الجمعة 10/مايو/2024

سياسات مرتقبة لبايدن

أحمد أبو زهري

تبدو السياسات الأمريكية في الشرق الأوسط على أبواب مرحلة جديدة بعد التصرفات والقرارات المندفعة التي طغت على استراتيجية إدارة دونالد ترامب الشخص غريب الأطوار والذي أدهش الخبراء والمراقبين ووسائل الإعلام بسلوك غير مألوف خالف طباع وبروتوكولات وسياسات نظرائه السابقين.

فأكثر المراقبين يرى أننا على أعتاب التغيير القريب بسياسات أكثر اتزانا ومرونة وتقليدية لتصحيح الوضع السابق، عبر إلغاء كثير من القرارات الطائشة التي فرضها الرئيس السابق، ووضع استراتيجية مختلفة تتناسب مع المصالح الأمريكية العليا في المنطقة والتحديات الراهنة.

ومن الطبيعي أن يحاول الرئيس الجديد السير بخطى مختلفة هذه المرة مع النظام الإيراني، عبر فتح قنوات للتفاوض بشأن برنامجها النووي، وقد ظهر ذلك من خلال إعرابه بأنه ينوي العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي)، وأنه كذلك ينوي الانخراط دبلوماسيا مع طهران بشأن قضايا مختلفة، لكن هذه العودة ستكون مشروطة بوضع مشروعها تحت المجهر، ووقف تدخلاتها في سوريا واليمن ولبنان، وهذا يعني فرض شروط إضافية للحوار.

بالإضافة إلى إعادة التواصل مع الفلسطينيين، رغم أن هذا التواصل لن يحمل تغييرا جذريا في هذا الملف؛ خصوصا مع إعلانه صراحة بأنه لن يتراجع عن نقل السفارة الأمريكية، لكن من النواحي التكتيكية قد يعيد بعض المساعدات الأمريكية للفلسطينيين والتي تستهدف دعم وتمتين موقف السلطة ومؤسساتها، والسماح بفتح مقر البعثة الفلسطينية في واشنطن، وإحياء فكرة حل الدولتين من جديد، الأمر الذي سينعكس إيجابا ويظهر نوعا من الارتياح لدى معظم الحكومات الأوروبية والتي تتبنى هذه الفكرة وتأمل في نجاحها.

وفي ذات الوقت فإن الدولة الفلسطينية لن يسطع بريقها ولن تعانق النور في عهد بايدن، فالرئيس الجديد مواقفه معلنة وصريحة بأنه صديق وفي لـ(إسرائيل)، وأن أبرز أولوياته رعاية المصالح الإسرائيلية، وعدم تعريضها للمخاطر، فهو يعتقد أن حل الدولتين الحل الأمثل لإنهاء الصراع، لكن من الطبيعي أنه لن يتخذ خطوات عملية لترسيخ هذا الحل.

وإذا ما تحدثنا بواقعية في ملف التطبيع، فإن بايدن سيتابع هذا المسار على اعتبار أن ذلك يؤمن “إسرائيل”، ويزيد من اتساع بقعة حلفائها، ويكبح جماح قوى الشر والتطرف في المنطقة بحسب اعتقادهم، ويعزز فرص السلام ويشجع “إسرائيل” لاحقا على تقديم تنازلات للفلسطينيين، ويضمن فرض السياسات الأمريكية الرامية إلى تعزيز قدرة “إسرائيل” كحليف استراتيجي.

وقد ظهر ذلك من خلال تأييد بايدن لهذا التوجه هو وفريق الحزب الديمقراطي والذي لا يختلف مع الحزب الجمهوري في هذه المرتكزات التي تضمن المصالح الأمريكية الإسرائيلية، وتضعف عزيمة العرب، وتقلل من فرص اندلاع صراع مستقبلي مع “إسرائيل”.

وفي ملف حقوق الإنسان، فإن بايدن سيمارس ابتزازا ملحوظا على بعض الأنظمة في المنطقة، بما فيها السعودية بوسائله الناعمة، لإرهابها وإجبارها على الرضوخ الدائم لتوجيهات إدارته، فهو غير معني بتغيير أي من الأنظمة في ظل سعي هذه الأنظمة للتعاون والتطبيع مع “إسرائيل”، واستعدادها لتجديد (عقد العبودية)، مع إظهاره حدا معقولا من الأخلاقية والمثالية، كونه يتربع على رأس النظام العالمي، ويسوّق نفسه مجددا للسياسات وراعيا لحقوق الإنسان.

لكن من المرجح أن دولا ستشعر بالعزلة والخيبة نتيجة فقد الحضن الترامبي الحار، لتجد نفسها أمام زعيم بجلد جديد قد تكون نعومته أكثر فتكا وضررا من هوجائية ترامب الفضائحية، ويبدو أنه سيحاول إنهاء الحرب على اليمن، ووقف تدفق السلاح للسعودية، وسيخفض حجم الدعم السياسي الذي يوفره ترامب لسياسات المملكة، ولأنظمة أخرى ووصفها بالدكتاتورية، كون بايدن أشار إلى أنه سيعيد النظر في عمليات بيع الأسلحة للسعودية كيلا تستعملها في اليمن.

وهذا يتطلب من الفلسطينيين عدم التعويل على التغير الحاصل في السياسات الأمريكية، لأن الناظم في ذلك أولا هو رعاية وحماية المصالح الأمريكية، وتثبيت المصالح الإسرائيلية، وتعزيز دورها ومكانتها كحليف، دون مراعاة حقوق وتطلعات وآمال شعبنا في الحرية والاستقلال، لذلك فليسارع الفلسطينيون إلى تغيير قناعاتهم وطريقة تفكيرهم، وليراهنوا على وحدتهم وسواعدهم كي يقتلعوا الاحتلال ويستعيدوا مجدهم وعزهم إن أرادوا.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات