الأربعاء 08/مايو/2024

ما السر في انتصارات متكررة لغزة والمقاومة..؟

هشام توفيق

لنفهم السِّيَاقَ..

بعد هزيمة أرباب صفقة القرن فِي الْاِختبَارِ الْأَوَّلِ أَمَامَ جِدَارِ غَزَّة وَالْمُقَاوَمَةِ وَالشَّعْبِ الْفِلَسْطِينِيِّ في معركة مسيرات العودة وحد السيف ومعركة الرحمة، ينتقل أرباب الصفقة إلى مرحلة تصفية القضية الفلسطينية وغزة والمقاومة من جديد بداية كما هو معتاد باستهداف الأمة وقواها الحية المناصرة للقضية والرافضة للصفقة، فكان ولابد من استكمال تمزيق أول مكون أساس رافض للصفقة في المرحلة الثانية وهو مكون “مُقَوِّمَاتُ وَقوَى الْأُمَّةِ الْحَيَّة” التي تتحرك من مختلف الواجهات مُهَدِّدَةً لِأَمْنِ الْكِيَانِ الإسرائيلي ومشروع الاستكبار العالمي ومن بين التحركات المهددة للصفقة والمناصرة للقضية هناك:

– تحركات الشعوب والتحاق أخرى بالشارع رفضا لأنظمة منتوجات المشروع الصهيوني والفرنسي. وهو تحرك يخشاه المشروع الصهيوني لأنه يفتت أحلامه التلمودية بقرب وتلمس مشهد جديد مستقبلي للأمة وهو تحرر أفكارها فأقطارها والتخلص من أنظمة صنعت بإرادة صهيونية واستعمارية من أجل صون زارعة بلفور داخل قلب الأمة.

– تحركات دول مناصرة للقضية كتركيا الرافضة للصفقة ووتيرة تنزيلها مما دفع الاستكبار الصهيوني إلى استدعاء أحجام عربية خليجية لححب تقدم تركيا، واستدعاء قومية فرنسا لعنصرية الماضي الأرمني، واستدعاء أمريكا لإخراج ورقة المتطرفين المتشددين.

– تحركات حراكات شمال إفريقيا في ليبيا والجزائر، وهو تحرك بعثر الأوراق، ففي الوقت الذي تعمل فيه  دول أجنبية وخليجية وعربية على تفتيت شعوب ثارت وأسقطت أنظمة فإن حراكات أخرى في المنطقة وشمال أفريقيا ظهرت في المشهد فهددت اللعبة والخارطة التي رسمتها سايس بيكو وأعاد تجديدها العلو الصهيوني.

وهو ما دفع إلى التفكير في إثخان الجرح في السابقة من الثورات والإعداد للانقلاب على الجديدة.

– تحركات المؤسسات والجمعيات والحركات الإسلامية المناصرة للقضية وتجدد حركاتها وحيويتها التي تقوض من تنزيل مشروع الاستكبار العالمي في الأمة والمنطقة فلابد إذن من توظيف مربع أمريكا ضد الحركات الإسلامية لشيطنتها وضرب عمقها.

هي تسخينات قبلية للاستكبار وأرباب الصفقة تعتمد على “استراتيجية التَّطْهِيرِ قَبْلَ تَنْزِيلِ الصَّفْقَةِ” هي سياسة معمول بها لضرب مقومات الأمة لتستهدف أسَاسَ الْأُمَّةِ وَبَوْصَلَتَهَا وهي القضية الفلسطينية وغزة والمقاومة.
كل هذه العمليات التطهيرية في المنطقة وشمال أفريقيا وضد تركيا والشعوب الحية والمؤسسات والحركات المناصرة للقضية، هي خطوات مدروسة بتدرج وتخطيط منظم لتصفية الأرض من المشوش، للمرور إلى مرحلة كسر جدارات الأمة للتفرغ إلى ضرب غزة والمقاومة أهم جدار مانع من تنزيل الصفقة.

فماذا سيحصل لو تمدد ذراع صفقة القرن على غزة مجددا، ثم ما السر دائماً في انتصار غزة في أي معركة وإن تكالبت عليها قوى عربية ديكتاتورية؟

سِرّ تَجْهَلُهُ الصَّفْقَةُ..
يظن البعض أن غزة قوتها التي حققت انتصارات متتالية في المواجهة القوية ضد العدو الصهيوني
دون انقطاع تختصر منذ عقود في قذائف هاون، أو صناعة أنفاق، أو صواريخ وراجمات، أو خطط عسكرية راقية، أو تكتيك متقن استراتيجي، بل الأمر أكبر من ذلك، وهو الفعل التغييري الذي حير المشروع الصهيوني بل والاستكبار العالمي بما فيه العربي الذي تم استدعاؤه مؤخرا بقوة للاصطفاف للتقويض من قوة غزة وكسر مكامن القوة والبحث عن أسرارها..

رغم هذا العلو الصهيوني الذي جمع أحجامه وأوراقه الأمريكية والعربية الديكتاتورية في صفقة قرن لتصفية المقاومة وغزة خصوصا، فإن هذا اللفيف الاستكباري ذاق ويلات الانهزام والخسارة أمام قوة المقاومة والشعب الغزي.

السر في نظري كما ذكرت آنفا ليس منحصرا فقط في القوة العسكرية والميدانية والرؤية الاستراتيجية والإرادة الصادقة، وإن كان هذا مطلوبا حضوره ليحقق سنة الله في (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ورباط الخيل)..
السر في نظري هو في قوة حضور جبهة السماء، ومعية الله، وبحضور إيمان قوي في قلوب الغزيين ورجال المقاومة، وهم أعلم مني بذلك تلمسا وتشربا، بل وبحضور مشروع يصنع يقينا في إنسان صامد صاحب علم وفهم يتحول إلى استراتيجية جماعية تربي الشعب على التعلق بالقضية الفلسطينية تعلقا إيمانيا ربانيا شموليا أكثر منه ماديا، وإلى التعلق بالأرض المباركة تعلق الإرادات الراسخة العابدة لا النفوس المتحمسة.

الْقُوَّةُ السِّلَاحِيَّة والقوة الصّلَاحِيَّة
السر يعود فضلا إلى القوة السلاحية إلى وجود قوة صلاحية إيمانية راسخة داخل الإنسان الغزي خصوصا والشعب الفلسطيني عموما، هي قوة رفعت الغزي المقاوم من إنسان عادي في الأرض يأكل وينام  ويصلي إلى إنسان له قضية ومهمة في الأرض تجعله عبدا لله محبا لله وأرضه وأمته، ومتشوفا للوصول إلى مقام العبودية الكاملة المطلوبة لنيل شرف “عبادا لنا” (وَقَضَيْنَا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا (4) فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ ۚ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولًا)..

السر ليس فقط في السلاح، بل في الإنسان الذي يحمل السلاح، فهو إنسان مميز شمولي، فقيه بالعدو وخططه، واع بفهم جامع، أنه مرابط على ثغر الجهاد في رمضان وقبله وبعده، لا للدفاع فقط عن أرض وتراب بل نية الغزي راقية عالية تقوم على وجهتين:

– وِجْهَةُ النِّيَابَةِ : فهو يدافع عن أرضه نيابة عن الشعب الفلسطيني، وفي نفس الوقت في أسمى الصدق والنية، فهو يجدد نيته على أنه نائب عن الأمة بل والبشرية لتخليصها من الداء المؤقت الصهيوني لتعيش بسلام وتعبد الله في أمان.

– وِجْهَةُ التَّعَبُّدِ: في قلب الفلسطيني والغزي نية متجددة أخرى نرجو اقتفاء أثرها وتلمس بركتها، فهم يقولون أننا لا ندافع فقط عن غزة أو عن المسجد الأقصى أو عن حجر فقط، بل نحن نقوم بعبادة الله والتعبد بأمر الرباط والتدافع لنوجه الأمة إلى بوصلة ما هو الداء وسبب تفتت الأمة، وأنه لا مناص من العيش بسلام إلا بزوال هذا المرض ولا زواله إلا بالقوة بمعية قوة الله وقوة الإيمان والتربية والرؤية والتخطيط معا..

بل وترسل غزة رسالة قوية للشعوب أن سر الانتصارات على العدو الإسرائيلي وعلى أحجامه هو بوجود قوة الإيمان وقوة العلم والتغيير الأرضي، وترسل رسالة دائما أن العدو الصهيوني وأحجامه ولو اصطفت علوا أحجامهم في الصفقة، فهم أهون مما يتصور، وأن قوة العدو الصهيوني قوة مهترئة أمام ميزان القوى في غزة. فكأن غزة :

– فاضحة للعدو وأوراقه العربية والأمريكية.
– كاشفة لحقيقته وحجمه الحقيقي للشعب الفلسطيني والأمة.
– مبينة لاستراتيجية التعامل معه ومناجزته.

غَزَّة تَسْتَقْبِلُ رَمَضَان بِطريقَتِهَا..

لكن يوم أمس ومع دخول شهر الطهارة والبركة والغفران خطط العدو الإسرائيلي -ومن ورائه دون شك غرفة عربية استبدادية وأمريكية تترقب – لضرب غزة والمقاومة في أيام مباركة للتقويض من عقيدة وقدسية الأمة وإيمان الشعوب، وزعزعة أشد مقوم وأمل لها وهو بيت المقدس والمقاومة وغزة في هذا الشهر المقدس عند المسلمين.

هذا ما خطط له العدو لما قصف بقوة وقتل الأطفال وهدم المنازل. 

لكنه بقدر شدة غبائه لم يفقه العدو الصهيوني جيداً أن رمضان شهر الرحمان لا يستعد له الإنسان في غزة إلا بمعنيين محفزين مغيرين: 

– معنى الطهارة: فقد ظن العدو الصهيوني أن هذا الشهر هو محطة مقدسة عند المسلمين، وأنه فرصة لضرب “قدسية الزمان لرمضان” مع قدسية “مشروع المقاومة” الذي تتنفس به الأمة وتتفاءل به.

لكن الغباء أنسى العدو أن الشهر هو شهر طهارة وشهر حضور قادم قوي عظيم قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: جاءكم المطهر ..

فهو في فقه المنهاج والسنة الحقيقية زائر صاحب وصالح ومصلح ومطهر للإنسان والميدان للداخل والخارج، يدخل الشهر المطهر على الإنسان كمحطة قوة إيمان وتغيير في الميدان، كمشكاة تتزود منها الروح لتزداد القوة في حركة الأجساد والأنفاق والآفاق.

فهو ليس محطة استراحة وراحة وانزواء ودروشة كما يرصد في فقه بعض علماء سلاطين الصفقة والتطبيع وديدان القراء، بل غزة تستقبل المطهر بفقه جامع وميزان يبعث على تحرير الإنسان مع تحرير الأرض من العدوان.

الْمُطَهِّرُ هنا في فقه غزة يرتشف من فقه الصحابة رضي الله عنهم والفاتحين من جمعوا بين طهارة النفس وتطهير الأرض من دنس العلو الاستكباري.

ولا يتعلم الشعب الفلسطيني وغزة قط من علماء البلاط وأرباب الفتات على الموائد، بل الطهارة في فكرهم حضور شهر مطهر يأتي بطهارة تخلص نفسنا من الأنانية والأعرابية والقعود، وحب الدنيا وكراهية الموت والوهن، إلى طهارة تذكي فينا روح التغيير في الأرض، وتحيي فينا معاني الطهارة الحقيقية الجامعة بين طهارة الإنسان لصناعة الإنسان، وطهارة العمران بالنزول إلى الميدان ومواجهة العدوان.

– معنى التطهير: المعنى الثاني الذي يأتي به صاحبنا المطهر رمضان، وهو معنى التطهير، تطهير النفس والإنسان بالصوم والعبادة لنيل القوة والبركة لتطهير دنس العلو الصهيوني ولفيفه الكياني…

فما يتوهمه العدو والاستكبار هو أن الأمة هي أمة استرخاء وجلوس وقعود وغثائية، وشعوب قصعة ممزقة بجهل وبدع وعقل فارغ منهزم تمت صياغته بفضل جهود مائة سنة من العمل الاستراتيجي لصناعة شعب فلسطيني فاشل مساوم وشعوب منهزمة مخربة مقموعة داخليا.

لكن ما علم الاستكبار العالمي أنه رغم  ضرب المنظومة العقلية والجسدية للإنسان، فهناك قوة من الله وفي عمق الفطرة الإنسانية ما زالت تنهض وتستقيم وتتقوى، بفضل الله، وخيرية هذه الأمة، وقيادة الرجال، التي تعلم الأمة والإنسان الغزي والفلسطيني معاني الطهارة الشمولية من الكتاتيب القرآنية ومجالس العلم ومساجد غزة وأفواه الرجال.

شعب مُرَابِطٌ لِقَرْنٍ مِنَ الزَّمَنِ..

هو فقه الطهارة والتطهير تستعد له الأمة وغزة وفلسطين قبل دخول شهر رمضان بسبعة شهور إيمانا وحضورا في الساحات والميدان والأنفاق، ويترك فيهم الشهر طهارة سبعة أشهر استكمالا لمعنى التدافع والمواجهة والدين الشمولي القائم على حب في الله  وبعض الاستكبار  ومن دنس أمتنا بزرعه وعد بلفور فاشل وقد يفشل ما بعده من وعد آخر  اسمه وعد ترمب ووعد الصفقة..

ختاما..

نقول إن الشعب الفلسطيني والغزي بمعية نصرة الشعوب والأمة ما زال منذ مائة سنة مرابطا صامدا رغم كل أنواع الدنس والوسخ الصهيوني، كل هذا الصمود يعود إلى فكر وفقه توارتثه الأجيال منذ قرن بل وقرون من الزمن هو فقه الطهارة والتطهير.

طهارة الإنسان ببركة القرآن وشهر الرحمان لتحرير النفس من الطغيان الداخلي والأنانية الرافضة للتغيير إلى طهارة تحبب الإصلاح وتطهير الأرض وتحرير العمران من دنس العلو الصهيوني.

ولو تحقق سر هذا الفقه بمشروع في الأمة وفلسطين وغزة، وبعمل دؤوب، وصحبة رجال، وقيادة راشدة، فاعلم أن ثمار مائة سنة من صمودنا أمام الاستكبار،  ستخلف ثمار مئات السنين لتعيش الأمة والبشرية بسلام واستخلاف واستشراف ما بعد زوال ما تسمى “إسرائيل”..

كل هذا يتأتى لو فقهنا معنى (جاءكم المطهر) الذي تحققت فيه أعظم الانتصارات للأمة والفاتحين.

وهو نفس الفهم الذي طهر النفس والعقل لتتيقن أن الانتصارات في الأمة وغزة وفلسطين لن تتحقق إلا بثلاثة انتصارات تطهيرية:

– انتصار على النفوس بقوة الروح والإيمان والتربية الجادة.
– وانتصار بقوة المشروع بالعلم النافع المخطط.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات