الجمعة 14/يونيو/2024

من صنع الإرهاب اليهودي؟

ياسر مناع

لا يخفى على المتصفح لأوراق التاريخ الحديث بأن تداول مصطلح “الإرهاب اليهودي” لم يكن وليد هذه الأيام، بل إنه اقترن باليهود أثناء وجودهم في أوروبا، وأن احتلال فلسطين في عام 1948 قام أصلاً على ذاك الإرهاب؛ لأن اعتقادهم السائد في تلك الفترة كان يرى بأن تحقيق الهدف السياسي المتمثل بإقامة “إسرائيل” لا يمكن تحقيقه إلا باستخدام العنف ضد السكان الفلسطينيين، وبالتالي فإنه ينبع من أيدولوجية الحركة الصهيونية التي وظفت الدين اليهودي في سبيل أفكارها ومشاريعها، لذلك لا يمكننا أن نرى في هذا “الإرهاب” المستمر شيئاً من ردة الفعل تجاه المجريات السياسية والميدانية عبر الأيام.
 
لعب المستوطنون دوراً هاماً وبارزاً في الثأثير على النظام السياسي في “إسرائيل”، حيث سعت جل الأحزاب اليمينية لنيل رضا دولة المستوطنين، وذلك بالعمل على دعمهم وإطلاق يد العنان لهم دون حسيب أو رقيب، بالإضافة إلى توظيف مقدراتهم في الاعتداءات على الفلسطينيين وممتلكاتهم، إذ باتت تلك الاعتداءات تأخذ طابعاً منظماً ومدروساً وموجهاً لتحقيق أهداف تصب في بحر المصالح السياسية والضغط على الفلسطينيين للقبول بالأمر الواقع، وتسعى جاهدة لضم الضفة الغربية، وتهجير سكان القرى المجاورة للمستوطنات من أراضيهم وفصلهم عن بعضهم البعض.
 
عملت المؤسسة الحكومية بما فيها مؤسسة الجيش بشكل عام وجهاز الشاباك بشكل خاص، على تعزيز وجود جماعات متطرفة أمثال “تدفيع الثمن” و”فتية التلال” بين أوساط المستوطنين تحمل على عاتقها تنفيذ وتبني الاعتداءات على الفلسطينيين، دون حسيب ولا رقيب، حيث يمارس الجيش دوراً هاما أيضاً في حماية تلك الجماعات أثناء تنفيذها الاعتداءات والهجمات على القرى والمناطق الفلسطينية، – لكنه فشل في السيطرة على تلك الجماعات -، أضف إلى ذلك ما يتعرض له الجيش لسيل الانتقادات من قادة المستوطنين متهمة إياه بـ “التسامح” مع الفلسطينيين، حيث لوحظ في الآونة الأخيرة أن هنالك ارتفاعاً في الأصوات داخل مؤسسة الجيش المطالبة بكبح جماح المستوطنين، والحد من اعتداءاتهم لأنها طالت الجيش، كما حدث مع قوة من جيش الاحتلال حينما تعرضت للرشق بالحجارة من مستوطني مستوطنة يتسهار جنوب نابلس، ما نتج عنه إصابة مجندة.
 
وهنالك ارتفاع ملحوظ في مستوى الاعتداءات التي تنفذها مجموعات المستوطنين “فتية التلال” و”تدفيع الثمن”، حيث سجلت قرابة 482 حادثة من ذلك النوع في عام 2018 مقارنة بـ 140 حادثة سجلت في عام 2017، وتشمل تلك الاعتداءات ضرب الفلسطينيين، رشق الحجارة، تخريب المنازل والسيارات، قطع الأشجار في أراضي الفلسطينيين.
 
ويأتي هذا الارتفاع في اعتداءات المستوطنين، نتيجة عدة عوامل:

– تلعب المدارس الدينية الخاصة بالمستوطنين والتي تنتشر في معظم مستوطنات الضفة دوراً محوريا وهاما في التعبئة والتوجيه والتحريض ضد الفلسطينيين، وأهم تلك المدارس؛ مدرسة “يوسي فحاي” الدينية في مستوطنة يتسهار جنوب مدينة نابلس، والتي تعد إحدى معاقل جماعات “تدفيع الثمن”.
 
– وقوف بعض الجمعيات والشخصيات الثرية الإسرائيلية خلف تمويل تلك المدارس الدينية المتطرفة مثل جمعية “متآن”، تترأسها شيري آريسون، عملت على تحول الملايين من الشواقل، لـ”جمعيات وتنظيمات اليمين اليهودي المتطرف، ومن بينها تنظيمات تقدم الدعم لمنفذي الاعتداءات ضد العرب.

– لا تخضع تلك الجماعات للقوانين أو أنظمة المحاكم المعمول بها في دولة الاحتلال، حتى وإن تم تقديمهم للمحاكمة فإنه سرعان ما يتم تبرئتهم والإفراج عنهم دون أي شروط.
 
ختاماً، يتعامل جهاز الشاباك فيما يتعلق بقضية “الإرهاب اليهودي” بنوع من الحساسية العالية، ففي اللحظة التي يرى فيها الشاباك أن الاعتداء يمكن له أن يؤجج ساحة الضفة الغربية الساخنة أصلاً، يعمل بجهد واضح على منعه أو احتجاز المنفذين إن وقع.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات