الأربعاء 15/مايو/2024

فلسطين بين العدوان والضعف والمقاومة

ناصر ناصر

شهد الأسبوع الأخير سلسلة من الأحداث أظهرت تعنت وإصرار الاحتلال الإسرائيلي على استمرار عدوانه ضد الفلسطينيين والمنطقة بدعم أمريكي وغطاء دولي، وضعف عربي وفلسطيني رسمي، وفي المقابل مدى بسالة ومقاومة الشعب الفلسطيني لهذا العدوان، فـ”إسرائيل” ما تزال كيانًا غريبًا عن المنطقة رغم نجاحاتها في الاستيطان والسيطرة والتوصل إلى تطبيع مع بعض الأنظمة العربية.

ففي القدس اندلعت مواجهات هي الأعنف منذ عملية سيف القدس في مايو الماضي أدت لإصابة 25 فلسطينيًّا بجراح، واعتقال أكثر من 22 آخرين، بعد أن تصدى المقدسيون لاستفزازات مجموعات متطرفة من المستوطنين المدعومة من شرطة الاحتلال، وتحديدًا في باب العامود الذي أصبح يشكل في الآونة الأخيرة بؤرة من بؤر مقاومة الفلسطينيين للاحتلال واعتداءاته المستمرة على القدس والمسجد الأقصى.

تأتي هذه الاعتداءات في ظل تزايد التوجيهات اليمينية العنصرية في “إسرائيل” والتي ظهرت جليا في حدثين جديدين: 

الأول:  محاولة عضو الكنيست المتطرف بن غبير الثلاثاء الماضي الاعتداء على الأسير الفلسطيني المضرب عن الطعام مقداد القواسمي والمتواجد في مستشفى كابلان، وذلك بعد أن كتب بن غبير منشورات له يستغرب فيه استمرار بقاء القواسمي حيًّا بعد هذه المدة الطويلة من الإضراب، معلنًا أنه سيتوجه للمستشفى لمعالجة الأمر، في إشارة تهديد واضحة لحياة القواسمي، لم تنجح محاولة بن غبير بعد أن تصدى له مجموعة معينة من زوار المستشفى، وعلى رأسهم عضو الكنيست الفلسطيني أيمن عودة، ولم يكن غريبا أن تنتقد بعض وسائل الإعلام موقف أيمن عودة أكثر مما انتقدت موقف بن غبير.
الثاني: ضرب مؤيدي فريق كرة القدم بيطار من أنصار المجموعة المتطرفة “لا فاميليا” مؤيدًا آخر؛ لأنه استمر بتشجيع أحد لاعبي الفريق من المسلمين. 

وفي إطار تأكيد سيطرة الاحتلال على كل نواحي حياة الفلسطينيين في الضفة سمحت “إسرائيل” للسلطة الفلسطينية -والتي أبدت نوعا من الاحتفاء بهذه الخطوة- أن تقوم الأخيرة بتسجيل نحو 4000 فلسطيني في سجل الإحصاء المركزي الفلسطيني، رغم أن هذا في صلب حياة الفلسطينيين وحقوقهم الأولية.

يشار إلى أن 1200 من هؤلاء ولدوا ويعيشون في الضفة دون هوية، ومنهم 2800 هربوا من غزة للضفة بعد “الحسم العسكري” دون أن تنقل عناوينهم إليها، في المقابل يستمر الاحتلال في الاستيطان المدمر لكل ما هو فلسطيني.

فهل يؤكد هذا الأمر أيضا تزايد وضوح دور السلطة كمجرد وسيط بين الفلسطينيين والاحتلال؟
وهل يؤكد تعامل السلطة مع هذا الأمر بأنها رضيت أن تتحول من نواة للدولة الفلسطينية إلى أداة بيد الاحتلال يستخدمها لتخفيف أعبائه وتكاليفه؟ وبالتالي استمرار تمسكه بمزايا هذا الاحتلال الرخيص؟ والأهم من ذلك كيف يمكن للشعب الفلسطيني الخروج من هذه المأساة؟

أما على صعيد جبهة غزة والتي ما يزال الاحتلال يحاصرها ويتحكم بحياة الفلسطينيين فيها، كما يتحكم بحياة الأسرى في سجونه، فقد أظهرت صمودًا ومقاومة منقطعة النظير، مما أدى لتراجع إسرائيل في موضوعين:

الأول: توجه نحو حل مشكلة الثلث الأخير من المنحة القطرية، والتي تدفع كرواتب للموظفين، وإصدار ثلاثة آلاف تصريح دخول جديدة لعمال وتجار، وذلك بشكل غير مسبوق ليصل العدد إلى 10000 تصريح، والفرق الجوهري أن هذا تم دون أي تنازل عن مواقف المقاومة ومواجهة الاحتلال.

الثاني: فهو اضطرار “إسرائيل” لإبداء مرونة معينة في موضوع تبادل الأسرى دون أن يؤدي الأمر إلى تقليص الفجوات الكبيرة التي ما تزال تمنع حتى الآن عقد صفقة تبادل أسرى متوقعة بين المقاومة و”إسرائيل”.

لغة غزة إذن هي لغة المقاومة والمواجهة وإخضاع المحتلين لبعض المطالب حتى وإن كانت بسيطة، وما أشبه ذلك بما يحدث في سجون الاحتلال؛ حيث أعلن الأسرى الفلسطينيون ليلة أمس 21-10 انتهاء خطوة أسرى الجهاد الإسلامي، والدعوة وطنيًّا بالإضراب عن الطعام بعد انتزاع الأسرى لبعض مطالبهم المهمة، كإعادة تجميع أسرى الجهاد في غرفتين اثنتين لكل قسم، وإخراج المعزولين كافة خلال أيام من زنازين العزل، عدا عن زيد ابسيسي المتوقع خروجه خلال شهرين أو ثلاثة، وعبد الله العارضة والذي قدمت لائحة اتهام بحقه لعلاقته المزعومة بهروب أسرى نفق الحرية في جلبوع.

إن العدوان الإسرائيلي لا يقتصر على فلسطين وحدها بل يتعداها للمنطقة والإقليم، حيث اغتالت “إسرائيل” الأسير المحرر من السجون الإسرائيلية وعضو البرلمان السوري ابن الجولان مدحت صالح بنار قناص إسرائيلي، ورغم عدم اعتراف “إسرائيل” رسميًّا بالأمر، إلا أن الخبير العسكري يدوسي يهوشع في صحيفة يديعوت أحرنوت في 17-10 علق قائلا: إن حرب مبم أي  المعركة بين الحروب تحقق إنجازات ممتازة بعكس ما يتم على جبهة النووي الإيراني حيث تواجه “إسرائيل” صعوبات كبيرة.

هو أسبوع آخر إذن يمتلئ بالشواهد على طبيعة “إسرائيل” “المستوطنة المعادية والمدججة بالسلاح” والتي تسعى للتوسع باستمرار وتناور سياسيا؛ كي تصل لمرحلة القضاء التام والمبرم على أي حلول وسط سياسية، ومنها ما يسمى بحل الدولتين، وليسود فيها ما لا ترى فيه عيبًا وهو دولة أبرتايد يهودية، ويساعدها في ذلك موقف السلطة الفلسطينية والإدارة الأمريكية، وتعيقها قليلا مقاومة الشعب الفلسطيني الباسلة، التي ما تزال تأمل أن يستيقظ العالم الحر على خطر “إسرائيل” على أمنه واستقراره.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات