السبت 27/أبريل/2024

التطبيع العربي.. الابن الشرعي لاتفاق أوسلو

التطبيع العربي.. الابن الشرعي لاتفاق أوسلو

التطبيع العربي مع الاحتلال “الإسرائيلي” هو الابن الشرعي لاتفاق “أوسلو” فليس بإمكان السلطة الفلسطينية الآن كبح قطار التطبيع الذي قطع شوطاً صريحاً فوق طاولة السياسة.

منذ نكبة فلسطين عام 1948م جسّدت القضية الفلسطينية ميزان الصراع العربي-الإسرائيلي لكن الوثبة الرياضية في التعامل مع الاحتلال من عدو إلى شريك سياسي مهّد لميلاد التطبيع العربي.

وخاضت دول عربية إلى جوار الفلسطينيين سلسلة حروب ومواجهات مع “إسرائيل” منذ عام 1948م وصلت عام 1993م لعملية التسوية التي طال أمدها وتبدّلت فيها مواقف أصيلة من القضية الفلسطينية حين أضحى الاحتلال شريكاً سياسياً في الإقليم بدعم كامل من الولايات المتحدة.

غاب في العقدين الماضيين عن مشهد السياسة العربية في الصراع مواقف مؤثّرة ضبطت بوصلة الصراع لعقود، لكن تفتيت قوة العراق وضعف سوريا وتراجع مصر أفسح المجال لدول وممالك عربية باستقلال قطار التطبيع.

مرّت 27 عاماً على اتفاق “أوسلو” الذي أوقع القضية الفلسطينية في سلسلة أشراك، واستفاد منه الاحتلال في ملف التنسيق الأمني وهو يرسّخ واقعاً بدّد حلم الدولة بنمو الاستيطان في الضفة المحتلة دون أن تحصل منظمة التحرير على شيء.

عدوّ أم شريك؟!

لم يفلح سلام الشجعان الذي تبناه ياسر عرفات -الرئيس الفلسطيني الراحل- في إعادة أي من حقوق وثوابت الشعب الفلسطيني التي يناضل من أجلها منذ سبعة عقود.

ووقّعت “إسرائيل” في العامين الماضيين اتفاقات سياسية مع دول عربية أقامت معها علاقات دبلوماسية كاملة في البحرين والإمارات العربية المتحدة والسودان والمغرب بعد اتفاقيات مسبقة عام 1978م مع مصر والأردن عام 1994م، والتسريبات تبشّر باتفاقيات مرتقبة مع دول عربية أخرى.

وشكلت حقبة الرئيس الأمريكي (ترمب) قفزةً في العلاقة مع “إسرائيل” خاصّة بعد نقل السفارة الأمريكية إلى القدس ومدّ جسور التطبيع العربي في مؤتمر المنامة عام 2019م، وقد حاولت السلطة رفض مواقف دول عربية جنحت للتطبيع ثم ما لبث أن سلّمت بالأمر الواقع.

ويؤكد محمد مصلح، الخبير في الشؤون “الإسرائيلية” أن معارضة السلطة الفلسطينية لاتفاقيات التطبيع العربي لن توقف عجلة التطبيع؛ فقد قبلت منذ اتفاق أوسلو عام 1993م بإقامة علاقات فلسطينية-إسرائيلية جوهرها التنسيق الأمني.

ويضيف لـ”المركز الفلسطيني للإعلام“: “تحوّلت أنظمة عربية من موقع عدو للاحتلال إلى وسيط، وظهر التطبيع كأنه لمصلحة القضية بعد أن طبّع ضمناً من وقع أوسلو علاقته مع إسرائيل، وأضحت أنظمة عربية شريكة إسرائيل في اتفاقيات سياسية”.

وكانت السلطة الفلسطينية في سبتمبر عام 2020م تخلّت عن رئاستها للدورة الحالية لجامعة الدول العربية؛ احتجاجا على تطبيع الإمارات والبحرين لعلاقتهما مع “إسرائيل”، في خطوة ما لبثت أن تبدد مستقبلها.

كشف التطبيع العربي الآن عن علاقات عربية-إسرائيلية في رابعة النهار بعد أن كان هناك حديث عن علاقات من قديم تحت الطاولة، ولم يبق من اتفاق أوسلو بين السلطة الفلسطينية والاحتلال سوى مهمة التنسيق الأمني دون إحراز أي هدف سياسي فلسطيني.

ويقول د.تيسير محيسن -المحلل السياسي-: إن السلطة الفلسطينية تعيش تناقضاً سياسياً حين تعلن رفضها أي شكل للتطبيع بين “إسرائيل” ودول عربية؛ فقد مضت منظمة التحرير بقيادة حركة فتح في أوسلو للاعتراف بالاحتلال دون إجماع فلسطيني.

ويتابع لـ”المركز الفلسطيني للإعلام“: “تحوّل الاحتلال بعد أوسلو لشريك سياسي مع السلطة الفلسطينية، وهذا قمّة التطبيع، وكانوا يسوّقون أوسلو كإنجاز إستراتيجي يمهّد لإقامة الدولة، لكن الاتفاق تحول لأداة تنفيذية خدمت مخطط الاحتلال”.

في قلب المشهد السياسي الفلسطيني بقيت فصائل وطنية وأجنحة مقاومة ترفض واقع الاحتلال واتفاقيات التطبيع والتنسيق الأمني أياً كان شكلها عربياً أم فلسطينياً، وهي تمارس الكفاح المسلح والمقاومة الشعبية.

سلام اقتصادي
نبتت فكرة السلام الاقتصادي منذ عقود، وجرى تسويقها خلال مراحل الصراع العربي- الإسرائيلي في وقت حرصت فيه الولايات المتحدة الأمريكية والغرب أن تظل “إسرائيل” قوية وآمنة وسيدة “الشرق الأوسط”.

لم يبتكر “ترمب” -الرئيس الأمريكي السابق- شيئاً جديداً حين طرح مشروع “صفقة القرن” واعداً بالنمو والازدهار في مؤتمر المنامة عام 2019م توقع بعده أنظمة عربية من نافذة التطبيع اتفاقيات اقتصادية مع الاحتلال.

سبقهم إلى فكرة السلام الاقتصادي “شمعون بيرس” و”نتنياهو” -قادة حكومة الاحتلال- وهما يبشران بشرق أوسط جديد وسلام اقتصادي قلّص القضية الفلسطينية لمجرد امتيازات تحقق رفاهًا وتحسنًا في الحياة اليومية دون الاقتراب من جوهر الصراع في الأرض والمقدسات.

ويرى محمد مصلح -الخبير في الشؤون الإسرائيلية- أن اتفاقيات التطبيع في جوهرها اتفاقيات أمنية فتحت مجالاً أمنياً حيوياً لـ”إسرائيل”، وتروّج للخطر الإيراني كفزاعة في استقطاب المواقف الخليجية والعربية.

ويتابع: “ميلاد اتفاق أوسلو أسس للسقوط نحو التطبيع رغم أن موقف الشعب الفلسطيني لا يساوم على ثوابته، والاحتلال يقلّص وجهة الصراع لسمّ اقتصادي، وحالياً حكومة بينيت تقدم عروضًا اقتصادية لتحسين اقتصاد المجتمع الفلسطيني”.

استبشار الأطراف المؤثرة بالمشهد السياسي الفلسطيني-الإسرائيلي مع عودة الديمقراطيين لإدارة البيت الأبيض في عهد “بايدن” أدار قرص السياسة مجدداً نحو حديث حل الدولتين، لكن الواقع السياسي والميداني يعاند هذا الحلم.

اللقاءات المتكررة على مستوى السلطة الفلسطينية ومصر والأردن و”إسرائيل” والولايات المتحدة هدفه منح السلطة دفعةً تعزز قوتها الاقتصادية والسياسية بعد فشل مشروع التسوية المتعّثر منذ عهد “أوباما”، الرئيس الأمريكي الأسبق.

ويقول الخبير مصلح: إن “نتنياهو” رئيس حكومة الاحتلال السابق لعب على تناقضات ملفي غزة والضفة في إطار الانقسام وتشتت الرؤى، في حين شكل فصل الضفة عن غزة بعد انسحاب الاحتلال عام 2005م حلقة مهمة لتبديد حلم الدولة، وتعزيز الاستيطان.

ويؤكد د.تيسير محيسن -المحلل السياسي- أن مسار التطبيع المتعاظم شكل حجةً على السلطة الفلسطينية حين أصبح مبرراً لما ذهبت له مسبقاً في اتفاق أوسلو، والسلام الاقتصادي ليس إلا تجميلاً لفشل عملية التسوية.

ولن يقف قطار التطبيع العربي مع الاحتلال الذي يحاول القفز عن جوهر الصراع العربي-الإسرائيلي إلا بمعالجة أولية للمشهد السياسي الفلسطيني الذي يعاني الانقسام والتفرقة، وإلا فلن يجدي اللوم على أنظمة ودول تبرر علاقاتها مع الاحتلال من مستقبل المصلحة السياسية والأمنية المشتركة.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

شهيدان باشتباك مع الاحتلال غربي جنين

شهيدان باشتباك مع الاحتلال غربي جنين

جنين - المركز الفلسطيني للإعلام استشهد شابان وأصيب آخران، فجر اليوم السبت، برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي، قرب حاجز "سالم" العسكري غربي مدينة جنين،...