الأربعاء 08/مايو/2024

سيف غزة يضرب في شوارع القدس المحتلة

سيف غزة يضرب في شوارع القدس المحتلة

قوة غزة تكمن في ضعفها؛ فهذه البقعة الصغيرة والمحاصرة الغارقة في الأزمات تنتصر الآن لمدينة القدس المحتلة؛ جوهر الصراع العربي-الإسرائيلي منذ نكبة فلسطين. 

وشكلت قضية القدس شارة البدء لكل الثورات في فلسطين المحتلة على مدى التاريخ، لكن تطور قدرات المقاومة في الصراع مع “إسرائيل” في العقدين الماضيين ساهم في وضع قضية القدس على الطاولة في كل تطور سياسي وميداني.

وبدأت “إسرائيل” سلسلة غارات على قطاع غزة أدت حتى الآن إلى استشهاد 28 مواطنا منهم 10 أطفال وإصابة العشرات، ودمار هائل في الممتلكات. 

وتمكنت فصائل المقاومة الفلسطينية من إطلاق قذائف على المدن والبلدات الإسرائيلية، وعلى رأسها مدينة القدس المحتلة التي استغاث المرابطون المحاصرون في أقصاها بفصائل المقاومة. 

الهجمة المتواصلة لتهجير سكان حي الشيخ جراح والعدوان المتصاعد على حرم المسجد الأقصى بتنظيم حملة اقتحامات للمتطرفين الصهاينة أجبرت المقاومة بغزة على التدخّل دفاعاً عن القدس. 

مقاومة تاريخية

جاوز الاحتلال المدى في الأسابيع الأخيرة تحت عدسات الكاميرات وهو يمارس التهجير والعدوان على أحياء القدس والمسجد الأقصى خاصةً في منطقة باب العمود. 

امتداد مشهد الغضب والتضامن في جميع أرض فلسطين التاريخية بعد اقتحام الأقصى يحمل دلالات عميقة في حسابات الاحتلال، لكن وحدها غزة التي ردت على الجريمة بالنار. 

ويؤكد غسان وشاح، أستاذ التاريخ والحضارة في الجامعة الإسلامية بغزة، أن هناك علاقة وثيقة بين غزة والقدس التي شكلت دوماً عنوان الثورات وشرارة كل انتفاضة في حين تتحمل غزة في العقدين الماضيين العبء وتنتصر لها. 

ويضيف لـ”المركز الفلسطيني للإعلام“: “معركة عين جالوت كانت على شطرين، وبداية الانتصار في المرحلة الأولى لها كانت من غزة التي امتاز أهلها بالشجاعة والبأس”.

ويعدّ موقع غزة الجغرافي فوق خاصرة فلسطين الجنوبية منفذاً أصيلاً في الطريق لمصر في حين يصلها بحرها بالعالم الخارجي على طول دول شرق وجنوب المتوسط.

استعصت غزة على الغزاة على مدى التاريخ، وشكّل أبناؤها -حسب وصف الدكتور وشاح- نخبة الجيوش الإسلامية في معارك شهيرة مثل حطين وعين جالوت وغيرها من المعارك. 

لا غرو أن تواصل غزة في العصر الحديث تحديها للاحتلال الذي احتلها عام 1967م وانسحب منها عام 2005م بعد أن أزعجته المقاومة وعجز عن دفع فاتورة تواصل احتلالها. 

ويقول اللواء يوسف شرقاوي، الخبير العسكري: إن اشتداد الموقف في القدس المحتلة يعيد الصراع مع الاحتلال للمربع الأول بعد نكبة فلسطين عام 1948م. 

ويتابع لـ”المركز الفلسطيني للإعلام“: “ما يجرى صمود أسطوري بالقدس نال دعما وتفاعلا قويا من غزة. رئيس الاستخبارات الأسبق تحدث صراحة أن الجيل الحالي يكنّ كرهًا لهم، وأن قضية فلسطين لم تغب وظلت حقيقة، وهذا اعتراف خطير”.

وباتت غزة أهم جبهة حدودية لـ”إسرائيل” مضطربة دوماً، والتي أثبتت فيها المقاومة أنها غير مردوعة رغم ما تعرضت له من عدوان وجولات تصعيد إلا أنها تحضر بقوة إذا وصل العدوان للملفات الجوهرية في الصراع، وأولها القدس. 

غزة فوق الحصار

لا يمكن التقليل من حالة التضامن والتفاعل الشعبي والجماهيري التي جرت في جميع أرض فلسطين التاريخية، والتي أشعلت أضواءً حمراء أمام الاحتلال، لكن غزة عبّرت بطريقة خاصة، وانفردت بغضبها المختلف. 

منذ أيام ترتفع حدة التحذير على لسان فصائل المقاومة من غزة، لكن شهوة العدوان امتدت ليس من مخطط تهجير أهالي الشيخ جراح بل حتى اقتحام الأقصى من مئات المتطرفين الصهاينة، أمس.

ويلفت غسان وشاح -أستاذ التاريخ والحضارة في الجامعة الإسلامية بغزة- أن قذائف المقاومة منها تدافع عن أهم مقدسات العالم الإسلامي رغم ما تعانيه من جراح وحصار. 

ويتابع: “تمتاز غزة بالعنصر البشري الشجاع الذي صقلته التجارب والاشتباكات مع الصهاينة على مدى التاريخ. سألوا صلاح الدين لماذا نخبة جيشك من غزة؟ فأجابهم إنهم شديدو البأس، وخبراء بالطرق والمهمات العسكرية”. 

وتشكل مقاومة غزة نموذجاً فريداً في زمن التطبيع مع الاحتلال، وهي عندما تقصف بالنار دفاعاً عن القدس تمنح الجمهور العربي والإسلامي كرامة المسلم الذي يرفض الاحتلال ويأبى الهزيمة. 

ويرى اللواء يوسف شرقاوي، الخبير العسكري، أن صمود المقدسين في الأقصى والقدس كان بحاجة لإسناد خارجي قامت به مقاومة غزة، مشيداً بقرار قصف المقاومة للقدس من غزة. 

قبل أيام خرج القائد العام لكتائب القسام محمد الضيف محذراً الاحتلال من مغبة تواصل العدوان في القدس. “إسرائيل” لم تنصَع، لكنها راقبت من تحت الطاولة ما دفع المقاومة للحضور في قلب الحدث. 

ويضيف: “الاحتلال يتحدث أنه للمرة الأولى يهدده فصيل فلسطيني وينفذ تهديده بموعد محدد سلفاً. نتنياهو لا يستطيع تغيير مسار المستوطنين الذين دعموا حكومته لسنوات ويعتدون على القدس يومياً”. 

ويشير شرقاوي أن مقاومة غزة أثبتت أنها غير مردوعة بل وتتدخل في جوّ الصراع، وأنها مستقبلاً قد تتطور لصناعة تهديد حقيقي وعميق لـ”الجبهة الداخلية” الإسرائيلية، وتحمي الجبهة الداخلية الفلسطينية. 

التكتيك الميداني الذي تمارسه فصائل المقاومة من غزة يتناسب مع حجم المسألة؛ خاصة حين تكون القدس حاضرة، و”إسرائيل” رغم تفوقها العسكري والتقني تعجز عن وقف من يحمل شعار القدس ويحظى بدعم الشعوب من حوله. 

ويدعو الخبير شرقاوي مصر إلى ممارسة دور إيجابي في المشهد الميداني الفلسطيني؛ فهي تعيش صراعًا على مياه النيل في أثيوبيا التي تحظى بدعم إسرائيلي، وهي في الوقت ذاته بحاجة لتمتين موقفها الإقليمي لمواجهة خصومها وداعميهم. 

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات