الثلاثاء 07/مايو/2024

الوجود الفلسطيني في لبنان

​ محمد أبو ليلى

يحاول اللاجئون الفلسطينيون في لبنان على وجه التحديد مواجهة المخاطر التي تهددهم، إذ طالما باتوا يتحسسون تلك المخاطر، خاصة بعد أن طرحت الإدارة الأمريكية برئاسة ترمب مطلع العام 2017 عن خطة لتسوية وهي في الحقيقة خطة لتصفية القضية الفلسطينية والتي عرفت فيما بعد بصفقة القرن.

فقضية اللاجئين الفلسطينيين بحسب الرؤية الأمريكية عقبة حقيقية أمام أي “تسوية سياسية” مستقبلية، وبالتالي اتخذت إدارة ترمب خطوات تنفيذية خطيرة تمس بجوهر القضية الفلسطينية بعد أن حسمت ملف القدس كعاصمة أبدية لدولة الاحتلال الصهيونية.

ومنذ أكثر من سنتين، وتحاول الإدارة الأمريكية الضغط على الدول المضيفة وخصوصاً لبنان باستيعاب اللاجئين الفلسطينيين وتوطينهم. وقد صرح أكثر من مصدر لبناني رسمي ومسؤول على أن الخطة الأمريكية فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية تقتضي بتوطين اللاجئين الفلسطينيين في لبنان.

وفي تسريبة إعلامية منذ أشهر، التقى العاهل الأردني الملك عبد الله بن الحسين برئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري على هامش قمة دافوس في سويسرا مطلع العام 2018 هامساً له أن الخطة الأمريكية والمعروفة بصفقة القرن تتطلب من لبنان القبول بتوطين اللاجئين الفلسطينيين ولذلك دعا الملك الأردني الحريري إلى الاستعداد للقبول بالأمر الواقع وإيجاد حلول «واقعية» لازمة اللجوء، لأن أزمة اللجوء الفلسطيني ستطول، ولن يتمكن لبنان من تجاوزها على المدى الطويل، مشيراً إلى أن الأردن يمضي في هذا الاتجاه.

ولا يمكن التغافل عن الخطوة الأمريكية التي تمثلت  بوقف تمويل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا” والبالغة حوالي الـ 350 مليون دولار سنوياً. المراقبون لهذه الخطوة يؤكدون أنها تأتي في سياق الخطة الأمريكية لإنهاء قضية اللاجئين الفلسطينيين والعمل على توطينهم في أماكن تواجدهم.

مصادر غربية أبلغت لبنان أن امتيازات اقتصادية وتسديد ديون الدولة اللبنانية والبالغة ما يقارب المائة مليار دولار والسماح لها بالتنقيب على الغاز في البحر الأبيض المتوسط ستكون مقابل توطين اللاجئين الفلسطينيين على أراضيها.

وكانت تقارير صحافية لبنانية أخرى قد ذكرت مؤخرًا أن لبنان الذي يرزح تحت عبء ديون خارجية تناهز 100 مليار دولار لم يعد قادراً على مقاومة الضغوط الدولية التي تطالب بيروت بتوطين الفلسطينيين، وكشفت أن هناك تيارا يدفع باتجاه التوسع في الإنفاق على البنى التحتية معوّلاً على تعويضات مالية دولية ضخمة مقابل قبول لبنان بتوطين الفلسطينيين، وأن الأمر قد تكون له صلة بصفقة القرن الأميركية التي تقوم على توطين الفلسطينيين في دول اللجوء.

ولا تنفي مصادر سياسية لبنانية وجود نقاش لبناني يجري في هذا الصدد، إلا أنها تؤكد أن البحث لم يصل إلى استخدام كلمة توطين. ولفتت إلى أن لجوء الحكومة اللبنانية إلى الانتهاء منذ أقل من عامين من عملية إحصاء للفلسطينيين في لبنان بتمويل ورعاية من الأمم المتحدة، شكل مفاجأة للرأي العام، وأثار تساؤلات حول الحيثيات التي تقف وراء ذلك.

بالمقابل فإن الزيارات الغربية والأمريكية والبريطانية على وجه التحديد، السياسية والعسكرية،  واللقاءات المكوكية بالرؤساء الثلاثة، والأحزاب اللبنانية، تشير وتؤكد أن موضوع التوطين بات على الطاولة، ولم يعد الحديث عن العموميات بل تخطى النقاش فيها العموميات ليصبح نقاشاً تفصيلياً آنياً، والطرح الذي يطرح اليوم يتحدث عن توطين نحو مئة ألف فلسطيني في لبنان، مقابل إعادة جزء بسيط إلى منطقة غزّة، وقسم آخر إلى الدول العربية وقسم ثالث إلى بعض الدول الغربية، ومقابل موافقة لبنان على التوطين يقابله  إنهاء خطر الانهيار الاقتصادي في لبنان، وحل جزء من الأزمة المالية.

ولكن وعلى المقلب الآخر من المشهد، وبحسب مراقبون فإن مواجهة مسار التوطين لبنانياً والتي باتت كابوساً سياسياً لدى الساسة في لبنان، تكون عبر إيجاد بيئة طاردة تسرّع بعملية تهجير أكبر قدر ممكن من اللاجئين الفلسطينيين في لبنان إلى دول المنفى، هذه البيئة الطاردة تمثلت بحرمان الفلسطيني في لبنان من سلسلة واسعة من الحقوق المدنية والاجتماعية وحرمانه من أبسط الحقوق للعيش بكرامة إلى حين تحقيق العودة إلى فلسطين، وتوجت هذه الممارسات العنصرية بفرض إجراءات جديدة على العامل الفلسطيني بتحصيل إجازة عمل تساوياً مع أي أجنبي يعمل في لبنان.

المفاجئ، أن هناك تسريبات تحدث عنها أكثر من مصدر رسمي فلسطيني بالقول أن هناك دول غربية عديدة مستعدة لاستقبال أعداد كبيرة من اللاجئين الفلسطينيين على أراضيها، وتناول المصدر قوله أن كندا وحدها مستعدة لاستقبال مئة ألف لاجئ فلسطيني واسبانيا قرابة الستة آلاف لاجئ واستراليا قرابة العشرون ألف.

أمام هذه الموجة الكبيرة من المخاطر والتحديات التي عصفت وتصاعدت وبشكل غير مسبوق، يقف الفلسطيني في لبنان أمام مصير مجهول، محفوف بالمخاطر التي قد تودي بمستقبله السياسي والوجودي، مما يتطلب من الجميع دون استثناء من فصائل فلسطينية ومؤسسات مجتمعية ولجان شعبية وإعلاميين ومثقفين إلى ضرورة العمل على إيجاد خطة استراتيجية طارئة تكون على سلم أولوياتها الضغط على الحكومة اللبنانية من اجل إقرار الحقوق المدنية والاجتماعية والسماح للفلسطيني في لبنان من التملك والعمل بحرية والتخفيف من الضغوط عليه لناحية السماح للفلسطينيين بإدخال مواد البناء إلى المخيمات.

ختاماً، إن الشعب الفلسطيني بكافة أطيافه السياسية والشعبية، سيرفض كل ما من شأنه المساس بحق العودة ولن يتنازل عن هويته وصفته السياسية، وسيبقى صامداً رغم حجم التحديات والمخاطر التي تحيكها الولايات المتحدة ومن خلفها الكيان الصهيوني الغاصب، وما النصر إلا صبر ساعة.

 

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات