الجمعة 10/مايو/2024

العبيد الجدد في سكَّة المشروع الصهيوني المتعاظم

أحمد أبو زهري

شراء أحد أفراد الأسرة الحاكمة في أبو ظبي نحو 50 بالمئة من أسهم نادي “بيتار القدس” الإسرائيلي المعروف بعنصرية مشجعيه ومعاداتهم للعرب والمسلمين فعل ليس مستغربا، فلم تنفذ أبو ظبي كل ما لديها من برامج حتى الآن، وهذه خطوة قد تكون تمهيدية لما هو أسوأ، الذي ربما لن يطول كثيرا، فهي الدولة الوحيدة التي كانت الأكثر جرأة في التحول نحو التطبيع بشكل متسارع وغير مسبوق، فالمال العربي أصبح خدمة لمشروع التطبيع تحت ذرائع متعددة على الرغم من حاجة كثير من البلدان العربية لهذا المال في مواجهة الفقر والمجاعة.

ففعل الإمارات تخطى كل التوقعات في ظل استعداد حكامها للتقارب مع الاحتلال الاسرائيلي بكل الوسائل، فلم يعد أمام “إسرائيل” أي عقبات في العلاقة مع أبوظبي، فالخطوط الجوية أصبحت متاحة، ومطارات الإمارات غيرت اللوحات لتعتمد لوحات التعريف والترحيب مستضيفة للغة العبرية، وأعلام “اسرائيل” بدت ظاهرة في عدة مراكز ومقرات وفعاليات رسمية وغيرها إلى جانب علم الإمارات، وكان منها عام 2019 بمناسبة مشاركة وفد رياضي إسرائيلي في الأولمبياد الخاص بذوي الاعاقة، ومناسبات أخرى، وقد عد رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو ذلك مبعثا للفخر مشيدا برفع العلم وعزف النشيد الوطني الإسرائيلي على أرض الإمارات.

كما أن أصحاب الفن والاعلام بدؤوا في خوض مغامرات التعارف وتبادل الثقافات والاستضافات المتبادلة، وبثت الحفلات علانية للشاشات العربية، وكأن ما يحدث هو أمر اعتيادي، فالإسرائيلي يحتضن الإماراتي ويحتسي المشروبات الكحولية على نخب النصر الإماراتي العتيد في معركة التطبيع التي حققت آمال الشعبين، حيث تجاوزت أغنية “أهلا بيك”، حاجز المليون مشاهدة على “يوتيوب” منذ طرحها في شهر سبتمبر/أيلول، والتي نفذت بين المطرب الإماراتي وليد الجاسم، والمطرب الإسرائيلي إلكانو مارتزيانو، ويظهر فيها الاثنان وهما يتبادلان أداء المقاطع الغنائية باللغات العربية والعبرية والانجليزية.

وفي البارات والمراقص الإسرائيلية بدأ يتسلل أصحاب “العقالات” العربية المحرومة، من رجالات الإمارات وخصوصا الأثرياء وأصحاب الشخصيات الرفيعة للاستجمام والهروب من ضغوط العمل، بعيدا عن هم السياسة وضوضاء الاعلام، حتى أصبحت هذه الاماكن الوحل الذي يهرب إليه هؤلاء لقضاء نزواتهم الرخيصة مقابل بيع القضايا الوطنية، وتعتبر (تجارة الهوى) مصدرا مهما للدخل القومي في “إسرائيل”، فهي وبحسب مختصين تدر 3 مليارات دولار على خزينة البنك المركزي لدولة الاحتلال، فهنيئا لهم بالوافدين الجدد.

في حين طار بعض التجار الإماراتيون إلى تل ابيب باحثين عن الشراكة والاستثمار مع نظرائهم، وقد وجدوا ميدانا جديدا للعمل، وأسواقا متعطشة للتجارة، ولمسوا افاقا للنجاح، وتأملوا في حصد الربح الوفير في ساحة جديدة إلى جانب كبار التجار الاسرائيليين، حيث بدأت المنافذ الجمركية في دولة الامارات السماح بدخول المنتجات الإسرائيلية أو أي بضائع واردة من دولة الاحتلال، وكذلك تصدير المنتجات الوطنية الإماراتية أو أي بضائع مصدرة من الإمارات إلى المنافذ الإسرائيلية.

فالمجالات متعددة وأوجه التعاون بل التحالف تتعاظم وتمتد بين أبو ظبي والكيان الاسرائيلي، وأخطرها التعاون الأمني والذي يجري بعيدا عن ضوضاء الاعلام، فـ”إسرائيل” تعتزم بناء (قاعدة اسرائيلية) متقدمة في الإمارات لأغراض أمنية واستخبارية، تستهدف بدرجة رئيسة تعقب نشاط المقاومة الفلسطينية، ومراقبة الانشطة الايرانية، وكذلك حزب الله، وغيره من الحركات المقاومة في المنطقة.

فقريبا ستصبح هذه الساحة مرتعا للانطلاق نحو هجمات ينفذها الموساد لتصفية نشطاء ومطلوبين بشكل صامت من خلف ظهور الإماراتيون، فعلى الرغم من حجم التعاون الإماراتي الإسرائيلي إلا أن “إسرائيل” لا تثق في العرب وتعاملهم بدونية ليبقوا في مستوى الخدم، فيمكن للضباط الإماراتيين أن يساهموا في المراقبة وتقديم المعلومات في مختلف الموضوعات الأمنية، على أن يبقوا ككلاب حراسة لمشاريع الصهاينة.

لكن “إسرائيل” هي سيدة الموقف ومن يتخذ القرارات بل وينفذ دون علم الاماراتيين فهم اخر من يعلم، ويمكنهم فهم ما يجري من خلال الاعلام فهنيئا لهؤلاء الخدم فقد باعوا وطنهم، وانسلخوا عن عروبتهم، ليصبحوا (العبيد الجدد) في سكة المشروع الصهيوني المتعاظم، وحتى في أحسن الأحوال قد تبلغ الإمارات بأن المهمة تمت بالتزامن مع ظهور ذلك في الاعلام، لتشعر بنشوة التعاون وتعتز بدورها الاقليمي المزيف، فقد نجح الصهاينة في (الضحك على ذقونها) كما قالت العرب قديما، كأداة مستعملة أو مستغفلة في المنطقة.

ومسألة التحالف الإسرائيلي الإماراتي مدعاة للسخرية من الاسرائيليين أنفسهم، الذين يتعاملون بفوقية مع العرب بالأساس ولا يتصورون التحالف معهم، ويمكن اعتبار ذلك في سياق “العبط العربي” وسفه الحكام ودروشة مستشاريهم السياسيين والعسكريين، فهل يتوقع هؤلاء البلهاء أن (إسرائيل) يمكن أن تقاتل من أجلهم أو أن تدخل حربا بالإنابة لتثبيت أركانهم؟!

 لا أظن ذلك فهي لن تغامر للحظة في فتح أي مواجهة دفاعا عن أي نظام عربي مهما بلغ وسقوطه، وحتى لو وصل التطبيع لذروته فإنها ستمانع أي صفقة سلاح يمكن أن ترفع قدرات الإمارات أو غيرها من البلدان المطبعة، مع حرصها الدائم على بقاء هذه الدول في حالة خوف وإرباك سواء من إيران أو غيره، لتجد مبررها في التأثير على هذه الأنظمة التي لا يغمض لأصحابها جفن خشية التهديد الخارجي أو التغيير والانتفاض الداخلي.

فلسطين أون لاين

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات