الأحد 05/مايو/2024

تقدير استراتيجي يستطلع الآفاق المستقبلية لـصفقة القرن الأمريكية

تقدير استراتيجي يستطلع الآفاق المستقبلية لـصفقة القرن الأمريكية

ملخص:

يظهر أن الإدارة الأمريكية تسير نحو الكشف الرسمي عن بنود “صفقة القرن” خلال سنة 2019. وبالرغم من أن ما تسرَّب من هذه البنود لا يصل إلى الحد الأدنى الذي يمكن أن يقبل به أي طرف فلسطيني، بمن في ذلك الأطراف المؤيدة لمسار التسوية السلمية، إلا أن الطرف الأمريكي سيسعى جاهداً إلى إيجاد ميزان قوى محلي وإقليمي ودولي يجعل من رفض الصفقة أمراً متعذراً؛ بينما ستظل الاستجابة للمتطلبات والشروط الإسرائيلية هي جوهر الصفقة.

ومع ذلك، فإن الصفقة تواجه تحديات كبيرة، وإمكانات إفشال حقيقية، وعلى رأسها الرفض الفلسطيني لها، وتراجع البيئة الرسمية العربية الراغبة في التجاوب معها، وعدم حماسة المجتمع الدولي وخصوصاً الاتحاد الأوروبي والصين وروسيا لها؛ بالإضافة إلى المشاكل الداخلية التي يواجهها ترامب، والمشاكل الداخلية التي يواجهها نتنياهو؛ مع احتمالات تصاعد المقاومة الفلسطينية، وحدوث انفجارات في البيئة الإقليمية التي تتميز بحالة من التوتر واللا استقرار.

مقدمة:

منذ أن أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب Donald Trump في تشرين الثاني/ نوفمبر 2016 عن أن لديه “صفقة” لتسوية الصراع العربي الإسرائيلي، تتابعت النشاطات الأمريكية على الجبهات الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية في هذا الإطار، دون الإعلان الرسمي عن “نص رسمي” لبنود هذا المشروع الذي أصبح معروفاً “بصفقة القرن”.[1] ونتيجة لذلك، اعتمدت التحليلات السياسية لمشروع صفقة القرن، غير المعلن رسمياً حتى الآن، على بُعدين هما:

1. التسريبات الصحفية وبعض الإشارات العامة التي ترد على لسان الفريق السياسي الذي أوكل له ترامب جهود إدارة هذا المشروع.

2. الممارسة السياسية الميدانية للولايات المتحدة في الشرق الاوسط واعتبارها مؤشرا على المضمون الفعلي الذي ينطوي عليه ذلك المشروع.

ويبدو أن إخفاء بنود الصفقة حتى الآن، على الرغم من مرور أكثر من سنتين على أول إشارة لها، يستهدف إيجاد بيئة سياسية مواتية في المستوى المحلي (الفلسطيني والإسرائيلي)، والمستوى الإقليمي (العربي بشكل خاص) والدولي (بشكل عام)، من خلال إقناع الأطراف بالبنود واحداً تلو الآخر، ثم الإعلان عن الصفقة بعد ضمان قدر كافٍ من الترويج لها بين القوى الأساسية في المستويات الثلاثة السابقة الذكر، وتكشف تصريحات وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو Michael Pompeo عن الترابط بين الظروف السياسية من ناحية وبين الإعلان عن الصفقة من ناحية أخرى، فقد ذكر في 23/1/2019 أنه لن يتم الإعلان عن بنود المشروع إلا بعد انتهاء الانتخابات الإسرائيلية المقررة في 9/4/2019.[2]

التسريبات الصحفية لبنود الصفقة:

يمكن تحديد البنود الأكثر ترداداً في التسريبات الصحفية أو الإشارات العامة التي ترد على لسان مسؤولين من ذوي العلاقة بالموضوع في البنود التالية:[3]

1. ترك موضوع إقامة دولة فلسطينية إلى جانب “دولة إسرائيل”، أو التوجه نحو دولة واحدة لطرفي النزاع ليقررا ما يناسبهما في هذا الشأن، أي عدم التمسك بالضرورة بحل الدولتين.

2. إن الكيان الفلسطيني، أياً كان شكله النهائي، سيقوم على مساحة تتراوح بين 40-60% من مساحة الضفة الغربية؛ غير أن تسريبات جديدة تحدثت مؤخراً عن 90% من مساحة الضفة.

3. أن تكون بعض ضواحي القدس الشرقية هي عاصمة للكيان الفلسطيني، بينما القدس بكاملها عاصمة لـ”إسرائيل”.

4. تقع مناطق المقدسات الإسلامية في القدس ضمن السيادة الإسرائيلية، على أن تترك “إدارتها” لدول إسلامية مثل الأردن وتركيا والسعودية.

5. يتم تقديم مساعدات دولية لتوطين اللاجئين الفلسطينيين في الدول التي يتواجدون فيها، ومساعدة هذه الدول المضيفة للاجئين من خلال الاستثمارات وغيرها من الأدوات الاقتصادية لتحسين فرص دمج هؤلاء اللاجئين في هذا الاتجاه.

6. ربط الأجزاء التي يقوم عليها الكيان الفلسطيني في الضفة الغربية بقطاع غزة، وتقديم مساعدات دولية لتحسين الظروف الاقتصادية في كل من شقَي الكيان الفلسطيني المقترح.

7. سيكون الكيان الفلسطيني المقترح منزوع السلاح ويقتصر على أجهزة أمنية بتسليح يتناسب مع مهمات الحفاظ على الأمن الداخلي.

8. ضم الكتل الاستيطانية الإسرائيلية الرئيسية في الضفة الغربية لـ”إسرائيل”، بينما يتم تفكيك المستوطنات “العشوائية” أو إخلائها أو خضوعها لسلطة الكيان الفلسطيني.

9. منح الفلسطينيين في مناطق الضفة الغربية التي سيتم ضمها لـ”إسرائيل” الجنسية الإسرائيلية.

10. تواجد عسكري إسرائيلي على طول نهر الأردن من الجانب الغربي للنهر.

11. الاعتراف الفلسطيني بـ”إسرائيل” كـ”دولة يهودية”.

المنظور الأمريكي لتحقيق الصفقة:

يمكن تحديد عدد من المؤشرات التي تشكل البيئة التي يسعى الرئيس الأمريكي ترامب لصنعها لتوفر النجاح لمشروعه، وتتمثل هذه المؤشرات في جوهرها في إيجاد ميزان قوى محلي وإقليمي ودولي يجعل من رفض الصفقة أمراً متعذراً من ناحية، واعتبار الأمن الاسرائيلي هو الدالة المركزية للصفقة من ناحية ثانية.

ولضمان البُعدين السابقين (ميزان القوى والأمن الإسرائيلي) اعتمد ترامب على ما يلي:

أولاً: فريق الصفقة:

فقد تمّ اختيار فريق أمريكي للعمل يؤمن بالمبدأين السابقين ويعمل على صياغة وطرح وتنفيذ الصفقة، ويضم هذا الفريق كلاً من:

1. مايك بومبيو Mike Pompeo: وهو أول شخص في التاريخ الأمريكي ينتقل من رئاسة المخابرات المركزية الأمريكية (سي آي إيه) Central Intelligence Agency (CIA) إلى منصب وزير الخارجية الأمريكي، ويتم تصنيفه بين صقور الإدارة الأمريكية الحالية، وهو من أكثر المسؤولين الأمريكيين انتقاداً لعمليات الطعن التي يقوم بها المقاومون الفلسطينيون في الضفة الغربية، وهو صاحب الدعوة الواضحة الأبعاد بأن تكون “إسرائيل” هي “النموذج المحتذى” لدول الشرق الاوسط.[4] كما أنه الاكثر رفضاً بين المشرعين الجمهوريين لسياسة الرئيس السابق باراك أوباما Barack Obama تجاه إيران لا سيّما في موضوع الاتفاق النووي.[5] وكان من بين أكثر الدعاة لإبقاء سجن جوانتنامو مفتوحاً، وهو الأكثر دفاعاً عن استخدام السي آي إيه التعذيب.[6]

2. جاريد كوشنير Jared Kushner: على الرغم من أنه، طبقاً للصحافة الإسرائيلية، الأقل خبرة بالشرق الأوسط، فقد تمّ اختياره لمهمة تسوية الوضع في الشرق الاوسط،[7] وتشير كل من صحيفة نيويورك تايمز The New York Times الأمريكية والأندبندنت The Independent البريطانية،[8] ووسائل إعلام غربية أخرى، إلى أن كوشنير ينتمي لأسرة يهودية قدمت مؤسساتها “الخيرية” 38 ألف دولار لمساعدة مستوطنة بيت إيل Beit El اليهودية في الضفة الغربية سنة 2013، وهي المستوطنة نفسها التي قدمت لها مؤسسة ترامب 10 آلاف دولار سنة 2003، ويحظى كوشنير بشعبية كبيرة بين المستوطنين في الضفة الغربية والقدس.[9]

3. ديفيد فريدمان David Friedman: السفير الأمريكي في “إسرائيل”، وهو يترأس مجموعة لمساندة مستوطنة بيت إيل السابقة الذكر وهي مجموعة الأصدقاء الأمريكيين لمؤسسات بيت ايل American Friends of Bet El Institutions fundraising group،[10] وكان مستشاراً لترامب في حملته الانتخابية، وهو أول من أعلن قبيل تنصيب ترامب رئيساً أن الولايات المتحدة لا تعتبر إقامة دولة فلسطينية مسألة حيوية للمصالح الأمريكية، وهي مسألة متروكة لتقديرات “إسرائيل”، كما أن ترامب لن يعارض ضم “إسرائيل” لأجزاء من الضفة الغربية لها، كما أن المصلحة الأمريكية هي ضمان أمن “إسرائيل”، وأي سياسة تؤثر سلباً على ذلك يجب تجنبها، وهو يرى أن نموذج غزة وما آلت له الأمور فيها لا يشجع على إقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية.[11]

4. جيسون جرينبلات Jason Greenblatt: وهو الممثل الخاص للرئيس في المفاوضات الدولية منذ كانون الثاني/ يناير 2017 (بما في ذلك الشرق الاوسط). وهو مستشار ترامب للشأن الإسرائيلي، وهو من خصوم أي دور للأمم المتحدة United Nations في فرض حلّ الدولتين ويدعو لترك ذلك للطرفين المعنيين، وهو لا يرى أن المستوطنات تشكل عائقاً أمام “السلام”، وهو يعارض قرارات اليونسكو United Nations Educational Scientific and Cultural Organization (UNESCO) الخاصة بالقدس،[12] وتشير بعض المراجع أن مصادر معلوماته عن المنطقة والصراع العربي الإسرائيلي يتلقاها بشكل رئيسي من مصدرين هما رسائل البريد الإلكتروني القادم من اللوبي اليهودي المعروف بالآيباك American Israel Public Affairs Committee (AIPAC)، وبرنامج إذاعي يشرف عليه رئيس مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية في أمريكا، وهو من المعتقدين أن أنسب طريقة لإعادة الفلسطينيين إلى طاولة المفاوضات هو الضغط الاقتصادي.[13]

5. جون بولتون John Bolton: وهو مستشار الأمن القومي الأمريكي منذ 2018، ويعد من أعتى صقور الإدارة الأمريكية الحالية، فهو معارض شرس لدور الأمم المتحدة في تسوية الصراع، كما أنه من معارضي حلّ الدولتين في الموضوع الفلسطيني، ناهيك عن تأييده لتغيير الأنظمة المعارضة بالقوة، وهو من أشد المؤيدين لنقل السفارة الأمريكية إلى القدس. كما أنه من دعاة إعادة قطاع غزة للسيادة المصرية والضفة الغربية للأردن.[14]

إن ما تمّ عرضه من آراء الفريق الأمريكي الذي يتولى العمل على صياغة وطرح بنود “صفقة القرن” يدل على أنه فريق يتبنى أفكاراً تتسق والنقاط سابقة الذكر التي تسربت لوسائل الإعلام، وقد تظهر بعض الاختلافات في التفاصيل لكن جوهر الاتجاه العام للصفقة سيبقى هو ذاته، خصوصاً إذا اضفنا لها مواقف الرئيس الأمريكي ذاته لا سيّما نقله السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس وهو ما توقعناه في دراسة سابقة،[15] ناهيك عن توجهاته العامة تجاه الصراع والتي تقوم على:[16]

1. أولوية ربط عدم الاستقرار الإقليمي بالدور الإيراني، وليس بانعكاسات الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية، وهو ما يتضح في تزايد التنسيق الأمريكي العربي ضدّ إيران على حساب التنسيق الإقليمي العربي ضدّ “إسرائيل”.

2. أولوية التطبيع العربي مع “إسرائيل” على التسوية السياسية للقضية الفلسطينية، وهو ما تعززه وفود التطبيع وزيارات المسؤولين الإسرائيليين للدول العربية.

3. أولوية البُعد التجاري المالي على البعد السياسي في العلاقات مع الدول العربية.

ثانياً: تشكيل البيئة السياسية للصفقة قبل طرحها:

من الضروري العودة إلى التحليل النفسي لشخصية ترامب خصوصاً في أدائه التفاوضي، فقد أجمعت التقارير العلمية الأمريكية المتخصصة في هذا المجال على أن ترامب “شرس في توظيف كل أدوات القوة التي لديه من بداية التفاوض، ولا يعرف تأنيب الضمير لما يصيب الآخرين من خسائر في التفاوض”.[17]

وتتجلى خطوات الإدارة الأمريكية الحالية في إعداد البيئة التفاوضية في عدد من المؤشرات التي سيكون لها انعكاسها على نتائج أي تفاوض:

1. تشكيل فريق تفاوضي أمريكي يتبنى توجهات الرئيس كما يتضح من المواقف التي أشرنا لها أعلاه.

2. الضغط الدبلوماسي والمالي المتواصل على كل من السلطة الفلسطينية وقطاع غزة، وهو ما يتجلى في الترتيبات التالية:

أ. إغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن في أيلول/ سبتمبر 2019.[18]

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

كتائب القسام تزف شهداءها في طولكرم

كتائب القسام تزف شهداءها في طولكرم

طولكرم - المركز الفلسطيني للإعلام زفّت كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة "حماس"، شهداء طولكرم الذين ارتقوا أمس السبت، بعد أن خاضوا اشتباكًا مسلحًا...