الأحد 05/مايو/2024

إما الصيد أو الحرب

ياسر مناع

ليست هذه المرة الأولى التي تلجأ فيها “إسرائيل” إلى استخدام ورقة الصيد، كردٍّ على البالونات الحارقة التي تطلق من قطاع غزة، بل كدنا القول بأن التلاعب بمساحة الصيد أو حتى منعه تماماً باتت مقترنة بمساحة الحرائق في غلاف غزة.

تشير حالة التلاعب هذه على اعتبارها ردًّا لقلة وضيق الخيارات المطروحة على الطاولة الإسرائيلية، في ذات الوقت تجبر “إسرائيل” على الرد بأي صورة كانت، وذلك لاعتبارات انتخابية بحتة أولاً، ومن ثم لحفظ ما تبقى من قوة الردع وصورة للجيش أمام المجتمع الإسرائيلي الداخلي على أقل اعتبار ثانياً، في ضوء ذلك كان لزاماً على “إسرائيل” أن تبحث عن خيارات ووسائل جديدة – على هيئة ردود – من شأنها إبقاء الأوضاع الميدانية على ما هي عليه الآن وتأجيل المواجهة العسكرية غير الواردة في الأجندة الإسرائيلية لفترات أخرى من الزمن، وإلا فالخيار العسكري هو البديل والذي من الممكن أن يشعل فتيل مواجهة من جديد قد تطور إلى حرب غير اعتيادية.

وما يدلل على ذلك أيضاً هو ما نشرته وسائل الإعلام العبري بأن “إسرائيل” وجهت رسالة إلى السفير القطري محمد العمادي تمنعه من دخول غزة في خطوة غير مسبوقة ردًّا على البالونات الحارقة، والجدير ذكره أن العمادي بالإضافة إلى الوفد المصري باتا الوسطاء الدائمين عند وقوع جولات المواجهة سعياً لنزع فتيلها.

بالعودة إلى الوراء قليلاً بات من المعلوم بأن المقاومة أرست عبر أوراق متعددة كان أبرزها مسيرات العودة والإرباك الليلي على الحدود، قواعد اشتباك جديدة بشكل تدريجي، مما نتج عن ذلك قلة الخيارات بالنسبة لـ“إسرائيل” في التعامل مع هذه الظواهر والتي يمكن تعريفها بأنها مظاهر حرب استنزاف لا طاقة للأخيرة بها.

تبقى غزة حاضرة في الانتخابات في ضوء سباق انتخابي محموم لاسيما بين نتنياهو من جهة وغانتس ومن خلفه من جهة أخرى، لكنها فرضت على جميع الأحزاب نمطاً واحد عند الحديث عنها، وأصبح هنالك شبه إجماع لدى جل السياسيين في “إسرائيل” بفشل الخيار العسكري مع غزة وأنه آخر الأوراق ذات الثمن، ويعود ذلك أيضاً إلى قواعد الاشتباك التي فرضتها المقاومة منذ انطلاق مسيرات العودة، وهذا ما أكد عليه الجنرال ”غابي سيبوني” في مقال له نشر على موقع “واللا” على ضرورة أن تكون الحرب هي الخيار الأخير، فاحتلال القطاع وتدمير حماس له جدوى، مع تذكر الأثمان الباهظة.

وبالتالي باتت الأصوات التي ترى بضرورة إيجاد الحد الأدنى من التفاهمات آخذة في الارتفاع، وأصبح العديد من الساسة يرون بأن الحل الاقتصادي هو الآمن والأنسب لـ“إسرائيل” على المدى المتوسط، ومن أبرز تلك الدعوات ما صرح به الخبير الإسرائيلي في الشأن الصيني “شيرغا بيران” بأن حل الأزمة الإنسانية في غزة يتطلب إشراك الصين في حلها عبر خطوات متعددة منها استخراج الغاز الطبيعي الذي تساوي قيمته خمسة مليارات دولار، مرورا بالميناء الذي يوصل لقناة السويس، والخروج من البحر المتوسط شرقا وجنوبا، بجانب إقامة محطات لتوليد الطاقة والزراعة والأيدي العاملة، ياتي ذلك في ضوء التحذيرات التي أطلقها رئيس الشاباك ”نداف إرغمان” من خطورة التدخل والتوغل الصيني المتزايد في الاقتصاد الإسرائيلي الداخلي في ظل الصراع بين بكين وواشنطن.

إذاً يمكن لنا القول بأن سياسية “إسرائيل” الحالية تجاه غزة تتلخص نحو كسب المزيد من الوقت حتى انتهاء الانتخابات الداخلية المعادة، واستكمال بناء الجدار الأمني العازل الأرضي على حدود قطاع غزة والذي من شأنه أن يقوض المقاومة حسب الرؤية الإسرائيلية، لكن الحالة السياسة غير المستقرة في “إسرائيل” قد تعيد ترتيب أولويات المؤسسة السياسية وتبقي ملف الحرب بعيداً عن الطاولة حتى بعد اتمام الانتخابات وتشكيل الائتلاف الحكومي، لكن ذلك لن ينهي حالة الجدل الدائرة في الأوساط السياسية حول غزة ومستقبلها.

*
خلاصة الأمر، نرى بأن “إسرائيل” لا تملك مساحة واسعة للمناورة وباتت تفقد أوراق الضغط التي كانت تمتكلها في التعامل مع قطاع غزة، ولجوؤها إلى بدائل باهتة من شأنها أن ترسي قواعد اشتباك جديدة إن أحسنت المقاومة استغلال هذه الحالة جيداً كما السابق، مما يجعل المؤسسة الإسرائيلية عموماً ونتنياهو خصوصاً في موقف محرج أمام المجتمع الداخلي الإسرائيلي، أضف إلى أن هذه الحالة الدائرة اليوم سجلت فشلاً على الفشل المتراكم في سجل “آفيف كوخافي” رئيس هيئة الأركان الجديد في جيش الاحتلال.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات