الأحد 05/مايو/2024

السلطة الفلسطينية بين الحلّ وتغيير الوظيفة.. السياقات والسيناريوهات

السلطة الفلسطينية بين الحلّ وتغيير الوظيفة.. السياقات والسيناريوهات

ملخص:

تزايد الحديث في الأشهر الماضية عن مستقبل السلطة الفلسطينية، وإمكانات حلها أو انهيارها في ضوء توجه القيادة الإسرائيلية لضم أجزاء من الضفة الغربية، وتبني الإدارة الأمريكية للرواية الصهيونية وسعيها لإنفاذ صفقة ترامب التي تنهي عملياً مسار التسوية السلمية القائم على اتفاق أوسلو. واتخذ الحديث شكلاً جدياً مع قرار قيادة السلطة الانسحاب من جميع الاتفاقات الموقعة بين منظمة التحرير الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي.

ثمة ثلاثة سيناريوهات محتملة لمستقبل السلطة أولاها حلُّ السلطة، غير أنه غير مطروح جدياً لدى قيادة السلطة مع وجود مخاوف من عدم قدرة الجانب الفلسطيني على تحمّل تداعياته. والسيناريو الثاني هو تغيير وظيفة السلطة وهو مطروح بقوة لدى العديد من المثقفين والسياسيين، بحيث تقتصر مهمة السلطة على الجانب الإداري، بينما يتم تحويل الجانب السياسي إلى منظمة التحرير. أما السيناريو الثالث فهو سيناريو الانتظار والاستمرار في المسار نفسه، وهو ما يظهر أن قيادة السلطة تسير فيه، على الأقل بانتظار نتائج الانتخابات الأمريكية.

أولاً: سياقات النظر في مستقبل السلطة:

الحديث عن مستقبل السلطة، ما بين حلّها، أو انهيارها، أو استبدال الاحتلال لها بخيارات أخرى، أو التغيير في وظيفتها على أساس اتفاق وطني، هو حديث قديم ومتجدد. ولم يبدأ في الآونة الأخيرة، بعد إعلان رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو Benjamin Netanyahu عن مشروعه لضمّ أجزاء من الضفة الغربية، وإنّما ارتبط النظر في مستقبل السلطة، والتوقع المستمر لاحتمالات انهيارها، بفشل مشروع التسوية، ولا سيّما مع الآمال العريضة التي ملأت القيادة الحالية للسلطة الفلسطينية، بإمكان استثمار “لحظتي” أوباما/ أولمرت، والبناء على مؤتمر أنابوليس Annapolis Conference نهاية 2007 الذي أعقب الانقسام الفلسطيني.

بعد فشل تلك الرهانات، والدخول في انغلاق مستحكم لأفق مشروع التسوية، تكرّر التهديد، حتى من رأس السلطة الفلسطينية، بوجود خيار حلّها، أو التحذير من احتمال انهيارها، وهي تحذيرات تكرّرت على لسان مسؤولين أمريكيين سابقين في إدارة أوباما، كوزير خارجيته جون كيري[1] John Kerry. ولم تكن التهديدات منفصلة، عن التهديد بخيارات عملية دون حلّ السلطة، كوقف التنسيق الأمني، أو التنصل من الاتفاقات الموقّعة مع الاحتلال. هذه التهديدات التي أخذت في بعض الأوقات شكل قرارات من مؤسسات منظمة التحرير وحركة فتح، ظلّت مجرد مناورات خطابية لم يكن لها مصداق في الواقع، حتى جاء إعلان نتنياهو المتعلق بالضمّ، وهو الإعلان الذي تأجّل تنفيذه فيما بعد.

أعلن الرئيس عباس، في أيار/ مايو 2020 [2] الانسحاب من الاتفاقات الموقعة مع “إسرائيل”، رداً على خطة الضمّ التي أعلن عنها نتنياهو. ولم يكن الإعلان ليحظى بمصداقية عالية، في أول الأمر، بعد غياب الفاعلية الجادة في تنفيذ القرارات السابقة المشابهة، وفي التصدّي للإجراءات الأمريكية الخادمة للمشروع الاستيطاني الإسرائيلي، كالاعتراف بالقدس عاصمة لـ”إسرائيل”، وقرار نقل السفارة، وعدّ المستوطنات الإسرائيلية في الضفة قانونية، والإعلان عن خطّة دونالد ترامب Donald Trump للقضية الفلسطينية، وغير ذلك من إجراءات لم تنقطع منذ وصول ترامب إلى البيت الأبيض.

بيد أنّ السلطة حاولت أن تُظهر جدّيتها هذه المرة من خلال جملة خطوات، منها انسحاب قواتها من المناطق ب وج، التي تدخلها بالتنسيق مع الاحتلال الإسرائيلي، وامتناعها عن استلام أموال “المقاصة”، [3] وهو ما انعكس بقسوة بالغة على الحالة الاقتصادية ومسّ المواطنين مباشرة، ووقف التنسيق المدني، بامتناع السلطة عن إرسال السجلات المدنية للاحتلال، وهي تلك السجلات المتعلقة بالمواليد والوفيات واستصدار الوثائق من هويات وجوازات سفر وما شابه، [4] وأبدت قدراً من التقارب الإعلامي مع حركة حماس.

بالرغم من تاريخ طويل اصطدم فيه مرات عديدة مشروع التسوية بيقين الفشل، وتراجع احتمالات تحوّل السلطة إلى دولة على الأراضي التي احتلت من فلسطين سنة 1967، بما في ذلك القدس الشرقية، إلا أنّ السلطة ظلّت تناور في الفراغ، إما بالتصعيد الخطابي ضدّ الاحتلال والولايات المتحدة، أو بمحاولة التأثير على الانتخابات الإسرائيلية، أو بالسعي ضمن استراتيجيتها الديبلوماسية في المؤسسات الأممية، أو بالتصعيد ضدّ حركة حماس، إلا أنّ مخطط إعلان الضم، المتكرس بالفعل في الواقع، كان من شأنه أن يضرب جوهر وجود السلطة واستمرار شرعيتها، طالما أنّها بلا أفق سياسي.

تزامن قرار وقف التنسيق الأمني، الذي شكّك عديدون في حقيقته، [5] فيما يتعلق بأعمال المقاومة التي من شأنها أن تؤثر على الأمن الإسرائيلي، مع جائحة كورونا، واضطرار السلطة الفلسطينية لحزمة إجراءات وقائية، فرضت أزمة اقتصادية، تعزّزت بأزمة مالية أخرى ناجمة عن امتناع السلطة عن استلام أموال المقاصة، ومن ثمّ عجزها عن دفع رواتب موظفيها. وقد انكشفت قدرة السلطة الأمنية واللوجستية في غياب هيمنتها عن مجمل المجال الجغرافي في الضفة الغربية، [6] وتداخلاته مع القدس والداخل الفلسطيني، مما حصر إجراءاتها الوقائية داخل مراكز المدن، وهو ما يشمل أعداداً محدودة من الفلسطينيين.

هذه الأزمة المركبة وضعت السلطة على المحكّ مجدداً، فشرعيتها السياسية التي كانت آخذة بالتآكل منذ سنوات، وصلت الغاية في التآكل مع مشروع الضمّ. وما تبقى للسلطة من شرعية الأمر الواقع، وكونها وسيطاً لتنظيم المجتمع الفلسطيني إدارياً، واقتصادياً، وأمنياً، وقانونياً وما إلى ذلك، تراجعت، مع انكشاف عجزها الاقتصادي والأمني، ولا سيّما بعد الجائحة. وذلك كلّه مع اضطراد تجاوز الاحتلال للسلطة، منذ سنوات، وتعامله مباشرة مع الفلسطينيين، [7] عبر ما يسميه “وحدة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق”، والتي هي في جوهرها إحياء للإدارة المدنية، التي كان يدير بها الاحتلال مناطق سنة 1967 قبل تأسيس السلطة الفلسطينية.

اليقين في وصول مشروع السلطة إلى الفشل، وانغلاق خيارات السلطة بعد الإعلان عن مشروع الضمّ، مع انكشاف مستوى حضورها المحدود، وفاعليتها المكبّلة، وارتباط وجودها واستمرارها بإكراهات الاحتلال، ثم ما تلا ذلك من انكشاف ظهرها بالتطبيع الإماراتي المصحوب بموقف عربي تراوح معظمه بين الصمت والتأييد، وامتناع العرب عن توفير شبكة الأمان للسلطة، [8] في ظرفها الاقتصادي الحرج الحالي، وحاجة الفلسطينيين إلى رؤية جديدة ينهض عليها برنامج وطني مختلف للتصدّي لتحدّيات تصفية القضية الفلسطينية، أعاد طرح حلّ السلطة مقترحاً لبناء سياسي ونضالي جديد لمواجهة التحديات المشار إليها، أو أعاد الحديث عن استمرارها والبدائل إزاءها واحتمالات انهيارها؛ وهو ما يستدعي محاولة فهم إدراك السلطة لنفسها، ولا سيّما لبحث احتمالات حلّ السلطة، إذ لا يمكن حلّها دون قرار من قيادتها.

ثانياً: السلطة.. الإدراك والإرادة:

للبحث في إمكانية أن تقدم السلطة على حلّ نفسها، في إطار رؤية وطنية جامعة، أو رؤية خاصة بحركة فتح، ينبغي معرفة إدراكها لنفسها، وهذا الإدراك تنبثق عنه الإرادة للإقدام على خطوة كهذه أو الإحجام عنها، كما أنّ هذا الإدراك يفسر امتناع السلطة عن أي فعل جدّي لمواجهة الإجراءات الإسرائيلية طوال الفترة الماضية، بما في ذلك تفعيل المقاومة الشعبية التي ظلّت بنداً ثابتاً في مقرّرات مؤسسات منظمة التحرير وحركة فتح، ويمكن قول الشيء نفسه بخصوص تعثر المصالحة طوال السنوات الماضية.

مجمل أداء السلطة الفلسطينية منذ الانقسام الفلسطيني وحتى اللحظة، وكفّها عن أي تحول في المسار، ومنعها أي فعالية جادة مناوئة للاحتلال، وجملة سياساتها، الثقافية والاقتصادية والأمنية والسياسية، التي اجترحتها وأرادت بها تحييد الجماهير عن مواجهة الاحتلال، ذلك كلّه يشير إلى تحوّل في رؤية السلطة لنفسها، من مشروع منبثق عن حركة تحرر وطني، يعد بأن يكون مرحلة مؤقتة للتحوّل إلى دولة، إلى هدف دائم قائم بذاته.

ومع القصور السلطوي الواضح، في مدّ السلطة نفوذها وفرض قانونها على عموم جغرافيا الضفة، وقصورها بانحصار تمثيلها لنخبة مصالح، وشرائح معينة، مع انعدام الممارسة السياسية الداخلية، وحلّ المجلس التشريعي (وتعطيله قبل ذلك)، وهيمنة السلطة التنفيذية على السلطة القضائية، [9] والانقسام بين الضفة وغزة، جعل من السلطة، ومع ما سبق بيانه من فشل المشروع السياسي، هدفاً خاصاً أكثر ضيقاً، وهو ما يجعل مسألة حلّ السلطة، عند قيادة السلطة، مجرد مناورة خطابية، وكذلك سلوك أي خيار من شأنه أن يدفع للمواجهة مع الاحتلال.

هذه النخبة، وبحكم جملة معطيات، منها التحوّل البنيوي في السلطة من حيث الوظيفة وطبيعة الكادر، ولا سيّما بعد الانقسام الفلسطيني، تدرك تماماً أنّ استمرار السلطة، منوط بإكراهات الاحتلال، فأزمة المقاصة، مجرد وجه واحد للارتباط العضوي بالواقع الاحتلالي، من جملة وجوه، أهمها بسط الاحتلال سيطرته على كامل الضفة، فلا يتوفر للسلطة أي مساحة خاصة بها، ولا قدرة على التواصل الداخلي دون المرور بإرادة الاحتلال، ولا التواصل مع العالم الخارجي كما هو معلوم.

هذا الإدراك السلطوي للذات، يفسر استمرار الاعتقالات على خلفية الرأي السياسي، [10] والامتناع عن تطوير أيّ مقاومة شعبية جادة، واقتصار التقارب مع حركة حماس على المشهدية الإعلامية، [11] دون حلّ أيّ ملف عالق، بما في ذلك الملفات التي اصطنعتها السلطة كقطع رواتب بعض أسرى حماس، ونواب المجلس التشريعي المنحلّ، وحظر المواقع الإلكترونية، كما يفسّر تمسك السلطة بالمسار نفسه، وإعلان الرئيس عباس في ردّه على خطوة التطبيع الإماراتية، تمسكه بالشرعية الدولية، وبالاتفاقات الموقعة، وبمحاربة ما أسماه “الإرهاب”، [12] وهو ما يتناقض مع إعلان الرئيس نفسه سابقاً أنّ منظمة التحرير في حلّ من جميع الاتفاقيات الموقّعة مع “إسرائيل”.

إنّ المجموع المركب من إدراك السلطة لنفسها، وسياساتها في تاريخها القريب، وممارساتها الراهنة، تعطي قدرة أفضل على قراءة احتمالات حلّ السلطة لنفسها، وما يتصل بذلك من خيارات أخرى.

ثالثاً: سيناريوهات المستقبل.. حلّ السلطة وبدائله:

يمكن تكثيف السيناريوهات المتوقعة لمستقبل السلطة القريب بين مقترحات حلها، واحتمالات انهيارها، وما تراه السلطة لنفسها، في ثلاثة سيناريوهات:

1. سيناريو الحلّ: أي أن تقدم السلطة الفلسطينية على حلّ نفسها، سواء بقرار من حركة فتح، وشركائها الذين يُطلق عليهم القيادة الفلسطينية، أم في إطار وطني جامع، باعتبار أن قراراً جذرياً كهذا، يفترض أن ينهض على وحدة وطنية، تتحمل تبعاته، وتتكاتف لاستيعاب ارتداداته. وهذا الحلّ وإن كان مستبعداً لاعتبارات خاصة بالسلطة، كون نخبة السلطة، وطبقتها الحاكمة، ترى فيها هدفاً قائماً، ومستمراً، بصرف النظر عن أفقه السياسي، فإنّه قد لا يكون السيناريو الأفضل، وإن كان مطروحاً من عدد من المشتغلين في المجال العام، وواحداً من سيناريوهين مفضلين عند شخصية كخالد مشعل، رئيس حركة حماس السابق. [13]

بالإضافة إلى كون هذا السيناريو غير مطروح جدياً في أروقة السلطة، بل إن ممارساتها العامة تكشف عن تشبّث بالسلطة، وخشية من أن تتحول الأزمات الاقتصادية والسياسية الجارية إلى تمرد. وهو ما ينبّه إلى ضيق صدر السلطة بالنقد الذي يأتيها من نشطاء غير محسوبين على حركة حماس، وعودتها للاستدعاءات والاعتقالات على خلفية الرأي السياسي، فإنّه خيار خطير، مهما مثّلت السلطة ببنيتها الحالية عقبة في وجه العملية النضالية. فتورط الشعب بالسلطة منذ أكثر من ربع قرن، يجعل الانفكاك من السلطة مفتوحاً على احتمالات الفوضى والبدائ

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

كتائب القسام تزف شهداءها في طولكرم

كتائب القسام تزف شهداءها في طولكرم

طولكرم - المركز الفلسطيني للإعلام زفّت كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة "حماس"، شهداء طولكرم الذين ارتقوا أمس السبت، بعد أن خاضوا اشتباكًا مسلحًا...