الخميس 30/مايو/2024

المصالحة وتجلياتها!

د. صلاح البردويل

المصالحة هي المفهوم المخالف للخصومة.

فما مظاهر الخصومة التي حلت بشعبنا، وما أسبابها؟ لنخلق المناخ المخالف لها؟.

قد تكون البداية سياسية، ارتبطت باتفاقية أوسلو، حيث رأى فيها البعض اجتهادا سياسيا عبقريا، وتكتيكا ناجحا، في ظل البيئة الرديئة التي نشأت بعد حرب الخليج، وبعد الضربة القاسية التي تلقتها المقاومة في بيروت أثناء العدان الصهيوني، في ظل خذلان عربي وتواطؤ دولي، فكان التوجه من القيادة إلى استثمار ورقة القوة الفلسطينية الوحيدة آنذاك؛ ورقة الانتفاضة، لاستنقاذ ما يمكن استنقاذه من الحقوق الفلسطينية، ووضع القدم على أرض الوطن، والمراكمة والتحايل على التحديات وصولا إلى إنجاز ٱكبر.

أما الفريق الآخر من شعبنا فرأى أن ما حدث كان تنازلا خطيرا عن الأرض، واستفرادا بالقرار، واستعمالا سيئا لمنظمة التحرير لتمرير هذا الاتفاق المجحف، في الوقت الذي كانت الانتفاضة تحقق فيه ضغطا كبيرا وانتصارا شعبيا على الاحتلال.

ولقد تعزز هذا الانشقاق في الرأي السياسي بتصعيد على المستوى الأمني ومستوى حقوق الإنسان، وأفعال خارجة عن السلم المجتمعي الفلسطيني، وانتقل الفعل ورد الفعل إلى النسيج الاجتماعي، وكان ما كان من تداعيات أدت إلى الاقتتال فالانقسام، فالانتقام فالعقوبات.

كل الحوارات وكل الاتفاقات لم تجدِ نفعا، لأنها ركزت فقط على إيجاد صيغة لإنهاء الانقسام الإداري المتمثل في الحكومة وملحقاتها.

المطلوب اليوم فتح كل الملفات بشجاعة ومسئولية بعيدا عن التمسمر عند أوهام الأبوة والمرجعية الوحيدة، وأوهام القوة و الاستقواء، والأستاذية العرجاء.

مطلوب أولا ترميم النسيج الاجتماعي من خلال استكمال مشروع جبر الضرر الاجتماعي الذي نتج عن الأحداث المؤسفة فورا، لأن أي مصالحة لا تقوم على قاعدة شعبية لا تنجح، علما بأن هذا المشروع قد انطلق في غزة ولاقى ترحيبا كبيرا يعكس أصالة شعبنا واستعداده للعض على الجراح من أجل استعادة الوحدة.

الخطوة الهامة الثانية التي يجب البدء بها فورا وقف حالة النزيف في جسد المجتمع الفلسطيني وذلك بممارسة التحريم للاعتقال أو الحرمان على قاعدة المخالفة في الرأي السياسي الوطني -نستثني العملاء للاحتلال فقط- وذلك لإشاعة جو من الحرية واحترام حقوق الإنسان الفلسطيني الذي يستحق كل الاحترام؛ فلا دولة بلا إنسان ولا إنسان بلا حرية.

أما الخطوة الثالثة لإنجاز المصالحة فهي التوافق على شكل النظام السياسي الفلسطيني ومضمونه، ويبدأ ذلك بالإجابة الصريحة على السؤال التالي:

هل نحن في مرحلة تحرر ومقاومة؟ أم في مرحلة دولة مؤسسات؟ أم أننا بإزاء نظام سياسي يجمع بين الأمرين؟

إن الحكم على شكل النظام وطبيعة القيادة هو فرع عن تصور طبيعة المرحلة التي نعيش، وبالتالي تصبح حواراتنا مبصرة مثمرة، لا عمياء عقيمة.

لذلك لا بد من الجلوس إلى طاولة الحوار المسؤول لرسم خارطة طريق لاستئناف استعادة الوحدة الحقيقية التي لا تغابن ولا تشاطر ولا مخادعة فيها.

إذا توصلنا إلى أننا في مرحلة تحرر، وأن منظمة التحرير هي قائدة المرحلة، وأنها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني كله، وأن حماس والجهاد وكل المكونات التي نشأت خلال الأربعين سنة الأخيرة هي جزء أصيل وهام في هذا الشعب؛ فلا بد من التأكيد على ضرورة مشاركتها في عملية التمثيل، وأن القيادة انعكاس واقعي لموازين القوى، و ذلك إما بطريق الانتخابات وإما بالتوافق ، وأن القرارات المصيرية – سلما أو حربا – ليست حكرا على طرف من الشركاء، سواء كان يشكل أغلبية أو أكثرية.

أما إذا نظامنا مشتركا، فإن هذه القاعدة تنسحب على مؤسسات السلطة المختلفة؛ حكومة أو برلمانا أو رئاسة. وإن البرنامج السياسي، والاجتماعي والأمني، وبرنامج المقاومة جميعها نتاج للتوافق الوطني الذي أداته النهج الديموقراطي، واستشعار المصلحة الوطنية.

إن ثقافة الهيمنة والسيطرة والتهويش والتفرد في اتخاذ القرار، وإقصاء الآخرين هي ثقافة انتحارية لا تقتل إلا صاحبها، وهي سياسة ثبت فشلها في محطات عديدة، وقضت على هيبة المؤسسات الفلسطينية، ومزقت الصف، وأغرت بنا الأعداء والأصدقاء.

إن الاتفاقيات التي تم توقيعها عام ٢٠٠٥م و ٢٠٠٦ م و٢٠١١م و ٢٠١٧م تحمل في طياتها بعض الغموض النابع من محاولة الوسيط إرضاء جميع الأطراف، والتقريب بين وجهات النظر المتباعدة، وقد أدى ذلك إلى أن يفسر كل طرف هذه الكلمات والعبارات الغامضة وفق وجهة نظره الخاصة، الأمر الذي أعادنا مرة أخرى إلى الجدل والخصام، وانعكس ذلك على مصداقية الفصائل أمام الشعب.

لذلك فإن الحوار المباشر القيادي المسؤول على طاولة القيادة المؤقتة للمنظمة ضروري لاستناف تطبيق المصالحة وتطوير نتائجها.

إننا نناشد الجميع مغادرة حالة التشنج والفهم المشوه للوحدة الوطنية، ومغادرة أوهام الاستعلاء التي تفتقد إلى أي رصيد في الواقع.

ولا يكونن أحدنا – كما يقول المثل الشعبي – “شحاد و بيتشرط”!.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات