الأربعاء 22/مايو/2024

مخططات ضم أراضٍ فلسطينية محتلة في ميزان القانون الدولي

مخططات ضم أراضٍ فلسطينية محتلة في ميزان القانون الدولي

تقديم

شكلت الشرعية الدولية في ضوء النظام الدولي المعاصر، منجزاً أممياً – على الرغم من الإشكالات التي تعتريه- وجعلت من القانون الدولي ومقرراته حكماً وإطاراً ناظماً للعلاقات الدولية، قائماً على مرتكزات قيمية ترمي إلى حفظ الأمن والسلم الدوليين.

وتستمد الشرعية الدولية صفتها الإلزامية والقانونية والأخلاقية من منظمة الأمم المتحدة وما يصدر عن أجسامها وهيئاتها من قرارات دولية، ولا سيما الجمعية العامة ومجلس الأمن باعتبارهما المظلة التي تجمع أغلبية دول العالم. وهي بذلك تضطلع بوظيفة استكمال بناء أحكام القانون الدولي، المكون من ميثاق الأمم المتحدة والاتفاقيات الدولية التعاقدية وغير التعاقدية والقرارات الدولية، ونقل قواعده من حيز السكون إلى حيز الحركة. وفي هذا السياق احتلت القضية الفلسطينية حيزاً مهماً على أجندة الأمم المتحدة والتي أصدرت بشأنها جملة من القرارات المستمدة من أحكام القانون الدولي وقواعده الآمرة، التي لا يجوز لأي من أعضاء الأسرة الدولية مخالفتها، وإلاّ فإنها تخرج عن الإجماع الدولي، وسوف تجد نفسها موضع مساءلة ومحاسبة في حال توافرت الإرادة الدولية لذلك.

أضحت القرارات الدولية الصادرة عن الأمم المتحدة والمتعلقة بقضية احتلال الأراضي الفلسطينية، بمثابة المرجعية القانونية والتخوم التي يُحرم تجاوزها، ومن أبرزها القرار (242) الذي أقره مجلس الأمن بتاريخ 22 نوفمبر/تشرين الثاني 1967م، وأُمرت من خلاله قوات الاحتلال الإسرائيلي بالانسحاب من الأراضي التي احتلتها سنة 1967م. وهي بذلك أرست حدوداً جغرافية، تمثل الحد المقبول من الأراضي الفلسطينية التي تُعد أساس الدولة الفلسطينية المنشودة. وعلى الرغم من عدم انصياع سلطات الاحتلال للقرار المذكور، فإنها، وعلى نحو يخالف الشرعية الدولية ومقرراتها، تسعى لضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية -وهي من بين الأراضي التي احتلتها سنة 1967م- في مشهد يؤكد استمرار تموضع دولة الاحتلال في المربع الذي يخالف القانون الدولي وأحكامه، ويعيد إلى الأذهان جميع المحطات والسياسات التي تبين مدى إصرار دولة الاحتلال على لي ذراع الشرعية الدولية في مقابل إشباع أطماعها التي تتنافى مع أبسط مبادئ القانون الدولي، إذ لم تعرف المجموعة البشرية قاطبة عملية تهجير قسري لسكان الأقاليم المحتلة بحجم تلك التي حدثت للشعب الفلسطيني، وما نتج منها من تغيير ديموغرافي.

إن التحول غير المسبوق الذي تسعى دولة الاحتلال لإنفاذه من خلال عملية الضم، يضع المجتمع الدولي لا محالة أمام اختبار أخير، يتعلق بمدى قدرته على حماية المنجزات الأممية والقيم الإنسانية والمبادئ العامة للقانون الدولي التي عبَّدتها الأسرة البشرية بعد مخاض عسير وحروب حصدت أرواح عشرات الملايين من البشر، ويختبر مدى أهليته في صون ميثاقه الصادر في سنة 1945م، والذي كفل حق الشعوب في تقرير مصيرها، وجرَّم مسألة ضم أراضي الغير بالقوة.

تأتي جريمة الضم التي تسعى دولة الاحتلال الإسرائيلي لتنفيذها، وسط انشغال العالم بالتصدي لمخاطر جائحة كورونا، وفي مسار عززت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة من المكانة السياسية والقانونية لدولة فلسطين بعد أن منحتها صفة دولة مراقب في سنة 2012م، وأصبحت العضو رقم 194، وأصبح لديها الصفة القانونية للتوقيع على الاتفاقيات الدولية. لكن وفي مسار مضاد، هيأت فيه الولايات المتحدة الأميركية البيئة السياسية لعملية الضم من خلال دعمها المباشر لدولة الاحتلال على المستويات كافة، والتي كان آخرها خطة ترامب للسلام (صفقة القرن) التي تخالف أحكام القانون الدولي والقرارات التي أصدرتها الأمم المتحدة في هذا الشأن.

تأتي هذه الورقة في إطار جهود مركز الميزان لحقوق الإنسان، الرامية إلى تعزيز أحكام القانون الدولي وحمايتها، وهي بمثابة دعوة إلى جميع الأطراف والأجسام الدولية المتخصصة للقيام بدورها بشكل عاجل لوقف مخططات الضم، والحد من الانتهاكات الإسرائيلية التي قوضت أحكام القانون الدولي في هذا المكان من العالم، والذي أضحى أكبر شاهد على غياب العدالة الدولية، واستمرار معاناة الضحايا فيه.

الطابع التدريجي لجريمة الضم والصراع الانتخابي

اتسمت إجراءات سلطات الاحتلال الإسرائيلي الرامية إلى ضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية بالطابع التدريجي. وتُعتبر فكرة الضم قديمة جديدة، فقد تجسدت في بناء المستعمرات الإسرائيلية على مدار السنوات السابقة، فمنذ سنة 1967 وحتى نهاية سنة 2017 أُقيمت في أنحاء الضفة الغربية أكثر من 200 مستعمرة على النحو التالي: (131) مستعمرة اعترفت بها وزارة الداخلية الإسرائيلية كبلدات، ونحو (110) مستعمرة أُقيمت دون مصادقة رسمية (بؤر استيطانية)، لكن بدعم ومساعدة وزارات حكومية، وفي الخليل أُقيم عدد من الجيوب الاستيطانية داخل المدينة، وفي القدس الشرقية أُقيم (11 حياً) على أراضٍ في الضفة الغربية ضمّتها دولة الاحتلال إلى منطقة نفوذ القدس، بالإضافة إلى عدد من الجيوب الاستيطانية في قلب الأحياء الفلسطينية في القدس الشرقية. وهناك (16) مستعمرة أُخرى أُقيمت في قطاع غزة، وأربع مستعمرات في شمال الضفة الغربية تمّ تفكيكها سنة 2005، ضمن تطبيق (خطة الانفصال أحادي الجانب)[1].

هذا وقد أقر الكنيست الإسرائيلي بتاريخ 6/2/2017م، مشروع قانون يشرعن آلاف الوحدات الاستيطانية في الضفة الغربية بأثر رجعي، والتي تطبق دولة الاحتلال من خلاله للمرة الأولى قانونها المدني لا على الأفراد فحسب، بل أيضاً على أراضٍ محتلة يقر المجتمع الدولي بأنها فلسطينية. وهي أراضٍ محتلة كانت تتم إدارتها في السابق بموجب القانون العسكري الإسرائيلي والأوامر العسكرية الصادرة عن الحاكم العسكري وإدارته.

كما أقر الكنيست الإسرائيلي بتاريخ 12/2/2018م، قانون فرض السيادة على المؤسسات التعليمية داخل المستعمرات المقامة على أراضي الضفة الغربية، وكان مشروع القانون قدم من جانب وزير التربية والتعليم الإسرائيلي في حينه، ويأتي القانون المذكور في سياق الإجراءات التدريجية لضم أراضٍ من الضفة الغربية.

كما أن عملية الضم دفعت بالتنافس السياسي على السلطة، إذ أظهرت الانتخابات الأخيرة[2] في دولة الاحتلال الإسرائيلي كيف وظفت الأحزاب السياسية، وخصوصاً حزب أزرق أبيض وحزب الليكود من خلال وعودهما للجمهور بضم الضفة الغربية إلى دولة الاحتلال، من أجل كسب ود الناخبين، الأمر الذي هيأ المجتمع في دولة الاحتلال لهذا الإجراء، وأنشأ دافعاً إضافياً لدى المستوى السياسي من أجل إتمام عملية الضم.

كما اتفق الحزبان سالفا الذكر بقيادة بنيامين نتنياهو وغانتس بتاريخ 20/4/2020م على جملة من الأمور أهمها ضم الضفة الغربية في مطلع تموز/يوليو 2020م بعد تشكيل حكومة الوحدة، والبدء في إعداد الخرائط من قبل فريق إسرائيلي/أميركي مشترك، الأمر الذي يعكس مدى تصميم الساسة في دولة الاحتلال على إتمام الجريمة. ومن جانب آخر يبين مدى دعم الإدارة الأميركية لفكرة الضم.

وتقدم عضو الكنيست عن حزب الليكود ماي غولان، بتاريخ 4/5/2020م، بمشروع قانون جديد لتطبيق سيادة سلطات الاحتلال الإسرائيلي على مناطق غور الأردن وشمالي البحر الميت والمستعمرات في الضقة الغربية، وجاء في مداخلته: “إن هذه المنطقة بالأساس ذات ذخر سياسي وأمني واقتصادي، وهي جزء لا يتجزأ من دولة إسرائيل، ومن الضروري تصحيح الوضع الحالي، ولا يساورني شك في أن هناك إجماعاً واسعاً لدى الجميع في الكنيست بدعم الاقتراح وتأييده وتمريره، والعمل على تنفيذه[3]”.

يأتي ذلك وسط استمرار تجاهل دولة الاحتلال للمناشدات الدولية الداعية إلى وقف مساعي الضم، إذ جاء في بيان أصدرته لجنة الأمم المتحدة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف، بتاريخ 6/5/2020م، “حتى خلال حالة الطوارئ الصحية غير المسبوقة، واصلت إسرائيل، السلطة القائمة بالاحتلال، ترسيخ الاحتلال غير القانوني وأعلنت بصورة جلية نيتها ضم مناطق واسعة من الأرض الفلسطينية المحتلة، بينما تواصل حصار قطاع غزة”، وأكدت في هذا السياق مسؤولية المجتمع الدولي في وقف الإجراءات الإسرائيلية وحماية حقوق الشعب الفلسطيني[4].

كما أصدر مقرر الأمم المتحدة الخاص بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة مايكل لينك بياناً بتاريخ 1/5/2020م، جاء فيه: “إن قرار إسرائيل التحرك بشكل أحادي الجانب نحو الضم المخطط له في الأول من تموز/يوليو، يقوّض حقوق الإنسان في المنطقة، وسيكون ضربة قاسية للنظام الدولي القائم على القواعد، ويقوّض أي احتمال متبقٍ لتسوية عادلة متفاوض عليها.”[5]

أبعاد مخططات الضم وتداعياتها

تبلغ مساحة الضفة الغربية (5860 كم2)[6] من مساحة فلسطين التاريخية، وتقع غربي نهر الأردن، وتسعى مخططات الضم لفرض سيادة دولة الاحتلال الإسرائيلي على منطقة الأغوار التي تقع شرق الضفة الغربية وعلى طول نهر الأردن، وفرض السيادة على المستعمرات الإسرائيلية المحيطة بمدينة القدس والتي تُعرف بالمنطقة (E1)، ومن أبرزها (كفار أدوميم)، (مشور أدوميم)، (معاليه أدوميم). هذا بالإضافة إلى فرض السيادة على المنطقة G))، والتي تقع غرب الضفة الغربية، وتحتفظ دولة الاحتلال بالسيطرة الأمنية عليها بحسب اتفاق أوسلو الموقع بينها وبين منظمة التحرير الفلسطينية في سنة 1993م، ويتبقى للسلطة الفلسطينية المنطقة ( (Aالتي تفرض عليها سيطرة أمنية ومدنية كاملة، إضافة إلى المنطقة ((B التي تخضع للسيطرة المدنية الفلسطينية والسيطرة الأمنية الإسرائيلية المشتركة.

يتضح من خلال ما سبق أن المخططات الإسرائيلية تتجه نحو فرض السيادة على مناطق معينة دون غيرها، وبالرجوع إلى تلك المناطق فإنها تُعد أكثر حيوية واستراتيجية، فالسيطرة على منطقة الأغوار سوف تعود بالنفع الاقتصادي على دولة الاحتلال، وتحديداً فيما يتعلق بالمياه، هذا على الرغم من أنها، وعلى مدار السنوات السابقة، تسيطر على مصادر المياه وتنتفع من نهر الأردن، إلى جانب الموارد الاقتصادية كالزراعة وغيرها.

كما أن السيطرة على منطقة الأغوار تؤدي إلى حرمان السكان من مواردهم الطبيعية، وإلى انحسار الجغرافيا الفلسطينية وتقليصها، وهدم المساعي الرامية إلى إقامة دولة فلسطينية ذات حدود مع المملكة الأردنية، وضرب أية حلول مستقبلية تستند إلى أحكام القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، إذ تحول مثلاً دون إمكان جلاء دولة الاحتلال عن الأراضي التي احتلتها سنة 1967م، وتُعتبر عرقلة إضافية تحول دون تنفيذ القرار (242) الصادر عن مجلس الأمن.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن فرض السيادة على المستعمرات الإسرائيلية المحيطة بمدينة القدس، من شأنه أن يؤدي إلى تقويض جميع القرارات والرؤى الدولية المتعلقة بالقدس الشرقية كعاصمة لدولة فلسطين المنشودة. أمّا عن فرض السيادة على المنطقة G))، فإنها سوف تؤدي إلى نسف ما تبقى من اتفاق أوسلو.

وفي ضوء ما سبق، وارتباطاً بالأوضاع الراهنة المتعلقة بانشغال العالم في التصدي لجائحة كورونا، وفي ظل خطة (صفقة القرن) التي أعلنها الرئيس الأميركي ورفضها المستوى الرسمي الفلسطيني، والتي لم تتم مواجهتها كما يجب من المجتمع الدولي، يبدو أن البيئة السياسية أضحت مواتية أكثر من أي وقت مضى لتنفيذ مخطط سلطات الاحتلال الإسرائيلي.

ومن نافل القول أن تداعيات مخططات الضم، قد تفضي إلى تقويض دور السلطة الفلسطينية التي نشأت بموجب اتفاق أوسلو، وإلى إعادة إنتاج الصراع من جديد، في ضوء إعلان الرئيس الفلسطيني بتاريخ 19/5/2020م، تحلل السلطة من جميع الاتفاقات الموقعة مع دولة الاحتلال والولايات المتحدة الأميركية. ولا شك في أن عملية الضم تشكل متغيراً جديداً ودراماتيكياً على الحالة السياسية في المنطقة.

ويبدو أن ضعف المجتمع الدولي وافتقاره إلى الإرادة اللازمة لإنفاذ القرارات الدولية المتعلقة بإلزام دولة الاحتلال باحترام أحكام القانون الدولي، شجع الد

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات