الثلاثاء 30/أبريل/2024

أيار.. النكبة

رشيد حسن

ليس هناك من شهر في السنة.. أشد تشاؤماً على الشعب الفلسطيني.. وأشد إثارة للحزن والاحباط، وأشد نكئًا للجراح، والذكريات الأليمة.. ذكريات الفقد والحزن المقيم.. ذكريات النزوح واللجوء والتشرد، والموت في الطرقات في رابعة تموز، والغرق في عرض البحار، ولهيب الصحاري.. في المجاهل.. من شهر أيار.. شهر نكبة النكبات.. أم النكبات.. نكبة 48.

وبمرور 72 عاماً على اقتلاع شعب من أرضه، وهي جريمة كبرى، لا بل أكبر الجرائم، لم تتكرر في التاريخ.. ولم يشهدها التاريخ من قبل، ونجزم أيضاً أنه لن يشهدها من بعد…. تتأكد جملة حقائق أهمها:

إن النكبة مستمرة، بتداعياتها، وارتداداتها الخطيرة، كزلزال بقوة «10» درجات على مقياس ريختر، فهذه النكبة لم تضرب فلسطين لوحدها، وتقتلع شعبها الضاربة جذوره في التاريخ، وصولاً إلى الكنعانيين قبل أكثر من «6» آلاف عام ويزيد.. بل غيرت المنطقة كلها تغييراً جذرياً، وزرعت فيها حرباً لا تنتهي، ما دام العدو الصهيوني يحتل فلسطين، قلب الوطن العربي، وهذه الحروب والتي بدأت وكأنها تنفجر كل عشر سنوات، تطورت، فأصبحت حروباً مستمرة، شاملة مع الشعب الفلسطيني الذي اختار المقاومة ورفض التسليم كعنوان للبقاء، ومع الأمة كلها، لم تستثن أحداً.. حروب قذرة.. بأساليب وأدوات قذرة، شنتها “إسرائيل”، تدعمها وتساندها أميركا ومن لفّ لفّها..

فـ”إسرائيل” أقيمت أصلاً لخدمة المشروع الاستعماري الغربي، فلم تقم كوطن لليهود وحسب، بل حاملة طائرات مجهزة بأحدث الأسلحة.. للانقضاض على الوطن العربي، لإبقائه تحت الرحمة والهيمنة الغربية، يدور في فلك التبعية لواشنطن.

ومن هنا.. مهمة العدو الصهيوني الأولى هي ضرب أية قوة عربية ناشئة تبشر بالوحدة، وتعمل على الخروج من مربع التبعية، وتأخذ زمام الاعتماد على الذات، والأخذ بالعلم كسبيل وحيد للبقاء، للدفاع عن نفسها، ووجودها وتحرير أوطانها…

فضربت مصر-عبدالناصر، وعراق-صدام حسين، ولاحقت علماء الذرة العرب في كل أرجاء المعمورة، لأنهم فكروا ذات يوم أن يكون للعرب قوة نووية قادرة على لجم الوحش النووي الصهيوني المرعب.

ثاني هذه الحقائق هي..
رغم اعتراف الدول العربية بالكيان الصهيوني الغاصب على 78% من أرض فلسطين التاريخية، ورغم تقديم مبادرة سلام عربية، وافقت عليها قمة بيروت.. إذ تؤكد هذه المبارة أن الاعتراف مشروط بإقامة دولة فلسطينية على الأرض المحتلة عام 67، وعاصمتها “القدس الشرقية”، وإخضاع حق العودة بموجب القرار «194» للتفاوض.. وهي سابقة خطيرة جداً، إلا أن العدو رفض هذه المبادرة، ورفض هذا الاعتراف العربي المشروط، ورفض قبل ذلك «أوسلو».. والتي شكلت تنازلاً فلسطبيناً عن 78% من أرض الآباء والأجداد، ورفض ويرفض كافة قرارات الشرعية الدولية التي تعترف بوجود الشعب الفلسطيني وحقه في تقرير المصير وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها “القدس الشرقية”، ويصر العدو على أن فلسطين كلها هي «أرض “إسرائيل” من الماء إلى الماء» كما ينص قانون ما يسمى «بالقومية» الصهيوني، وتعتبر الشعب الفلسطيني مجرد أقلية تعيش على أرض “إسرائيل”، لا حق لها في إقامة دولة، ولا قي تقرير المصير، وإنما في حكم ذاتي.. والبقاء عبيداً وأقناناً في إمبراطورية «نتنياهو».. كعبيد وأقنان روما.

المفارقة المؤلمة..المحزنة هنا.. أن دولاً عربية كافأت العدو على عدوانه المستمر على الشعب الفلسطيني، على عنجهيته وصلفه، وعلى حرب التطهير العرقي التي يشنها على هذا الشعب.. لتهويد القدس ونفيه من وطنه، ففتحت «أوتوستراد» التطبيع بأوسع أبوابه.. ما يعتبر تشجيعاً للعدو للاستمرار في عدوانه على الشعب الفلسطيني وعلى القدس والأقصى. ما أسهم في فوز «نتنياهو» ورموز الصهيونية الفاشية في الانتخابات الأخيرة.

ما طرح سؤالاً استنكارياً كبيراً بحجم فلسطين كلها..

هل السبب وراء هذا الاندفاع نحو تل أبيب، هو قناعة البعض بأن الدعم الأميركي لهم يمر عبر رضى تل أبيب.. وأن “إسرائيل” لم تعد عدواً.. بل دولة جارة..!!

في اعتقادنا لو كان هذا صحيحاً، فإن هذه الانعطافة الخطيرة.. ستكون نتائجها مدمرة على الجميع.. والرابح الوحيد هو العدو.

أما الحقيقة الثالثة.. والتي تشي بها النكبة فهي ما جاء على لسان أهم وأشجع مؤرخ إسرائيلي «ايلان بابيه» وهو يكشف جرائم التطهير العرقي التي ارتكبتها العصابات الصهيونية عام 48، والتي اتخذها «ابن غوريون».. ونفذها مجلس عسكري من «12» ضابطاً، وأدت إلى اقتلاع «800» ألف فلسطيني من وطنهم، وتدمير «531» قرية و«11» حياً مدنياً.

«بابيه» في كتابه «التطهير العرقي في فلسطين» يشير إلى «أن 86% من الشعب الإسرائيلي يؤيدون طرد الشعب الفلسطيني من وطنه».

وذلك عندما طرح السؤال الأهم في نهاية كتابه، وهو: إلى متى يستمر تقتيل الشعب الفلسطيني؟؟..

وأخيراً.. الحقيقة الأهم التي غابت عن الصهاينة ودهاقنتهم، وكبار ساستهم وجنرالاتهم، وأدركها متأخراً رابين وشارون قبل هلاكهم هي:

أن المشروع الصهيوني مأزوم… وفي خطر.. ولن يتحقق ما دام الشعب الفلسطيني يرفع راية الصمود والمقاومة ويرفض المساومة.. ويقبل على الاستشهاد كطريق وحيد للبقاء وطرد الغزاة..

فشعب انتصر على الأقوام التي غزت فلسطين، سينتصر حتماً على الصهاينة، إنه شعب الجبارين كما وصفه الباري عز وجل.

فالظالمون لا يعمرون في فلسطين.. هذا ما علمنا التاريخ، وما «على اليهود إلا أن يعودوا من حيث أتوا»،  كما قالت الصحفية الشجاعة توماس هيلين.

في أيار ننكأ الجرح والذكريات الأليمة التي لا تنتهي.

وفي أيار – النكبة.. نؤكد أن البوصلة التي لا تتجه إلى فلسطين… هي بوصلة مشبوهة.. معطوبة..

صحيفة الدستور الأردنية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

هنية يستقبل وفودًا جزائرية وتركية

هنية يستقبل وفودًا جزائرية وتركية

إسطنبول - المركز الفلسطيني للإعلام استقبل إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، عدة وفود وشخصيات وبحث معهم تطورات الحرب الصهيونية على غزة،...