السبت 27/أبريل/2024

البوصلة الضائعة في فلسطين المحتلة

عبد الحميد صيام

منذحصلت على الجنسية الأمريكية قبل عقد من الزمان، وأنا أحرص على زيارة فلسطينالمحتلة مرتين أو ثلاث مرات في السنة، للتعويض عن سنوات الغياب القسري. كنت حريصاعلى مراقبة التطورات على الأرض، التي جاءت نتيجة مباشرة لاتفاقيات أوسلو الكارثية،حيث رأيت بأم عيني توسع الاحتلال أفقيا وعموديا في أرجاء الوطن كافة، بما في ذلكقريتي التي أحاطتها المستوطنات من كل جانب، ولم تبق إلا مدخلا واحدا تستطيع قواتالاحتلال إغلاقه متى شاءت؛ لتحول القرية إلى سجن حقيقي وليس بالمعنى المجازي.

شاهدتالوطن يضمحل ويصغر، ويتمزق ويتعثر، رغم التضحيات الكبرى للشعب الفلسطيني المناضللأكثر من 100 عام، التي فاقت نسبيا تضحيات أي شعب آخر. كنت أرصد ظاهرة النضالوالصمود على المستوى الشعبي، خاصة في المخيمات من جهة، وظاهرة الانهيار علىالمستوى الرسمي من جهة ثانية.

هناكمن يعمل على بناء الوطن، وهناك من يستغل الوضع الحالي والتشابك مع الكيانالصهيوني، من أجل المصالح الشخصية، وتوزيع المكاسب على دائرة المقربين والمريدين.

ومع مرور الوقت بدأت دائرة العمل الوطني تضيق، وبدأ الشعب الفلسطيني يبتعد عنالسياسة والشأن العام، وينخرط أكثر في قضايا معيشية وحياتية وأمور ثانوية كالرياضةوالفن والتراث الشعبي، حيث أصيب الناس بحالة من اليأس والإحباط وهم يرون التغولالإسرائيلي، ومصيبة الانقسام العميق بين نهجين، واحد يرفع شعار المفاوضات ولايفاوض، وثان يرفع شعار المقاومة ولا يقاوم.

ورغمأنني لم أتمكن من العودة إلى الوطن لأكثر من عام بسبب جائحة كورونا، إلا أننيأتابع التفاصيل وأستطيع أن أقول بدون مواربة، إن الأوضاع الفلسطينية تمر الآن فيأسوأ مراحلها من كل النواحي، لدرجة أن هناك خطرا حقيقيا على المشروع الوطنيالفلسطيني برمته. ودعني أنقل صورا مؤلمة للأوضاع في فلسطين المحتلة من بحرها إلىنهرها.

أولا-انتخابات تعمق الانقسامات

منيتابع الانتخابات الفلسطينية للمجلس التشريعي يصاب بالغثاء. نسبة التسجيل بلغت 93%وكأن الانتخابات ستكنس الاحتلال، وتوحد الشعب الفلسطيني، وتعيد اللاجئين إلىبيوتهم. سر هذا الإقبال لا علاقة له بالاحتلال، ولا بمقاومة الاحتلال، بلبالتعصبات التنظيمية والفزعات القبلية. لكننا لا ننكر أن هناك فئات قليلة يشدهاالأمل في تغيير ما على الأقل، تغيير بعض الوجوه التي ملّها الناس ويتمنون اختفاءهاعن المسرح، فقد أصيب الشعب الفلسطيني في الخمس عشرة سنة الماضية بحالة من اليأسوالإحباط، في ظل الانقسام وتراجع المشروع الوطني، وتغول الاستيطان وتهويد القدس،وبناء الجدار العازل وزج الآلاف في السجون، وشن الحروب على القطاع المحاصر، ووقوفالسلطة مع المهاجمين لا مع الصامدين، وتمادي انتهاكات الأجهزة الأمنية، وانتشارالفساد وتفاقم الأوضاع الاقتصادية، ثم جاءت جائحة كورونا لتنشر الرعب وتصيب الآلاف، وتقتل نحو 2500 شخص. في ظل هذه الأوضاع الصعبة، لا حديث للناس إلا الانتخاباتوالقوائم، وفصل ناصر القدوة ودور محمد دحلان، وتأثير الإمارات على الانتخاباتالفلسطينية عن طريق المال، وقوائم حماس وفصائل اليسار.

حماسوفتح يتفاوضان للنزول في قوائم مشتركة، لكن رئيس الشاباك الإسرائيلي يصل إلىالمقاطعة في رام الله، ويجتمع مع الرئيس عباس ويحدد له المسموح والممنوع فيالانتخابات، بل يطلب منه تأجيل الانتخابات. كيف لانتخابات حرة تجري تحت الاحتلالوبشروطه؟ يستطيع الحاكم العسكري أن يلغي الانتخابات في اللحظة الأخيرة، وأن يعتقلالفائزين كافة، فما الجدوى من هذه الانتخابات التي جاءت بناء على استحقاقات خارجيةلتجديد شرعية مفقودة أصلا؟ فالشرعية التي لا يصنعها النضال تبقى موضع شك، والشرعيةالتي يمنحها عدوك تنتهي عندما تتوقف خدماتك له. وأي تمديد أو تجديد للشرعية الآنلا تتم إلا إذا كانت في خدمة الاحتلال.

الأمورتسير على غير هدى، لقد فقدت الحركة الوطنية الفلسطينية برمتها البوصلة فلا أحديعرف أين تتجه الأمور.

ثانياـ التطهير العرقي في الشيخ جراح وبلدة سلوان

بينماينشغل الفلسطينيون بالانتخابات والقوائم والمنافسة بين الفصائل والأحزاب، تتغول “إسرائيل” في ممارساتها القمعية بشكل غير مسبوق، ولا أحد يتكلم أو يندد أو يدعولمظاهرة، أو يضع التصدي لهذه الممارسات في برنامجه الانتخابي. المحكمة الإسرائيليةأقرت إخلاء أربعة بيوت في حي الشيخ جراح، وتسليمها للمستوطنين في موعد أقصاه يوم 2مايو. والبيوت التي سيتم الاستيلاء عليها تعود لعائلات مقدسية عريقة هي «الكردوالجاعوني والقاسم والإسكافي». كما فرضت على كل عائلة غرامة مالية بقيمة 70 ألفشيقل مقابل أتعاب محامي المستوطنين.

هلهناك ظلم وقهر وعنصرية أكثر من هذا؟ وسيلحق الدور بنحو 30 عائلة في الحي الملتصقبالقدس بالحجج نفسها. كما أن حي البستان في بلدة سلوان الملتصقة بالقدس مهددبالكامل، الذي يضم 100 بيت يقطنها نحو 1550 مواطنا أكثر من نصفهم من الأطفال،للتحضير لإقامة «حديقة توراتية». في شهر فبراير الماضي وحده، صادرت قوات الاحتلالأو هدمت 153 مبنى أو بيتا من الممتلكات الفلسطينية، ما أدى إلى نزوح 305 أشخاص منبينهم 172 طفلا، وقطعت بهذا سبل عيش 435 شخصا آخر.

وقدطالت عمليات الهدم في منطقة غور الأردن ـ منطقة البقيعة وشملت تدمير الملاجئومرافق المياه والصرف الصحي وهياكل المعيشة، التي أدت إلى نزوح 60 شخصا على الأقل،من بينهم 35 طفلا. ولا أستطيع إلا أن أذكّر بقيام قوات الاحتلال بإطلاق النار علىعاطف يوسف حنايشة (45 سنة) من قرية بيت دجن يوم الجمعة 19 مارس الحالي، فأردتهشهيدا وهو يدافع عن أرضه تاركا وراءه زوجته وأطفاله الثلاثة. لقد ارتفعت نسبة هدمالبيوت والمنشآت إلى 65% مقارنة مع حجم الهدم في الفترة نفسها من العام الماضي.

الزعماء الفلسطينيون والأمناء العامون مشغولون بما هو أهم طبعا من التصدي لمصادرةالأرض، وهدم البيوت والتطهير العرقي، ولا وقت لديهم للابتعاد عن حمى الانتخاباتالتي ستحسم الصراع لصالح قيادتي رام الله وغزة.

ثالثا– تصدع القائمة المشتركة

هذاالأداء الضعيف في القائمة المشتركة والقائمة الموحدة، لا يلقي باللوم فقط علىالحركة الإسلامية الجنوبية، التي انسحبت من القائمة المشتركة، فساهمت في تصدعها،بل اللوم أيضا على القائمة نفسها التي لم تطور مشروعها الوطني الشامل الذي يلتفحوله فلسطينيو الداخل، ويكون ذا طبيعية نضالية في مواجهة نظام الفصل العنصري الذيحول هذه العنصرية إلى قانون أساسي عام 2017. قانون القومية كان فرصة لفلسطينييالداخل أن يصعدوا نضالهم المنظم والسلمي والمتواصل، ضد نظام ينكر وجودهم ويحولهمإلى أفراد زائدين عن الحاجة، مطلوب اجتثاثهم أو تدميرهم كمجتمع.

لقدوجد منصور عباس مبررا لانشقاقه ووقوفه إلى جانب نتنياهو تحت ذريعة البرنامجالمطلبي. فإذا انخفض سقف المشتركة لتكون برامجها مطلبية وليست وطنية، وأعلن أيمنعودة في انتخابات مارس 2020 دعمه لغانتس الذي رفض هذا الدعم، فلماذا يلام منصورإذن؟ فموقف المشتركة إذن براغماتي وليس وطنيا، بل مبني على رد الفعل على الأحزابالصهيونية، فالأولى أن يبحث زعماء الواقعية المطلبية عن تحالف يحقق لهم أوسعالمطالب ضمن يهودية الدولة والمساواة النظرية أمام القانون. إن تصدع القائمةالمشتركة قد أدى إلى عزوف الناخبين العرب عن المشاركة في الانتخابات، حيث انخفضتالنسبة إلى نحو 42% مقابل 65% في انتخابات شهر مارس 2020 بزيادة 5% عن الانتخاباتالتي سبقتها في سبتمبر 2019. لقد نجح نتنياهو في شق الصف العربي في الداخل، الذيكان يمكنه أن يشكل رافعة وطنية لدعم النضال الفلسطيني بمجمله، ومدافعا عن حق تقريرالمصير للشعب الفلسطيني، وطليعة متقدمة لمجابهة عنصرية الكيان كونه يتحرك على أرضصلبة مسلحا بالحقائق والممارسات العنصرية اليومية.

رابعا– البوصلة الضائعة

فيهذه الظروف التي نمر بها الآن، لا أحد يستطيع أن يجيب عن السؤال إلى أين نحن سائرون؟ماذا تنتظر هذه القيادة التي تجاوزت فترة الصلاحية، وماذا تريد أن تحقق أكثر منبقائها على الكراسي؟ وهل لديها أي خطط أو رؤية للمستقبل؟ لماذا لا تراهن هذهالقيادة التي عفا عليها الزمن إلا على الآخرين، إما الأمريكيين أو الإسرائيليين،أو المجتمع الدولي، أو الجامعة العربية؟ لماذا لا تراهن على شعبها؟ القيادة لاتريد مقاومة سلمية واسعة، ولا تريد حل السلطة وتسليم المفاتيح لنتنياهو كما أعلنمرة أبو مازن، وما دامت القيادة عاجزة الآن عن تحقيق أي إنجاز على طريق الدولةالمستقلة إذن ماذا بعد؟ لا أحد يعرف.. لا أحد لديه إجابات. الأمور تسير على غيرهدى، لقد فقدت الحركة الوطنية الفلسطينية برمتها البوصلة فلا أحد يعرف أين تتجهالأمور. وسأحاول في مقالات لاحقة أن أتحدث عن البديل ا

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

شهيدان باشتباك مع الاحتلال غربي جنين

شهيدان باشتباك مع الاحتلال غربي جنين

جنين - المركز الفلسطيني للإعلام استشهد شابان وأصيب آخران، فجر اليوم السبت، برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي، قرب حاجز "سالم" العسكري غربي مدينة جنين،...