عاجل

الجمعة 03/مايو/2024

اللعبة الأمنية بغزة.. المقاومة تسيطر وإسرائيل في حيرة

اللعبة الأمنية بغزة.. المقاومة تسيطر وإسرائيل في حيرة

لم تعد “إسرائيل” ممسكة بخيوط الصراع الأمني كافة مع المقاومة الفلسطينية، فالوقائع الميدانية تثبت تراجعاً في حجم المعلومات المتوفرة لديها رغم تفوقها التقني واللوجستي.

وراكمت المقاومة الفلسطينية ضربات أمنية للاحتلال رغم تفوقه في المجال الأمني والعسكري في السنوات الماضية؛ بتمكنها من ملاحقة جواسيسه وكشفهم، بل وتجنيد بعضهم عكسيًّا، وإحباط عدة مخططات له.

منذ انتهاء عدوان غزة 2014م، يكثّف الاحتلال عمله الاستخباري في القطاع مركّزاً على شبكات اتصال المقاومة، وبنيتها التحتية، وعملها النخبوي مثل “الضفادع البشرية”.

ساحة العمل الأمني لا تهدأ مطلقاً، وفقد الاحتلال فيها كثيرا من مصادر معلوماته التي تساعده على شنّ ضربات عسكرية، وثبت ذلك من خلال عجزه عن الاغتيال وتطوير القدرات، بل كشفت المقاومة مهمات التجنيد والاختراق.

الوعي والتحصين

آخر عدوان على غزة عام 2014م ظهر فيه الأداء الأعمى لجيش الاحتلال؛ حيث افتقد لكثير من المعلومات، فتحوّل لصبّ غضبه على المدنيين، ونجحت المقاومة في منعه من إطلاق الرصاصة الأخيرة.

ومنذ تعززت قدرات المقاومة مطلع انتفاضة الأقصى عام 2000م وحتى اليوم، بات واضحاً تكثيف الاحتلال لعمله الاستخباري مع مقاومة أفضل أداءً.

ويؤكد محمد لافي، الخبير في الشئون الأمنية، أن العلاقة العسكرية بين الاحتلال والمقاومة تأخذ بعداً موسميًّا، في حين يبقى العمل الاستخباري صراعًا دائمًا.

ويضيف لـ”المركز الفلسطيني للإعلام“: “بنت المقاومة وعياً فلسطينيًّا وتحصيناً اجتماعيًّا للفلسطينيين الذين سعى الاحتلال لخلخلة مجتمعهم، وأشرفت على حملات وطنية لمكافحة التخابر 2010-2013م، ونجحنا في رفع وعي الجمهور، وعام 2019م انطلقت حملة التحصين المجتمعي”.

الجانب الآخر الذي عززت فيه المقاومة ساحتها الأمنية، هو ملاحقة المشتبه بهم “أفرادًا وأماكنَ”، ومتابعة الأمر مع الحكومة بغزة لبناء ملف أمني لكل مشتبه به، تطورت بامتلاكها أدوات فنية، وكشفت عمل الجواسيس الميداني، وأثبتت تورط بعضهم.

يقول لافي: إن نضوج ملف أي مشتبه، يتبعه توقيفه والتحقيق معه عبر جهة اختصاص حكومية، تجني كثيراً من المعلومات عن آخر أساليب الاحتلال وأهدافه قبل اتخاذ الإجراء اللازم.

وتاريخيًّا، كانت أسرة المتخابر هدفاً لمحاولة التجنيد، لذا تنبهت المقاومة بغزة لذلك، وأفردت إدارة متخصصة عام 2020م لمعالجة أحوالها الاجتماعية.

ويرى رامي أبو زبيدة، الباحث في الشأن العسكري، أن صراع الأدمغة والحرب الإلكترونية والاستخبارية لا تنقطع، فهي مقدمة لنجاح أي عدوان أو تصعيد، وهي حرب معلومات بعيدة عن الحرب الخشنة.

التجنيد والاختراق

لا يكف ضباط المخابرات الإسرائيلية عن قراءة سلوك المجتمع الفلسطيني ومحاولة تجنيد واختراق الناس وفصائل المقاومة لضرب بنية المجتمع وإحباط أعمال المقاومة.

تاريخيًّا، كبرى أجهزة المخابرات في زمن صراع الولايات المتحدة الأمريكية مع الاتحاد السوفييتي، ولاحقاً بين دول عظمى، حدث الاختراق بدرجات متفاوتة على قاعدة أن لكل نظام أمني ثغرة.

يقول الخبير لافي: إن مهمة اختراق المقاومة ليست سهلة؛ فهناك صراع أدمغة مستمر بين الطرفين، حققت فيه المقاومة نجاحات لم تكشفها للإعلام.

ويتابع: “وزارة الداخلية بغزة تتابع ملفات الاختراق والتجنيد منذ 10 سنوات، وتحبط محاولة الاحتلال خلط الأوراق، وتكافح جهود الاحتلال في بث رسائل أمنية لزعزعة المجتمع وجمع معلومات”.

وظهر الأداء الأعمى لجيش الاحتلال في عدواناته على غزة، وكثير من الجولات بسبب نقص المعلومة، فالمتخابرون معه لا يعملون بحرية، بل كثير منهم سلّم نفسه للمقاومة، أو وقع خلال مهمته.

ويشير الباحث أبو زبيدة لـ”المركز الفلسطيني للإعلام” أن المقاومة كشفت مهمات الاحتلال بسبب تطورها الفني وأدائها الأمني، وخبرة متراكمة حمت الجبهة الداخلية من محاولات الاختراق والتجنيد ضمن عمل أمني دفاعي شوّش على الاحتلال خططه.

أما اللواء يوسف شرقاوي، المحلل العسكري، فيؤكد أن الاختراق ليس مستحيلاً في الصراع، وأن البنية التحتية للمقاومة هي هدف الاختراق الأساسي.

العميل المزدوج

نجحت المقاومة في “التجنيد العكسي” أو ما يعرف بالعميل المزدوج، وقد كانت محاولات أولى في انتفاضة الحجارة 1987م لكن التجنيد العكسي تكرر في السنوات الأخيرة وهدفه تضليل الاحتلال.

يؤكد الخبير لافي أن المقاومة أدارت مهمة أكثر من عميل مزدوج وفق إدارة متخصصة بالقسام بدأت قبل 10 سنوات، ونجحت في بعضها.

خير شاهد على التجنيد العكسي هو عملية “سراب” التي دارت أحداثها 2016 و2018م، وضللت الاحتلال الذي أُوكِل مهمة إتلاف قذائف المقاومة، وأوهمته بالنجاح، في حين انطلقت القذائف المعدّة مسبقاً.

ويسعى الاحتلال لتجنيد أفراد كثيرين قبل دخولهم فصائل المقاومة ليصعب اكتشافهم، في حين يستمر عمله في تجنيد أصحاب المجالات المهمة والحساسة.

يقول الباحث أبو زبيدة لـ”المركز الفلسطيني للإعلام“: إن أسلوب العميل المزدوج أحد مصادر التضليل التاريخية الذي نجحت المقاومة من خلاله في تضليل الاحتلال وحجب معلومات مهمة عنه، ما يعكس تطوّراً في إدارة الصراع.

ويتابع: “من أوائل محاولات التجنيد العكسي، ما كان في الانتفاضة الأولى مع عبد الحميد سرور في الضفة، وفي انتفاضة الأقصى ظهر التجنيد العكسي وإحباط الاختراق، بل والرد بتنفيذ مهمات مقاومة في العمق، وزاد عجز المعلومات بعد انسحاب الاحتلال من غزة 2005م”.

“حدّ السيف”

ما الذي يدفع الاحتلال للمغامرة في إرسال وحدة النخبة “سيرت متكال” لخان يونس؟ إلا إذا كان عاجزاً عن تنفيذ مهمة عن بعد، ولديه نقص جوهري في المعلومات.

وكانت وحدة عسكرية نخبوية تدعى “سيرت متكال” فشلت في نوفمبر 2018م في تنفيذ مهمة شرق خان يونس، عندما كشفها رجال القسام، ما أدى إلى مقتل قائد الوحدة الإسرائيلية وإصابة آخرين.

وخاض القسام اشتباكاً مسلحاً مع الوحدة، فُقد فيه القائد الميداني نور بركة وعدد من الشهداء، وتبين لاحقاً أن عملية التسلل فشلت.

وعرض القسام هوية الضباط الإسرائيليين، وصوراً وتسجيلات بعد فكّ شيفرة أجهزة الاحتلال التقنية ومعداته المستخدمة التي حاول إعدامها قرب الحدود، وتكثيف القصف على المركبة المستخدمة في العملية.

يقول الباحث أبو زبيدة: إن تطور قدرات المقاومة، ونقص معلومات الاحتلال الأمنية، أفقده عامل المفاجأة والردع في وقت لا يفضل فيه المواجهة المباشرة.

أما اللواء شرقاوي فيلفت إلى أن المحللين السياسيين والعسكريين حاولوا خلط الأوراق لتغطية فشل مهمة نخبة الاحتلال، مشيراً إلى أن “إسرائيل” لو استفادت من مهمة الاختراق في وحل غزة لنجحت مهمة نخبتها العسكرية.

وكشفت المقاومة عدة مهمات خاطر فيها الاحتلال بإدخال جنوده وضباطه خفيةً لغزة عن طريق البحر والحدود لضرب بنية المقاومة التحتية، وتنفيذ مهمات نوعية عجز عن إنجازها بواسطة المتخابرين عن بعد.

وعام 2019م كشف القسام أجهزة تنصت زرعها عملاء الاحتلال لمراقبة أجهزة اتصالات القسام في دير البلح قبل أن تغتال طائرة إسرائيلية 6 من قادة القسام حاولوا معاجلة أجهزة متفجّرة في المكان.

السوشيال ميديا

وتكافح المقاومة مهمات التجنيد برفع درجة الوعي من مواقع الإنترنت وفتح باب التواصل للتوبة لمن تورّط، ومعالجة القضية لإحباط مخطط الاحتلال.

منذ انتهاء عدوان 2009م، عزز الاحتلال تجنيد الفلسطينيين بواسطة مواقع التواصل الاجتماعي لتحصيل معلومات عن المقاومة، وتصدت المقاومة لذلك برفع درجة الوعي، بل والقيام بعمل مضاد، ولعل حملة “قاطع المنسّق” عزلت آلاف الحسابات عن متابعة الناطق باسم جيش الاحتلال.

ويرى لافي أن تراجع الدور الميداني للجواسيس رافقه اعتماد على وسائل التكنولوجيا الأكثر سهولة في الاتصال بين الاحتلال والمتخابرين دون لقاء مباشر، الأمر الذي حرّض المقاومة لاستخدام تقنيات كشفت مهمات أمنية للاحتلال.

“السايبر” وأدوات التكنولوجيا، ساحة شديدة التعقيد، ورغم تفوق الاحتلال فيها عالميًّا، إلا أن المقاومة اخترقت في عدوان 2014م هواتف ضباط وجنود الاحتلال، ووجهت رسائل مضادة، واخترقت البث الإذاعي والفضائي لمحطاته كما فعل بالمثل.

عجز مستمر

تطوّر قدرات المقاومة وعسكرة انتفاضة الأقصى من عام 2000م، أزعج الاحتلال، ودفعه لتعزيز العمل الأمني الأمر الذي قابلته المقاومة بعمل مضاد.

ولأن قاعدة العمل الاستخباري مقدمة لأي سلوك عسكري؛ يشتد صراع الأدمغة، وقد ظهر فشل الاحتلال في إحباط عمليات مقاومة امتد الإعداد لها شهورا طويلة.

يقول اللواء شرقاوي لـ”المركز الفلسطيني للإعلام“: إن تحييد قدرة الاحتلال الأمنية في عمل المقاومة الميداني والإعداد، يلزمه تقسيم أصحاب المهمات الحساسة لمجموعات صغيرة لا يؤثر عليها الاختراق وتقسيم المسؤوليات.

ويضيف: “العمل بقاعدة المعرفة بقدر الحاجة، وعند الحاجة، يقلل الاختراق. المقاومة بغزة قللت عمل المتخابرين رغم تفوق الاحتلال بحرًا وجوًّا وتقنيًّا”.

ولم تكن أعمال المقاومة في الأنفاق من عام 2003م، ورصد وضرب وحدات الجيش على الحدود وقواته الخاصة 2001-2014م، وإخفاء الجندي “شاليط” حتى عام 2011م، والآن إخفاء أربعة آخرين؛ إلا بفضل تطوّر عمل المقاومة الأمني.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

المقاومة تصدى لتوغل الاحتلال في جنين

المقاومة تصدى لتوغل الاحتلال في جنين

جنين- المركز الفلسطيني للإعلامتصدّت المقاومة لقوات الاحتلال الإسرائيلي صباح اليوم الجمعة، بعد اقتحامها جنين وحصارها منزلا في بلدة جبع جنوبًا، شمال...