السبت 27/أبريل/2024

علاء الريماوي.. الصوفي النقيّ المناضل العنيد الفلسطيني الحرّ

وليد الهودلي

وهو ليس بحاجة لشهادتي ولا شهادة غيري ولكن أحيانا لا بدّ من إثبات المثبت وتأكيد المؤكد.

مذ عرفت علاء الريماوي عرفته قلبا نابضا بالروح الفلسطينية العالية، لا يضخ إلا دماء فلسطينية، عبر شرايينه الممتدّة لتسع الكل الفلسطيني بتعدده الجميل، وأصالته العريقة الخالدة، قلبه يسع الجميع ويشعّ نورا لا يترك للظلام مكانا فيه، معجون بتراب هذه الأرض، قضية القدس وفلسطين تسكنه وهو معها وهي معه، هي وهو جسد واحد يسير على قدمين، إذا فكر فبفلسطين، وإذا تحدث فعنها يتحدث، وإذا غضب فلها يكون غضبه، ولا يفرحه شيء إلا ما كان نصرة لفلسطين وإغاظة لأعداء فلسطين.

وللذي لا يعرف فعلاء ابن الشيخ الصوفي الذي بنى نفسه وأبناءه على محبة الله وعلى الفناء عن الذات لتحقيق ما فيه الخير والفلاح والصلاح لعامة الخلق منطلقا من قاعدة “أحب الخلق إلى الله أنفعهم لعيال الله”، أتقن مهارة التجرد عن الذات ليكون نورا لعباد الله ونارا لا تحرق إلا أعداء الله، تخرّج علاء من هذا البيت الصالح وهذه الأبوّة: عالية الهمّة وسامقة الروح ورفيعة الخلق ليكون ابن أبيه أينما رحل أو ارتحل.

كان بامكان علاء أن يتخرج من جامعته ويلوذ إلى وظيفة تقرّ لها عينه ويعكف على أسرته دون أن يكون له شأن أو اهتمام بقضية أو دين، بإمكانه أن يختار غير ذات الشوكة وأن يستسلم لحياة الدعة وراحة البال، إلا أنه اختار ذات الشوكة والقبض على الجمر، شق طريقه مجاهدا منذ كان شبلا يافعا ولما يصل سن الرجولة أو الشباب بعد، دخل السجن ومرّ بأقبية التحقيق وقاسى الأمرّين وصبر وصابر في معاقل الأحرار ليتخرج منها مجاهدا عنيدا لا تلين له قناة. خرج ليكمل تعليمه ومن ثم يشق طريقا وعرة قاسية هي طريق الصحافة التي يتساقط في شباك الإعلام المأجور من يتساقط وتبقى القلة القليلة التي لا تبيع قلمها وتصر على تحرير الكلمة الحرّة وصناعة الصحافة الصادقة.

كنت أراه وهو يدير مكتب فضائية القدس فريق عمل في رجل، يعمل مراسلا ومديرا ومقدما للبرامج، كان بهمّة عالية يتحرك على كل المحاور ويطرق الملفّات الساخنة بمهارة، لا يكلّ ولا يملّ وهو يفتح فضاء واسعا في عالم الصحافة الضيق في بلادنا، ينظر بعمق ويتابع بشغف ويضيف للمشهد الإعلامي رسمه البديع وجهده المميّز. وعلى الجبهات الملتهبة كنت تجده في المواقع المتقدمة ليغطي الحدث وليعطيه حقه، يضخّ إليه من روحه العالية ونبضه القويّ ما يجعل منه حياة شاخصة أمام المشاهد والمتابع على جبهة علاء الإعلامية. شكّل علاء في الصحافة راية حرّة عالية خفّاقة وشكّل انحيازا ذكيّا لقضايا وطنه دون أن يخلّ ذلك في موضوعية أو مهنية.

وفي القضية الأخيرة التي يقودها إعلاميا وفعليا شكّل حالة نجاح أبهرت المحبين والأصدقاء وحاصرت الخصوم فلم تسعهم حجة ولا برهان فراحوا يبحثون عن ترّهات وأوهام، لم يتردد في الصدع بالموقف الحق، وفي نفس الوقت لم يكن هجوميا شرسا بل كان موضوعيا مقنعا يحيط العقل والقلب بكل مستلزمات التأثير وسبر أعماق النفوس، لقد جمع بين قيادة الإعلام وقيادة الميدان بمهارة واحتراف، وهذا ليس بالأمر السهل، فعادة لا تتوفّر القدرات القيادية لتشمل الاثنتين معا إلا عند القليل من الأفذاذ. كان السهل الممتنع، المرن الصلب، سهلا محببا لكل من أراد للقضية خيرا ولو باضعف الإيمان، وممتنعا صلبا لكل من أراد أن يتآمر أو أن يثني عزمهم ويفت من عضدهم. عندما طُرح حلّ قضيتهم شرطا في طريق الانتخابات الفلسطينية العامة رفض ذلك وأبى أن يكون ومن معه حجر عثرة في طريق مصلحة عامة. وعندما طُرح إخلاء المكان لإقامة شجرة الميلاد كان له خطاب سامٍ رائع في وحدة الحال مع الإخوة المسيحيين، ولما جاء من أراد أن يصطاد بالماء العكر فوّت عليهم الفرصة وغيّر الموقع ليجلب عليه ذلك أضعافا مضاعفة من التعاطف والمناصرة.

لقد قاد علاء ومن معه حربا على عدة جبهات كان أقلها جبهة الأمعاء الخاوية والجسد الذي يواجه زمهرير الليل في العراء، وما بعد هذه الجبهة جبهات: الجبهة الإعلامية وقد أتقن أيما إتقان الإعلام الالكتروني ومواقع التواصل في العالم الافتراضي الذي جعل منه عالما حيّا مباشرا يصل من خلاله ما مكنه من تجييش آلاف المناصرين، وكان منها جبهة الحرب النفسية التي شنها من ليس لهم ناقة ولا بعير إلا أنهم وظفوا ألسنتهم لتكون حدادا على المضربين، ولقد عرف علاء كيف يعرّيهم ويحوّلهم مسخرة للناس.

علاء بروحه العالية، ذات التربية الصوفية النقية الطاهرة، وبمنهجية تفكيره الرائدة، وبمهنيته الصحفية المميّزة، نجح في تثبيت أركان المعادلة التي أرادها ورسم الصورة المشرقة التي كانت نتاج هذه الإرادة الحرّة الصادقة.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

شهيدان باشتباك مع الاحتلال غربي جنين

شهيدان باشتباك مع الاحتلال غربي جنين

جنين - المركز الفلسطيني للإعلام استشهد شابان وأصيب آخران، فجر اليوم السبت، برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي، قرب حاجز "سالم" العسكري غربي مدينة جنين،...