الأربعاء 08/مايو/2024

مسافر يطا .. حكاية صمود في مواجهة التهديد والتهويد

مسافر يطا .. حكاية صمود في مواجهة التهديد والتهويد

في مسافر يطا جنوب الخليل جنوبي الضفة الغربية رحلة حياة من نوع آخر تجسدها حكاية صمود فلسطيني منقطع النظير في خرب تكاد تكون شبيهة بمساكن الإنسان الأول.
في أم الخير وسوسيا والتواني والتبان والحلاوة والفخيت ومنيزل والزويدين والفقير.

تلك الخرب والتجمعات النائية في الجنوب الفلسطيني قصة صراع نحو البقاء لا تنهي .. فالحياة في تلك المناطق مجبولة بالعرق والدم والجوع والفقر والتحدي مع الاحتلال الغاشم، الذي يعمل على اقتلاع الإنسان من جذوره من أرضه التي أحبها ولا يزال يضحي من أجلها.

حكاية صمود
عندما تنتهي بك الطريق الترابية بين الشعاب والأودية والجبال تطل عليك “أم الخير” فترى هياكل لبيوت من اللبن، وبركسات من المعدن تثبتها حجارة من حولها خوفا من انجرافات سيول الماء لها.

وتدب الحياة في كهوفها حيث يعيش الإنسان والبهائم والطيور وتلد النساء داخلها، وفي زوايا الكهف أكوام من الحطب والبرسيم الجاف وشعلة من نار عليها صاج معدني، هو فرن إنتاج الخبز الرقيق (الشراك) المغمس بالدم .. تلكم هي حكاية أناس من لحم ودم وأعصاب، ومشاعر يتحدون صلف الاحتلال الصهيوني الذي دمر المنازل وجرف المزارع وقتل الأطفال وحرق المواشي وسمم البهائم، وكأن العالم أصم لا يسمع ما يجري في مسافر يطا!!.

حكاية الصمود تلك خلفت أمراضا مزمنة لاحتلال ومستوطنين عجزوا بكل ما يملكون من قوة عن اقتلاع الإنسان الفلسطيني في أم الخير وغيرها والذي تعامل مع أرضه على أنها موطنه ورزقه، يسقيها بعرقه ودمه، ويحرص في النهاية أن تكون مدفنا له.


اعتداءات الاحتلال في مسافر يطا

عزائم وتحدٍّ
وبعزيمة لا يهزها رصاص المحتل ولا تقتلعها جرافاته، تؤكد الحاجة وضحة الهذالين (72 عاما) أنها في قمة السعادة والسرور رغم كل ما جرى لأسرتها في خربة أم الخير!! وتقول بلهجتها العامية: هدم جيش اليهود بيتنا الأول، وسكنا في المغارة، ثم عدنا وبنينا بركسا من الصفيح بتبرع بلدية يطا.

وأضافت “ما إلحقنا نفرح وننام فيه ونحمي أولادنا من البرد والمطر حتى جاءت جرافات الاحتلال مرة وهدمته فوق مونتنا .. الطحين والسكر والرز والزيت .. فاضطررنا نرجع للنوم في المغارة وأنجبت فيها ابني محمد .

وتابعت “في الربيع طلعوا الأولاد والبنات يرعوا الغنم، وما رجعوا آخر النهار إلاّ 15 راس من الغنم ماتوا لأن المجرمين المستوطنين كانوا راشين على العشب السم!! حسبنا الله عليهم .. والله يمه لو بنموت كلنا ما خليناهم يفرحوا بأرضنا .. واحنا والزمن وراهم ؟؟”.

تطهير عرقي
تضم مسافر يطا ستة عشر تجمعا سكانيا مقاما على أراضٍ واسعة وممتدة تبلغ مساحتها نحو 65 ألف دونم ، وتعمل قوات الاحتلال على اقتلاع السكان منها كونها قريبة من أماكن تدريب عسكري لجيش الاحتلال.

وأصدرت قوات الاحتلال عدة قرارات عسكرية للاستيلاء على منطقة تضم 12 تجمعا سكانيا تقع في منطقة أطلق عليها الاحتلال منطقة (917) والبالغة مساحتها 35 ألف دونم؛ حيث يعمل الاحتلال على عملية تطهير عرقي تستهدف اقتلاع هؤلاء الفلسطينيين من أراضيهم في تلك المنطقة، لكن إصرارهم وتشبثهم بالأرض رغم الظروف القاسية يحول دون ذلك بسهولة.

ويؤكد نضال أبو عرام رئيس المجلس القروي في مسافر يطا في تصريح خاص لمراسلنا: أن منطقة المسافر كبيرة وواسعة وممتدة تصل إلى أراضي بني النعيم شمالا وتمتد إلى مدينة عراد في النقب جنوبا، وتصل حدودها لنهر الأردن وهي منطقة استراتيجية يعدها الاحتلال مناطق حدودية خطيرة أمنيا ويبلغ عدد سكانها نحو 1800 مواطن يعتاشون على مزروعاتهم وناتج مواشيهم ورغم صعوبة العيش والتحدي فهم متشبثون في أرضهم.


حياة محفوفة بالمخاطرة
ويصف الحاج سليمان الهذالين (75 عاما) الحياة في منطقة المسافر فيقول: أنا من قرية أم الخير الملاصقة لمستوطنة “كرمئيل”، نعيش في قريتنا أنا وعائلتي ومواشينا ولكن الحياة في المنطقة غاية في الصعوبة وفي خطر على أرواحنا ومواشينا لذلك فإن أبناءنا وأحفادنا يسهرون طوال الليل لحماية أنفسهم من هجمات مستوطني مستوطنة “سوسيا” المقامة على أراضينا.

وأضاف “في النهار يبحثون عن بعض المناطق الرعوية لعلهم يجدون ما يطعم أغنامنا، وخاصة بعد أن استولت سلطات الاحتلال على مساحات شاسعة من هذه الأراضي وسمم جزءا من مراعيها، في محاولات حثيثة لدفعنا للرحيل”.

لن نرحل
ويضيف في حديث خاص لمراسلنا مبتدئا بالمثل العربي القائل : “طول عمرك يا جدة وانتي بالشِّدة”!! لقد هجرنا الاحتلال عام 1948م من أراضينا في منطقة عراد في نقب بئر السبع .. – وأشار إليها بأصبع السبابة وكأنه يحن بالعودة إليها-

وقال: لن نرحل من أرضنا، حتى يرث الله الأرض ومن عليها، وإن هذه الأرض أمانة في أعناقنا سنسلمها إلى أبنائنا والأجيال القادمة، دون أن نفرط في شبر منها، أو بحفنة تراب فيها، وإن تفريطنا بأرضنا يعني نكرانا للأجداد، وخيانة لدماء الشهداء الذين سقطوا دفاعا عن هذه الأرض.

انخفاض عدد المواشي
وأكد عبد الهادي حنتش خبير الخرائط والاستيطان في جنوب الضفة الغربية، أن منطقة مسافر يطا تتعرض لعملية تطهير عرقي، من خلال المخططات الإسرائيلية الواضحة لاستهداف أراضيها، بهدف توسيع البؤر الاستيطانية على حسابها، وإقامة بؤر جديدة على رؤوس التلال، مشيرا إلى ممارسات الاحتلال والمستوطنين المتواصلة، والتي أدت إلى انخفاض حاد في عدد المواشي في منطقة مسافر يطا، خاصة بعد مصادرة الأراضي الزراعية والرعوية، والسيطرة على آبار المياه، حيث انخفض عدد المواشي في مسافر يطا من 100 ألف رأس، إلى 40 ألفا فقط.

وأضاف حنتش في حديث خاص لمراسلنا: صمود المواطنين الأسطوري في المسافر حافظ على الأرض، وعرقل مخططات توسيع المستوطنات، وهذا أمر أذهل الاحتلال، لأن الحياة في مسافر يطا صعبة للغاية، ولولا قوة شكيمة الفلسطينيين هناك وإيمانهم بقدسية أرضهم والحفاظ عليها؛ لما كان هناك وجود لهم.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات