السبت 18/مايو/2024

ما لم نَقلهُ عن المجلس التشريعي

النائب فتحي القرعاوي

– الانتخابات للمجلس التشريعي كانت بتاريخ 25 كانون الثاني عام 2006 وهذه الانتخابات أحدثت صدمة لحركة فتح التي لم تتوقع هذا الفوز الكاسح لحركة حماس. ومن هنا بدأ التخطيط للانقلاب على المجلس التشريعي مبكرا، لقد فازت حركة حماس بهذه الانتخابات رغم وجود أعداد كبيرة من النواب في السجون الاسرائيلية حيث تم انتخابهم وهم داخل قلاع الأسر، فقد شنت سلطات الاحتلال حملة اعتقالات على الشخصيات البارزة المحسوبة على حركة حماس وذلك لمنعها من الترشح أو الفوز، ورغم ذلك كانت النتيجة كما يعرف الجميع.

– إن المجلس التشريعي الحالي قد بدأت الخطوات لإفشاله منذ لحظاته الأولى، ولذلك عندما رفضت أكثر من جهة وفصيل الدخول في ائتلاف من أجل تشكيل الحكومة العاشرة برئاسة السيد إسماعيل هنية، فاضطر السيد إسماعيل هنية لتشكيل حكومة مصغرة من الكفاءات – التكنوقراط – إلا أن هذه الحكومة تم حصارها داخلياً وخارجياً حيث إنها لم تستطع دفع رواتب الموظفين حيث قال السيد هنيه: استلمت الحكومة العاشرة مديونة بمليار دولار، ثم تداعت الأحداث بعد ذلك بشكل دراماتيكي، ووصلت الى حد الصدام في قطاع غزة والذي نتج عنه الوضع الحالي الذي يعرفه الجميع.

– أما في الضفة الغربية ومع بدايات ظهور لحظة الحقيقة أن حماس قد فازت وتوجه الأعضاء الفائزون إلى مبنى المجلس التشريعي وقد كان عدد كبير من النواب معتقلا لدى الاحتلال وقد بثت الجزيرة مباشر مشهداً صاخباً حينما بدأ الاعتداء من قبل ملثمين على أعضاء المجلس المتواجدين داخل القاعة وتوتر الجو، ومعروف لكل من شاهد البث وجود شخصيات وازنة كانت ملثمة بالكوفيات ثم تم الاعتداء على بعض النواب، كان هذا في الأيام الأولى ومعظم ذلك موثق بالبث المباشر الذي بثته قناة الجزيرة لفترة طويلة إلا أن مقابل هذا التصعيد المتعمد وحالة النقاش الملتهب في بعض القضايا تواصل التصعيد مما أدى إلى مقاطعة حركة فتح وفصائل أخرى جلسات المجلس التشريعي والذي استمر إلى يومنا هذا.

– لكن رغم عدم عقد جلسات المجلس لعدم اكتمال النصاب أو لظروف أخرى استمر التحرش بنواب الضفة من عدة جوانب وكان الهدف واضحاً هو منع النواب من عقد لقاءاتهم ثم منعهم من تفعيل جلسات المجلس أو حتى التواصل مع الناس، وهنا أسوق أمثلة للحصر لأن الأمثلة كثيرة جداً ولا يتسع المجال للتفصيل، فبعد الفوز وتحديداً في يونيو 2006 أقدم الاحتلال على اعتقال معظم النواب من الحركة الإسلامية والذين وصل عددهم مع وزراء من الحكومة العاشرة 51، وتزامن ذلك مع اعتقال معظم أعضاء البلديات والمجالس القروية والمحلية والتي فازت بها حركة حماس.

– ودخل نواب التغيير والإصلاح في محنة جديدة، وهي محنة الاعتقال لدى الاحتلال والنزول إلى المحاكم حيث كانت صعبة وقاسية عليهم وعلى عائلاتهم، فقد كانت المحاكم تستمر ليوم كامل، وأذكر أن بعض المحاكمات استمرت إلى قرابة الساعة العاشرة ليلاً حيث كان كل طرف سواء الادعاء أو الدفاع حريصا على الإدلاء بأدلته.. فقد حشد الادعاء شخصيات قانونية خبيرة بشؤون “الإرهاب” والتي استمر نقاشها لساعات طولية ثم شخصيات أمنية من الشرطة والشاباك وشخصيات أخرى كثيرة، وفي كل جلسة كانت تستدعى شخصيات جديدة لها علاقة بالحركات الإسلامية، وكانت هذه الشخصيات لا تظهر على الجمهور وتبقى في غرفة كرتونية مغلقة وبمعزل عن الجميع باستثناء الدفاع والادعاء والقاضي.

هذه الحالة أرهقت النواب وذويهم الذين كانوا ينتظرون حتى ساعة متأخرة من الليل، وبعد إغلاق محكمة سالم العسكرية وعودة كل الموظفين تبقى قاعة محاكمة النواب لوحدها هي التي تعمل، وفي نهاية المطاف يصدر القرار بتجريم كتلة التغيير والإصلاح واعتبارها تنظيماً يدعم “الإرهاب”، وصدرت أحكام قاسية بحق جميع النواب تراوحت بين 30 إلى 48 شهراً بما في ذلك رئيس المجلس الدكتور عزيز دويك.

– لكن المؤسف والمؤلم أن محاكمة كبرى كهذه لم تلقَ أي اهتمام لدى الرئاسة أو حركة فتح ولو من باب المجاملة، ولو من باب الإعلام والأخبار، ولو من باب أن تقوم الرئاسة بتوكيل محامي للدفاع عن رئيس المجلس التشريعي ونائبه، كل ذلك لم يحصل، ثم إن رئيس المجلس تعرض لوعكة صحية نقلته فيها سلطات السجن إلى المستشفى لأيام، وكان وضعه الصحي صعبا لدرجة أنه لم يقدر على الخروج إلى الساحة لأداء الصلاة، فلم تكلف أي جهة رسمية الاستفسار عن صحة الدكتور عزيز أو على الأقل الاتصال بعائلته للأطمئنان، ثم إن التلفزيون الرسمي الذي يتابع كل الأخبار على الساحة الفلسطينية لم يذكر ولو من باب المجاملة مرض رئيس المجلس ونقله إلى المستشفى..

إن الاعتقالات المتتالية للنواب والتي لا زالت إلى هذه اللحظات لم تتوقف لم تحرك لدى السلطة شعرة واحدة أو بياناً أو حتى خبراً لدى وسائل الإعلام لديهم. إن سجون الاحتلال لم تخلُ من النواب منذ العام 2006 وحتى اللحظة مما أدى وبشكل طبيعي إضافة إلى الإجراءات السابقة إلى تعطيل المجلس.

– توازى مع ذلك منع كافة أعضاء المجلس من أبناء الكتلة من السفر والمشاركة في أي فعاليات أو نشاطات برلمانية خارج حدود الوطن ولا زالوا كذلك.

– ثم لجأت السلطة إلى اعتقال أبناء النواب حتى الذين ليس لهم علاقة بحركة حماس، وبعضهم تعرض لحالات من التعذيب القاسي ولأيام طويلة، وقد تحدث النواب حول هذه المسألة إلى أكثر من جهة، لكن استمرت هذه الإجراءات ضد أبناء النواب إلى هذه الساعة.

– لقد لاحقت الأجهزة الأمنية النواب بشكل واضح من خلال المتابعة والمراقبة وزرع المخبرين أمام منازلهم.. لقد حوصر النواب في الشارع فلم يجرؤ أحد حتى من المعارف والمقربين (على) مصافحتهم أو الوقوف معهم.. لأنه سوف يستدعى أو حتى يعتقل لأيام.. أذكر أني أوصلت أبنائي إلى مكان تجمع الناس الذين ينتظرون لزيارة أبنائهم في سجون الاحتلال، وذلك من أجل زيارة أخيهم في سجن مجدو.. وبطبيعة الحال كان لا بد لك أن تسلم على الناس.. فأصر أحد الباعة هناك أن يقدم لي كأسا من الحليب في حين قمت بشراء بعض الحاجيات للأولاد وهي عبارة عن مأكولات وسندويشات فأصر الرجل على أن يضعها بنفسه في السيارة.. ومرت الأيام وإذا بالذي قدم لي كأس الحليب يلقاني ضاحكا وهو يقول: أتدري أنني لا زلت أدفع ثمن كأس الحليب هذا في مقابلات لا زالت مستمرة عند أحد الأجهزة..! ثم قال لي: للعلم فقط فإن الذي باعك السندويشات لا زال معتقلا ويحقق معه.. ماذا وضعت في سيارة النائب..!!

وفي أحد الأيام زرنا بيت أحد الأخوة كبار السن، وعند خروجنا وكان موسم مدارس اشتريت بعض القرطاسية من دكانه وخرجنا، وكان هذا يوم الخميس ليلة الجمعة لألقاه في المسجد عصر السبت وهو في حالة نفسية صعبة حيث قال لي: الآن أفرجوا عني بعد تحقيق متواصل.. ما الأوراق التي كانت مع النائب حينما كان عندك..؟! وفي أحد الأيام كان لقاء للنواب في رام الله في مكتب نواب رام الله فتفاجأوا وإذا بالأجهزة الأمنية تقف على الباب وتمنع دخولهم وحصل نقاش مطول فطلبوا من كل نائب إبراز هويته للسماح له بالدخول ولمنع حصول الاحتكاك أبرز النواب هوياتهم ودخل النواب إلى المكتب، لكن كانت هناك خطوة أخرى قاسية أنه تم اعتقال كافة مرافقيهم ومنهم عدد كبير كان من أبناء النواب واحتجازهم في مخابرات رام الله، وبدأت الاتصالات على أكثر من صعيد وعلى أعلى المستويات حتى تم اطلاق سراحهم بعد الساعة 12 منتصف الليل.

– محاولة منع النواب من أداء واجبهم؛ وأذكر مثالاً واحداً أنه تم التوافق أن يقوم عدد من النواب بزيارة أسر وعائلات النواب المعتقلين لدى الاحتلال في محافظة بيت لحم وتوجه عدد من السيارات والتي تضم النواب وعائلاتهم إلى بيت لحم حيث كانت الأجهزة الأمنية تقف على مدخل بيت لحم وتمنعهم من دخول المدينة وتحتجزهم هناك ومعهم نساء وأطفال، وكنت شاهدا على على هذه الحادثة، وكان هذا الحدث متزامنا مع جلسة حوار حول موضوع المصالحة في رام الله ضمت عزام الأحمد وآخرين، فتواصل النواب مع المجتمعين ومع الإخوة المصريين في السفارة في رام الله، وقالوا لهم إننا محتجزون في بيت لحم وممنوعون من التحرك، وبعد أكثر من ساعة من الزمن وتدخل المصريين سُمح بالتحرك ولكن برفقة الأجهزة التي دخلت معهم كل بيت بسياراتهم وأفرادهم وكانت تنتظر في ساحة المنزل أو على مدخل الدار، كان هذا في بيت لحم وزعترة وبيت ساحور ومخيم عايدة..

– وفي مشهد آخر توجّه النواب إلى منزل الأستاذ أحمد الحاج علي للاطمئنان على صحته، وكان قد دعاهم لوجبة غداء في بيته، وكانت المفاجأة عندما وصل النواب إلى باب المنزل وجود عشرات من المسلحين من الأجهزة الأمنية على باب المنزل، ولما فتح أبو علي المنزل تقدم أفراد الأجهزة للدخول فوقف في وجههم ومنعهم من الدخول ودخل النواب وبقي أفراد الأجهزة يحاصرون المنزل طوال فترة وجودهم حتى إذا خرجوا تابعتهم الأجهزة في السيارات حتى خرجوا خارج حدود مدينة نابلس، هذا من جانب وهذه لقطات فقط ولا أريد أن أتحدث عما حصل في كل مدينة من مضايقات. ولكن الجانب الآخر هناك معوقات كثيرة أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر أنه تم إغلاق المجلس التشريعي بوجه الدكتور عزيز دويك رئيس المجلس لاستقباله هناك بعد خروجه من السجن، واكتظت الساحة بالمستقبلين من الشخصيات الوطنية وبالإعلام المحلي والخارجي، فاضطر الدكتور عزيز للوقوف على درجات المجلس الخارجية ليخاطب الناس ويجيب على أسئلة الصحافيين، ثم إن الرئاسة لم ترد على أكثر من طلب لعقد ولو جلسة واحدة بخصوص القدس وعمليات التهويد أو الوضع الداخلي الفلسطيني، وأذكر أن أحد المؤتمرات الصحفية التي أراد الدكتور عزيز رئيس المجلس عقدها، تفاجأ بإغلاق الأبواب في وجهه، وأنه قد تم عقد هذا المؤتمر الصحفي في الشارع العام خارج حدود المجلس وأثناء تساقط الأمطار، وانسحبنا بهدوء وهذة أمثلة فقط …

– وهنا كان لا بد أن أشير إلى أن النواب لم يتقاضوا سوى رواتبهم، وأظن أن ذلك حق مشروع في ظل عدم حسم موضوع المجلس، وخلاف ذلك لم يتلقّ النواب مما يسمى بالنثريات وهو أجرة المكاتب أسوة بزملائهم باستثناء ثلاثة أشهر في كل سنة منذ الانتخابات وعندنا معلومات مؤكدة أن الزملاء يتقاضون ذلك كاملاً إضافة إلى مرافقين وأجرة مكاتب ومدراء مكاتب ومصروفات وسفريات إلى الخارج، وهذا كله موثق في مصروفات المجلس التشريعي، كل ذلك حُرم منه نواب التغيير والإصلاح مما اضطرهم إلى إغلاق كل مكاتبهم في الضفة الغربية باستثناء مكتب واحد في رام الله وآخر في الخليل، يدفع النواب تكاليفه وأجرة الموظفين من جيوبهم.

– لقد منع رئيس المجلس أن يكون له سيارة أسوة بسلفه، وهنا لا بد من الإشارة أن كل السيارات التي لدى رئيس المجلس وبقية نواب الكتلة هي ملك خاص لهم دفعوا ثمنها من أموالهم وليس كما يشيع البعض بأنها من السلطة أو المجلس. لقد كان هناك رفض من قبل الرئاسة في أكثر من مرة ومناسبة على تفعيل المجلس، وفي إحدى المرات قال (بديش وجع راس). بقيت الإشارة أن النواب فتحوا مكاتبهم لعدة سنوات ثم قاموا باغلاقها لأنه لم يجرؤ أحد من زيارة مكاتبهم أو حتى الاقتراب منها.. ولعل في قصة الأخ القادم من السعودية الذي وقف بباب مكتبنا في طولكرم يسأل عن بعض الناس فتفاجأ وإذا بأشخاص يحملونه إلى داخل سيارة ليجد نفسه في أحد المقرات الأمنية ويسأل ماذا تريد من النواب وهو لايدري ماذا فعل.. والذي شفع له أنه قريب لعائلة أحد قادة الأجهزة الأمنية..!

هذا جانب بسيط وسريع وموجز، وهو موثق بعضه بالصوت والصورة لما عانى منه أعضاء المجلس التشريعي الذي كان يراه البعض بعبعاً وعقبة وسيطرة لحماس على الجانب التشريعي يجب حصاره والانتهاء منه.

لكن المؤلم والمؤسف أن سهام بعض ذوي القربى والمحبين كانت أكثر مرارة وغصة في الحلق وعن غير وعي عندما اتُّهم النواب بأنهم يتقاضون الرواتب العالية والسيارات الفارهة ولا يقومون بأي فعل، هذه السهام بل والسياط اللاسعة الكثيرة التي كان لدينا إجماع بعدم الرد عليها ونترك الأمر لله ليأتي يوم يعرف فيه الجميع الحقيقة المرة، بقي القول أن عدد سنوات المجلس الاثتني عشرة

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

ارتقاء قائد من كتيبة جنين بقصف للاحتلال

ارتقاء قائد من كتيبة جنين بقصف للاحتلال

جنين – المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية مساء اليوم الجمعة عن ارتقاء شهيد وثمانية إصابات، حيث وصلت إصابة بحالة مستقرة وصلت إلى...