” خلال عدوانها المتكرر على غزة القصف من الجو وعدم التماس المباشر مع مقاتلي المقاومة الأشداء الذين أثبتوا قدرات ميدانية حسب اعترافات قادة الجيش ووحدات نخبته التي تولت إدارة العدوان بغزة.

ليس غريباً أن يصرّح قائد سلاح مشاة جيش الاحتلال “يؤال ستريك” أن المجتمع الإسرائيلي لم يعد يحتمل الخسائر في الحروب وخاصة البشرية مشدداً أن الجيش مستعدٌّ للقيام بعمليات برية في أي مواجهة مستقبلية، وفق زعمه.

وحول تراجع قوة سلاح المشاة وامتناعه عن التدخل بالمواجهة الأخيرة بغزة، قال “ستريك”: إنه “لا يرى اجتياحًا بريًّا واسعًا لقطاع غزة ما لم يتخذ المستوى السياسي قرارًا حاسمًا بالقضاء على حكم حماس”، حسب وصفه.

المرة الأولى التي فشل فيها سلاح المشاة الإسرائيلي في التماس مع المقاتل العربي كانت في حرب أكتوبر 1973م، والمحطة الثانية كانت في حرب تموز بلبنان 2006م، وعدوان غزة المتكرر 2008-2021م.

إيقاع الحرب
يحاول الجيش الإسرائيلي ضبط إيقاع مهماته العسكرية بغزة بالقصف المكثف من الجو واستخدام تقنيات وتكنولوجيا تقلل وقوع خسائر بشرية في صفوفه، وهنا يتراجع حتماً دور مقاتلي سلاح المشاة على أرض الميدان.

منذ عدوان تموز 2006م تسلل الإحباط لمقاتلي مشاة الاحتلال فانتحر العديد منهم، ولحق بهم آخرون بعد كل عدوان بغزة 2006-2021م، وهذا يعكس حالة الإحباط بعد فقدان معادلة ردع حقيقية لخصوم “إسرائيل”.

ويؤكد اللواء يوسف شرقاوي، الخبير في الشؤون العسكرية، أنَّ الاحتلال يعاني حسب ما أعلن قبل أيام من زيادة في حالات تسرب الجنود، وأن ثغرات سلاح المشاة بسبب عجزهم في العثور على “إنسان القضية” الذي يقاتل عن عقيدة بخلاف المقاوم الفلسطيني.

ويضيف لـ”المركز الفلسطيني للإعلام“:”مخاوف سلاح المشاة هي الخشية من الوقوع في الأسر وفقدان جنود أحياء أو جثامين، هم يريدون خسائر صفر لذا لا يتقدم سلاح المشاة على الأرض، ويركزون على القصف الجوي”.

ولا يزال ملف جنود الاحتلال الأسرى لدى المقاومة بغزة يتصدر سلم مطالب الحكومات الإسرائيلية منذ انتهاء عدوان غزة 2014م، وهي تربط أي تقدم بمشهد حياة ومجتمع غزة بإطلاق سراح جثامين وجنود جيشها.

النظرية الأمنية الإسرائيلية القديمة منذ عهد “بن غوريون” قامت على نقل المعركة لأرض خصوم “إسرائيل”، واعتماد ضربات خاطفة، لكنها تبددت منذ عدوان تموز 2006م، وصدرت شهادة وفاتها للمرة الأولى في عدوان 2008م بغزة.

وكشف جيش الاحتلال مطلع أكتوبر الجاري عن استخدامه مدفع هاون آلي ذاتي التلقيم في عدوان غزة 2021م أسماه “اللدغة الفولاذية”، من صناعة شركة إلبيت الإسرائيلية.
 
ووفق إعلام الاحتلال؛ فإن القذيفة الجديدة التي استخدمت لأول مرة خلال عدوان غزة تتمتع بعدة مزايا، أهمها أنها تعمل بالتوجيه الليزري، خلافاً لقذائف الهاون الكلاسيكية، والتي تتطلب وجود العنصر البشري لتلقيمها وإطلاقها. 

ويصف الخبير شرقاوي أن تفضيل جنود الاحتلال العمل بوحدات تكنولوجية واستخبارية تحول جزء منه لجيش “ديجتالي”؛ لأن الجيش في العقود الأخيرة بإمكانه فتح جولة عدوان ولا يمكنه إنهاءها.

وسجلت وحدات النخبة في الجيش الإسرائيلي في السنوات الماضية عدة إخفاقات ميدانية أهمها كشف أهم نخبة “سيرت متكال” في خان يونس خلال مهمة ميدانية، واشتباكها بعد كشفها مع مقاتلي المقاومة في حين فشلت مهمات عديدة لنخبة “جولاني-جفعاتي-دوفدفان” في وحل غزة.

ونقل شهود عيان ومصادر خلال عدوان غزة 2014م عن استخدام الاحتلال وحدات مرتزقة من غير القومية اليهودية؛ الأمر الذي يعكس خشية تماس جنود “إسرائيل” من قومية يهودية التماس مع المقاومة خوفاً من الأسر والقتل.

القرار السياسي
في عهد حكومة “نفتالي بينيت” رئيس حكومة الاحتلال الضعيفة التي ولدت بمخاض عسير بعد انتهاء حقبة “نتنياهو” الذي سجل أطول مدة زمنية لرئاسة حكومة لا يملكون جرأة تغيير واقع غزة الميداني باستخدام الأدوات العنيفة.

 وكان الناطق باسم حماس فوزي برهوم قال في تصريح صحفي: إن “الإقرار اعتراف بالهزيمة المادية والمعنوية التي لحقت بالمجتمع الإسرائيلي وقياداته أمام صمود وثبات وضربات المقاومة الفلسطينية، وتحديدًا خلال معركة سيف القدس”.

وأكد صوابية ونجاح برنامج المقاومة بخوض المعارك مع الاحتلال الإسرائيلي وحسمها لمصلحة شعبنا الفلسطيني وانتزاع حقوقه وكسر معادلات الاحتلال.

طبيعة الحروب التي تغيرت،حسب إفادة قائد سلاح المشاة الإسرائيلي “يؤال ستريك”، والذي أشار لعجز المجتمع الإسرائيلي الآن عن تحمل خسائر الحروب تدلل على خوفهم من تحمل نتائج غير محسوبة.

ويقول محمد مصلح، الخبير في الشؤون الإسرائيلية: إن عدم القيام بعملية بريّة واسعة بغزة قضية سياسية بامتياز، وليست أمنية أو عسكرية تتعلق بقدرات الجيش الإسرائيلي.

تمتلك “إسرائيل” قوة تدميرية هائلة، لكن مهماتها بغزة في مواجهة المقاومة لا تأخذ طابع المواجهات الكلاسيكية لجيوش دول، لذا تخشى دوماً مغامرات المهمات الميدانية العسكرية.

ويضيف الخبير مصلح لـ”المركز الفلسطيني للإعلام“: “لا يوجد أفق سياسي لإسرائيل في التعامل مع غزة، والحرب البرية بحاجة لأفق سياسي، وبحاجة لنتيجة حسم والبقاء بغزة مكلف جدًّا”.

خبراء ومراقبون للشأن الميداني والعسكري الإسرائيلي تحدثوا مراراً عن ذكر إعادة احتلال غزة أن المكوث 6 أشهر بغزة ستكون خسارته مضاعفة، وبحاجة لرؤية سياسية؛ لأن تكلفة خسارة جنود قتلى وأسرى كبيرة في إطار عدم الثقة بالنتائج.

مخاوف الاحتلال لم تكن من العدم، فيقابلها تطور عملياتي وميداني في أداء المقاومة الفلسطينية التي أسرت وقتلت عددا من الجنود، ودفع الاحتلال ثمنًا باهظًا أحرجه أمام جبهته الداخلية حتى اليوم.

ويشير الخبير مصلح إلى أنّ الاحتلال البرّي لغزة بحاجة لموقف دولي، و”إسرائيل” خسرت كثيراً أمام الرأي العام الدولي ومواقف حكومات دول انتقدت عدوانها ضد المدنيين في عدوان 2014م و2021م، لذا فإن فكرة الاحتلال البرّي مرتبطة بالسياسة أكثر من العسكر.

ويتابع: “احتلال غزة يعني لاحقاً التفاوض، والجهة المستعدة للتفاوض هي السلطة الفلسطينية الضعيفة حاليًّا، والتي لن تتمكن من تجاوز موقف المقاومة، لذا ستبقى معظم ملفات غزة الآن لدى الجانب المصري”.

قوة الاحتلال الذي يملك سلاحاً نوويًّا لا تؤهلها لحسم مشهد غزة الميداني والسياسي، فقوة غزة المقاومة تكمن في ضعفها، و”إسرائيل” فقدت كثيرًا من قوة الردع، وتضررت صورتها الأخلاقية أمام المجتمع الدولي اعتماداً على أرقام ضحايا مدنيين عقب كل عدوان باتت معلنة أمام العالم.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

عدنان البرش.. الطبيب الإنسان

عدنان البرش.. الطبيب الإنسان

غزة – المركز الفلسطيني للإعلاملم يترك الدكتور عدنان البرش (50 عامًا) مكانه ومهمته في إنقاذ جرحى حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية بغزة، حتى اعتقاله...