السبت 27/أبريل/2024

المحررة أبو كميل: كلمة ماما من طفلي أنستني وجع السجن

المحررة أبو كميل: كلمة ماما من طفلي أنستني وجع السجن

لا ينقطع شوق أطفال الأسيرة المحررة نسرين أبو كميل، عن احتضان والدتهم والتحديق بها طويلًا، بنظرات تعلوها الريبة، مع حلم بدا أمامهم حقيقة، بعد أن انتزع الاحتلال الإسرائيلي قلوبهم بسجن والدتهم على مدى ست سنوات، عاشوها دون معنى للحياة، وغدا خلالها الطفل الرضيع أحمد على أبواب الدراسة.

والأسيرة الفلسطينية المحررة نسرين أبو كميل من مواليد 5 تموز/يونيو 1975 في مدينة حيفا بالداخل المحتل، خريجة هندسة حاسوب، وعملت مديرة حسابات، متزوجة من حازم أبو كميل منذ عام 2000، حيث تعارفا خلال عمل زوجها داخل مناطق “الخط الأخضر” قبل اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000، وتزوجها وانتقلت للإقامة معه في غزة، إلا أنها دأبت على زيارة ذويها في حيفا حتى اعتقالها.

كمين الاعتقال

كان يوم 18 تشرين الأول/أكتوبر 2015، علامة فارقة في حياتها، اضطرت خلاله للذهاب إلى حاجز “بيت حانون” (ايرز) شمالي قطاع غزة؛ لاستلام تصريح عمل زوجها للدخول للأراضي المحتلة عام 1948.

لم تعلم أبو كميل، أن هذه الزيارة عقب تلقيها اتصالًا هاتفيًّا من مخابرات الاحتلال للحضور واستلام التصريح، ستبعدها عن فلذات أكبادها ستة أعوام تجرعت خلالها الويل والضيم.

وتتابع أبو كميل حكاية اعتقالها: “فور وصولي إلى النقطة الإسرائيلية الموجودة في معبر بيت حانون، تفاجأت بإدخالي إلى غرفة التحقيق، واتهامي بمساعدة المقاومة الفلسطينية، وجمع معلومات عن أهداف أمنية في الداخل، بحكم حصولي على الهوية الزرقاء (الإسرائيلية)، ليتم نقلي بعدها إلى مراكز التحقيق في معتقل عسقلان”.

وتضيف: “رغم إنكاري لتلك التهم، إلا أنني تعرضت لتحقيق قاسٍ استمر 31 يوماً في سجن عسقلان سيئ الصيت والسمعة من ضباط مخابرات الاحتلال”.

انتظار الحُكم
تاريخ 20 تشرين الأول/ أكتوبر 2018 كان يومًا مصيريًّا -تضيف أبو كميل- “حيث كنت على مفترق طرق بين العودة إلى البيت والأولاد، أو مواجهة السجن والمصير المجهول، بعد أن تم عرضي على المحكمة العسكرية الإسرائيلية”.

وتسرد أبو كميل تلك اللحظات وتقول: “وجهت لي المحكمة تُهمًا عديدة، منها تصوير وزارة الداخلية الإسرائيلية، وسكة القطار ومركز شرطة حيفا، وميناء حيفا، وجمع معلومات عن مواقع وأهداف أمنية إسرائيلية لمصلحة فصائل المقاومة الفلسطينية، ليصدر الحكم بالسجن ست سنوات، الذي نزل عليّ كالصاعقة، ورغم قساوته إلا أنني بقيت صامدة”.

أيام الأسر
وتضيف: “أيامٌ ثقيلة مرّت عليّ ببطءٍ شديد، تركت جرحًا غائرًا، ما بين الحنين لعائلتي، وقسوة السجن والسجان، عشت خلالها ظروف اعتقال صعبة، وأنا أعاني من عدة أمراض إلا أن أصعب شيء كان حرماني من زيارة أبنائي وزوجي طوال وجودي بالمعتقل”.

وللأسيرة السابقة، سبعة أبناء: فِراس (19 عامًا)، وفارس (18 عامًا)، وأميرة (17 عامًا)، وملَك (15 عامًا)، وداليا (13 عامًا)، ونادين (9 أعوام)، وأحمد (7 أعوام).

تقول أبو كميل: “كنت أقوم بأشغال يدوية لجميع مناسباتهم وأخبرهم في رسائل أني غزلت لهم شيئًا أو صنعت لهم هدية بمناسبة عيد ميلاد أحدهم أو تخرجهم، أرسلت إحداها مع أسيرة من غزة أُفرج عنها”.

أما عن صعوبات الحياة داخل سجون الاحتلال، فشددت نسرين على أنها “صعبة عمومًا”، لافتًة إلى حسرة الأسيرات أن تذهب كل هذه السنوات هباء.

وتابعت: “نحن الأسيرات نمضي أوقاتنا في تلاوة القرآن وقراءة الكتب ومراجعتها، وسنوات السجن جعلتني أكثر قوةً وقربًا من الله والتزامًا في صلاتي”، معربة عن سعادتها بتمكنها من حفظ 25 جزءًا من القرآن الكريم خلال أسرها.

الخروج من الأسر
وبعد ست “سنين عجاف”، خرجت نسرين أبو كميل في 17 تشرين الأول/أكتوبر الجاري، وقد بنت أحلامًا كبيرة بالحرية، ورؤية أطفالها وخاصة أحمد الذي دخلت إلى السجن وهو في عمر ستة أشهر.

إلا أن تعنت الاحتلال -حينها- لم يجعل فرحتها تكتمل وسط مماطلة بدخولها غزة حيث أبناؤها وزوجها أو تذهب إلى حيفا مسقط رأسها، فاختارت غزة.

وعلى مدار الأيام الثلاثة، التي تلت الإفراج عنها، أعاق الاحتلال وصولها إلى القطاع تحت ذرائع عدّة منها عدم وجود تصريح لها، عدا عن اشتراط دفع مبلغ مالي تحت ذريعة “ضريبة تلفزيون” إذ اشترط في البداية دفع مبلغ 1000 شيكل إسرائيلي (حوالي 311 دولاراً)، قبل أن يرفع المبلغ إلى 4130 شيكلًا إسرائيلياً (حوالي 1280 دولاراً)، إلى أن رضخ الاحتلال وسمح لها بالدخول إلى قطاع غزة.

وتعلق على ذلك بالقول: إن “محاولات الاحتلال عرقلة مرورها إلى القطاع بعد تحرّرها من سجونه، جاءت في سياق تنغيص فرحتها هي وعائلتها، وهو سلوك إسرائيلي اعتُمد بحق الأسرى والأسيرات، في السنوات القليلة الماضية”.

لحظات اللقاء
في تلك الأثناء، تقول الأسيرة نسرين أبو كميل: إنّ فرحتها لا توصف بعد أن تمكّنت من احتضان زوجها وأطفالها بعد 6 سنوات قضتها في الأسر، تركت خلالها عائلتها وطفلها الأصغر أحمد رضيعاً ومُنعت طوال سنوات الأسر من لقاء جميع أفراد عائلتها.

وتضيف: “عادت الفرحة لتعمّ المنزل، وأشرقت حياتنا من جديد”.

اليوم الأول في البيت
أبو كميل التي لم تعتد الحرية بعد أن استيقظت صباح أول يوم في بيتها ووسط أطفالها لتصيح بعالي صوتها “على العد بسرعة”، لم تنتبه أنها أصبحت بين أحضان وكنف عائلتها.

احتضنت طفلي أحمد حتى كادت أضلاعه تختلط ببعضها -تتابع أبو كميل- كانت فرحتي الكبرى عندما قال لي (ماما)، تلك الكلمة أنستني وجع ست سنوات أمضيتها داخل سجون الاحتلال.

وتوضح أنها دخلت السجن بكامل عافيتها وصحتها إلا أن ظروف السجن القاسية والتعذيب الذي تعرضت له جعلها تعاني من عدة أمراض منها السكري والضغط وكتلة في الصدر أجرت على إثرها عملية جراحية، إضافة إلى كسر في يدها اليمنى على إثر عراكها مع السجانة لمنع أخذ أسيرة إلى التحقيق.

ذكريات السجن
وعن سبب تعنّت الاحتلال بدخولها لقطاع غزة والغرامة المالية التي فرضت عليها، تبتسم أبو كميل وتقول بشموخ: “كنا يومها جالسين وإذا بالسجانين يدخلون علينا يريدون تفتيشنا ومع مقاومة السجانين حملتُ التلفاز وضربتُه برأس أحدهم، ففرض علي غرامة 4000 شيكل (1250 دولارًا) كبديل عن ذلك التلفاز”.

وبحسب الأسيرة المحرّرة؛ فإنّ أوضاع الأسيرات والأسرى داخل السجون، صعبة وقاسية للغاية، في سياق الإجراءات والانتهاكات الإسرائيلية غير المسبوقة بحقهم خلال المدّة الأخيرة، عدا ما تشهده السجون من مواجهة بين الحركة الأسيرة وبين مصلحة السجون.

وتؤكد أبو كميل أنّ فرحتها ستبقى منقوصة حتى يتحرّر جميع الأسرى والأسيرات من سجون الاحتلال، مع ترقّبهم بأملٍ ممزوج بالقلق لتطورات المفاوضات غير المباشرة بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال من أجل إنجاز صفقة تبادل أسرى جديدة خلال المدّة المقبلة.

الطفلة الأم
أميرة ابنة السبعة عشر ربيعًا؛ التي رعت إخوتها خلال مدة اعتقال والدتها تعبر عن فرحتها بخروج والدتها من الأسر فتقول: “الآن أستطيع أن أسدل عن أكتافي عبئًا لم أكن أتصور أن أحمله، فقد أصبحت أمًّا لسبعة أطفال وأنا في الحادية عشرة، وأستطيع الآن أن أشعر بمعنى كلمة (ماما) التي حرمت منها ست سنوات”.

وأضافت: “قررت وإخواني تصميم جدول زمني (رزنامة) ليوم إطلاق سراح ماما مع بدء العد التنازلي للأيام المئة الأخيرة من سجنها. يوميًّا كنا نشطب كل يوم يمر من الأيام المئة الأخيرة، في انتظار الرقم (واحد) الذي قررنا أن تشطبه والدتنا بيدها وتتبعه بتوقيعها، ابتهاجاً بطيّ صفحة الاعتقال ومرارته من حياتها”.

وتتابع: “كنا نفتقد حنان الأم على الدوام، ويزداد حُزننا في المناسبات والأعياد، حيث تكون فرحتنا بها منقوصة بسبب الفراق.. لقد عشنا أياماً قاسية، ولكن الحمد لله أمي بيننا الآن وذلك كافٍ”.

أبو كميل لتضمن احتضانها لأبنائها؛ وقعت على الشروط التي وضعتها سلطات الاحتلال الإسرائيلي والتي منها تعهدها بعدم مغادرة القطاع إلى أراضي الـ48 عامين، إضافة إلى الغرامة المالية التي دفعتها أبو كميل قبل أن يُسمح لها بالعودة إلى غزة.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

شهيدان باشتباك مع الاحتلال غربي جنين

شهيدان باشتباك مع الاحتلال غربي جنين

جنين - المركز الفلسطيني للإعلام استشهد شابان وأصيب آخران، فجر اليوم السبت، برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي، قرب حاجز "سالم" العسكري غربي مدينة جنين،...