الإثنين 06/مايو/2024

صفقة تبادل أسرى.. حقيقة واقعة وتنفيذ مؤجل

ياسر مناع

شكّلت صفقة وفاء الأحرار في عام 2011 حدثاً هاماً على الساحة الفلسطينية بشكل عام، وعلى صعيد حركة حماس بذاتها بشكل خاص، حيث تعدّ هذه المرة الأولى التي يخوض فيها فصيل فلسطيني من داخل الأراضي المحتلة مفاوضات تبادل أسرى ناجحة تتضمّن الإفراج عن ما يقارب 1027 أسيرا، عدد منهم أبعد إلى غزة وإلى الخارج، وآخرون عادوا إلى بيوتهم في الضفة، مقابل الإفراج عن الجنديّ الأسير جلعاد شاليط، على الرغم من كون الحدث مفاجئاً لم يمهد له أيّ إرهاص، إلا أنّ الظروف التي وقعت منذ اختطاف “شاليط” وحتى مبادلته، والتي امتدت على مدار 5 سنوات، كانت غير عادية وغير طبيعية تخللها عمليات عسكرية ضد القطاع، ومروراً بحصار لا يزال مفروضاً حتى يومنا هذا. 

وبالتّالي، فإنّ السّؤال الذي يطرح نفسه اليوم: “هل من الممكن أن نشهد حدثاً يفاجئ الجميع كما صفقة وفاء الأحرار -شاليط”؟ وهذا يجرّ المتابع إلى سؤال آخر: هل الظروف الراهنة مواتية حقاً لإبرام صفقة تبادل جديدة؟

في الحقيقة أن الظروف التي أحاطت باختطاف الجندي جلعاد شاليط كانت مختلفة نوعاً ما عن الظروف المحيطة اليوم، سواء على الساحة الدولية، وأهمها وجود إدارة أمريكية منصاعة تماماً للإرادة الإسرائيلية، أو على مستوى الساحة الداخلية الفلسطينية التي أعياها الانقسام بين غزة والضفة.

في هذا المقال أحاول إلقاء الضّوء على طرفي الصّفقة، مضافاً إليهما ما أحاط بالجنود الأسرى لدى المقاومة، بعد أن اشتغل الإعلام في الحديث عن صفقة جديدة قد نشهدها في الأيام القليلة المقبلة، وذلك على النّحو التّالي:
 
حركة حماس
بعد إتمام صفقة تبادل وفاء الأحرار، ارتفعت شعبية الحركة في الشارع الفلسطيني، والتي بدورها أخذت على عاتقها قضية الأسرى، وكسرت القاعدة الإسرائيلية القائلة بعدم الإفراج عن أسرى “أيديهم ملطّخة بالدماء”، وبعد النجاح النوعي الذي حققته في مسألة “شاليط” سواء من الناحية الأمنية المتمثلة في المحافظة عليه، أو من ناحية إدارة المفاوضات، أو الثمن الذي حققته من وراء ذلك كله.

مَثّلَ إعادة اختطاف الأسرى المحررين في الصفقة في صيف عام 2014، ثغرة استغلتها “إسرائيل” لم تخطر ببال حماس مطلقاً، لاسيما أن هنالك أطراف دولية راعية للصفقة، مما جعل الأخيرة تضع شرطاً لا تزال تتمسك به قبل الحديث في أي مفاوضات على الرغم من المرونة والرّغبة في صفقة تبادل جديدة، والمتمثل في الإفراج عن أولئك الأسرى المعاد اعتقالهم دون أي تهمة، ويقدر عددهم بـ 60 أسيراً، كان قد أفرج عن بعضهم بعد انتهاء محكومياتهم السابقة.

وبالتالي فإن عدم إفراج “إسرائيل” عن الأسرى المعاد اعتقالهم، هذا يعني بأننا لا زلنا على مسافة من إبرام أي صفقة.

أضف إلى ذلك ضعف الوسيط الحالي (مصر) – التي تسعى لإنجاز صّفقة من خلال وساطتها، لأنّ ذلك يعزّز من دورها الإقليمي الآخذ بالتراجع أمام الدور التركي والقطري البارز في المنطقة – بين حماس و”إسرائيل”، وعدم قدرتها على إبرام اتفاق تهدئة مؤقت في غزة، لعدم قدرته على ضمان الأخيرة في تنفيذ التفاهمات.
 
“إسرائيل”
تعيش “اسرائيل” في هذه الأيام حالة من التشظي السياسي، وخصوصاً مع اقتراب موعد الانتخابات المزمع عقدها في 8 من الشهر الجاري، يأتي ذلك في ضوء الهجمة الإعلامية التي يتعرض لها نتنياهو بسبب “السياسة الناعمة” في التعامل مع غزة، كما يصفها الساسة في “إسرائيل”.

في ظل الفساد الذي يغرق نتنياهو حتى أخمص قدميه، بالإضافة إلى تلاشي قوة الرّدع الإسرائيليّة أمام غزة، تجعل منه شخصاً غير مستعد لأن يقدم أصواتاً بالمجان، وعلى طبق من ذهب لمنافسيه، وبالتحديد “غانتس”، وبالتالي لن يجرأ في الفترة الحالية على إبرام صفقة تبادل مع حماس، قد يخسر من خلالها الكثير من أصوات الناخبين، لاسيما من المستوطنين.

أضف إلى ذلك ضعف التفاعل والضغط الشعبي في المجتمع الإسرائيلي، وعدم توفر المطالبة الجادة من الرأي العام في إعادة الجنود، يجعل من الأمر غير وارد الآن.

الجنود الأسرى لدى المقاومة
منذ اللحظة الأولى لاختطاف “شاليط” تم الإعلان عن أسره، وبذلك امتلكت “إسرائيل” معلومة أظهرت مصيره، والتي بدورها حددت مجريات المفاوضات فيما بعد، حيث استغرقت قرابة 5 أعوام، وتدرجت على أكثر من مرحلة.

لكن في هذه القضية نرى بأن مصير الجنود مجهولا، في ظل تمسك الطرفين برأييهما، مما يعني أنه لن يكون هنالك تقدم في القضية ما لم يكسر أحدهما جمود موقفهما، مع أنه من المستبعد أن تقوم حماس بذلك، كي تضمن عدم إعادة “إسرائيل” تحت أي ظرف من الظروف اعتقال من يتم الإفراج عنه في الصفقة الجديدة.
 
ختاماً
لا يمكننا القول بأن المعطيات والظروف الحالية مهيأة لإتمام أي صفقة تبادل أسرى في الوقت الحالي، لكن لا يمكن التّقليل من أهميّة الحوارات التي تحاول التهيئة للبدء بمفاوضات قد تؤدي إلى نتائج حقيقية.

والجدير بالذكر أنَّ السّياسة متغيّرة دائماً، ولا توجد أحداث ثابتة، فلربما نشهد أحداثاً تقلب التوقعات والتحليلات رأساً على عقب، تسابق الزمن في إبرام صفقة تبادل جديدة.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات