الإثنين 27/مايو/2024

الأوقاف المسيحية في باب الخليل.. معركة محميَّة بوعي المقدسيين

الأوقاف المسيحية في باب الخليل.. معركة محميَّة بوعي المقدسيين

يظن العديد من المهتمين والمتابعين للشأن المقدسي أنّ أوقاف القدس، والعقارات الموقوفة فيها هي حصرياً تلك العقارات الإسلامية، التي تديرها دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس، لكن الحقيقية تخبرنا بأنّ في القدس أوقافاً أخرى تملكها الكنيسة الأرثوذكسية، وهي أراضٍ وعقاراتٌ عربية خالصة.

يشير الباحث سامي الصلاحات في كتابه “الأوقاف الإسلامية في ظل الاحتلال الصهيوني”، إلى أنّ مساحة الأراضي والعقارات الموقوفة للكنيسة الأرثوذكسية في القدس تبلغ 318 دونماً، وهي أوقاف تاريخية تعود بالزمن لسنوات العهدة العمرية، بين الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه والبطريرك صفرونيوس، ومنذ العام 1534 سيطر مطارنة اليونان على إدارة الكنيسة الأرثوذكسية في القدس، وعموم فلسطين، بما فيها من أوقافٍ وكنائس.

تتوزع الأوقاف المسيحية في القدس بين جبل الزيتون، وباب النبي داود، والشيخ جراح، وحارة النصارى في البلدة القديمة، وما أحاط بها من أراضٍ وعقارات في باب الخليل، حيث يتصاعد الاستهداف الصهيوني بالتهويد لتلك المنطقة.

عقارات الكنيسة المسيحية في باب الخليل
تتكون عقارات الكنيسة الأرثوذكسية في باب الخليل من فندقي البتراء وإمبريال، ويقع الأول في موقعٍ إستراتيجيٍ يطل على ميدان عمر بن الخطاب، المعلم الأبرز في باب الخليل، في حين تطل الشرفات الشرقية للفندق على البلدة القديمة للقدس كلها، ويحتوي بناء الفندقين على 22 محلاً تجارياً، يعود ريعها للكنيسة الأرثوذكسية في القدس.

صفقاتٌ متتالية وسعيٌ صهيوني محموم للسرقة
لموقعها الإستراتيجي بين البلدة القديمة، وغرب القدس، كانت عقارات الكنيسة الأرثوذكسية في باب الخليل، محط الأطماع الصهيونية بالتهويد، ومنذ تأسيسها في العام 1978، لم تألُ جمعية (عطيرت كوهانيم) الصهيونية الاستيطانية جهداً في الاستيلاء على عقارات الأوقاف المسيحية في القدس، ومنها عقارات باب الخليل، ومع فشل تلك المحاولات كافة جاء العام 2004 حاملاً معه محاولةً صهيونيةً جديدة للسيطرة على العقارات عندما أجّر البطريرك السابق للكنيسة الأرثوذكسية في فلسطين والقدس البطريرك أيرينيوس، فندقي باب الخليل لـ(عطيرت كوهنيم)، وعُزل على إثر ذلك، لكن هذا الحدث أسس لبدء الادعاء الصهيوني بملكية تلك العقارات، والسعي الصهيوني المحموم للسيطرة عليها.

تواطأت محاكم الاحتلال الصهيوني مع (عطيرت كوهنيم) وجهات من داخل الكنيسة لتمرير صفقات ومحاولات تسريب عقارات باب الخليل المتتالية، وتوّجت تلك المحاولات بما جرى في 8/2018 حين أقرت محكمة الاحتلال المركزية بملكية جمعية (عطيرت كوهنيم) للعقارين، ما دفع اللجنة الرئاسية العلي لشؤون الكنائس في فلسطين، وهي هيئة وطنية فلسطينية مسيحية، لعقد اجتماع أكدت خلاله بطلان صفقة البيع، ودعت للتحرك الشعبي لرفضها، فتحركت البطريركية الأرثوذكسية إثر ذلك، وحرّكت الملف قضائياً مستغلةً عدداً من الثغرات القانونية، منها قانون حماية المستأجر، الذي يمنع أيّ جهةٍ تملكت العقار من إخلاء المستأجر له، ولجأت الكنيسة الأرثدوكسية كذلك للتشكيك في عقود البيع التي تمّت لك العقارات، لتبدأ ملامح معركةٍ قانونيةٍ للحفاظ على عقارات باب الخليل من التسرب إلى المستوطنين الصهاينة.

 قرار محكمة الاحتلال الأخير
عادت قضية عقارات باب الخليل إلى الواجهة مرة أخرى، في 22/6/2020 حينما رفضت المحكمة المركزية الصهيونية التماسات وطعون الكنيسة الأرثوذكسية، لتصبح عقارات باب الخليل قاب قوسين أو أدنى من تسربها لجمعية (عطيرت كوهنيم) على غرار مئات العقارات في البلدة القديمة والقدس، إذ توجه مستوطنو (عطيرت كوهنيم) فور صدور قرار محكمة الاحتلال المركزية إلى المحكمة الصهيونية العليا لتثبيت القرار، الذي سيشكل في حال تطبيقه على الأرض تطوراً تهويدياً خطيراً في محيط باب الخليل، وساحة عمر بن الخطاب، وغرب البلدة القديمة عمومًا.

مؤسسة القدس الدولية تابعت القضية منذ البداية
منذ بداية تداعيات قضية محاولات تسريب عقارات الكنيسة الأرثوذكسية في القدس، في العام 2004، بدأت مؤسسة القدس الدولية بتتبع هذا الملف، ورصد التطورات به، وأصدرت العديد من المقالات والدراسات التي تناولت واقعه والحقائق الخاصة به، وأرسلت التوصيات للجهات المعنية والقادرة على التحرك للدفاع عن أملاك الكنيسة الأرثوذكسية في القدس، وعقب صدور قرار المحكمة المركزية الصهيونية الأخير، أصدر المدير العام لمؤسسة القدس الدولية، ياسين حمّود، تصريحًا صحفيًّا يؤكد فيه تلاعب محكمة الاحتلال المركزية بالأدلة وتزويرها لمصلحة المستوطنين الصهاينة، داعيًا إلى مواجهة أي تحرك صهيوني على الأرض فيما يخص هذا الملف، بالصمود والثبات لتقويض مشاريع الاحتلال، وسياساته العنصرية.

معركة باب الخليل ليست الأولى ولن تكون الأخيرة
في إطار تصاعد الاستهداف الصهيوني لمختلف جوانب الحياة في القدس، والتسارع الصهيوني في محاولات تهويد المدينة، بغطاءٍ أمريكي من الدعم التام، وتواطؤ جهاتٍ عربية ومحلية مع الاحتلال، في سياق موجة التطبيع العربي، فإنّ معركة باب الخليل ستتلوها معاركُ أخرى، وستبقى قوة الجماهير المقدسية ووعيها، وقوتها بجهود التمكين من الحاضنة العربية والإسلامية لها، هي الضمان الوحيد لمنع الاحتلال الصهيوني مِنَ المزيد مِنْ التقدم في مخططاته الاستعمارية الإحلالية.

موقع مدينة القدس

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات