السبت 27/أبريل/2024

غزة والانفراجة المتدحرجة في الميزان

علاء  الريماوي

لا يستطيع المراقب لإدارة الأزمة في قطاع غزة، إلا الاعتراف، بأن حماس صنعت من الأوراق القليلة قوة مكنتها من المراكمة لتحقيق إنجازات مرحلية في عدة اتجاهات.

أما الأوراق فكانت عبارة عن جملة أفعال وعوامل على الأرض أهمها:

أولا: مسيرات العودة، التي وقف الاحتلال أمامها عاجزا، خاصة بعد استخدام بعض الوسائل التي أثرت على أمن المستوطنين ومكنة الجيش، كالبالونات والزحف إلى الحدود بالاضافة إلى الإخلال بقواعد الاشتباك التي فرضت في السنوات الماضية في المناطق الحدودية.

ثانيا: تقديم المقاومة بصورة الجيش الشعبي وفق هيكل وطني فيه حماس والجهاد كعمود فقري، وبرضى وشراكة فصائلية بنسخة غزة، مما جعل الاحتلال يدرك بأن الإيغال في الدم، ينذر بحرب واسعة.

ثالثا: استخدام السلاح في أكثر من واقعة، مما جعل الإقليم والاحتلال والإدارة الأمريكية يدركون بأن الانفجار قادم وحدود المواجهة قابلة للاتساع.

رابعاً: مصر واللاعبون فيها وجدوا بأن الانفجار في غزة خطر على الأمن الداخلي خاصة في سيناء الأمر الذي دفع باتجاه حرص الأخيرة على تسكين الحالة الأمنية على المدى القريب، وإن كان على عكس المخطط الكبير في المنطقة.

خامساً: أدركت حماس متغيرات السياسة، وفهمت رؤية الولايات المتحدة وانشغالاتها في ملفات إيران والخليج وسوريا، مما ساعد في تحسين ظروف التحرك وضبط إيقاع التصعيد العام في الأرض الفلسطينية.

السعي للتهدئة في ملف غزة جاء مرتبطا أيضا بالرؤية الإسرائيلية التي اعتبرت غزة معضلة الأمن الحقيقي والباعث للتفجيرفي أي لحظة، مما دفعها للتغيير في شكل التعاطي مع غزة، والتنازل مؤقتا عن فكرة التغيير في البيئة السياسية بعد فشل النظرية التي حملت من بعد أركان الحكومة الصهيونية ولو مؤقتا.

النقاش المجتمعي الأهم لديه هو حقيقة ما أنجز أو ما ينتظر تحقيقه خلال المرحلة القادمة خاصة في ظل الضبابية التي تكتنف الحديث عن تفاهمات بين المقاومة والاحتلال والتي يمكن تلخيصها بالآتي:

أولا: تأصيل الاعتراف بغزة كلاعب محوري في المنطقة وشرعي يعقد اتفاقات التهدئة بعد التصعيد واستخدام القوة الفيزيائية، بإشراف دولي.

ثانيا: كسر الخطوط الحمر في التعامل مع غزة في الجانب المالي، وتمكين البنى السياسية من فتح علاقات يمكنها النمو في حال تطور الاتفاق للمرحلة الثانية والثالثة.

ثالثا: التأكيد على جدوى المنهجية المعتمدة في غزة، والقائمة على تحقيق المطالب من خلال القوة على حساب التفاوض القائم في الضفة الغربية.

رابعا: غزة الآن تعتبر الإنجاز إنجازها، وما حقق بصيغته اليوم هو خلاف لما تريده السلطة، الأمر الذي سيضاعف قوة دخلية لمحور على حساب محور.

خامسا: في حال ثبات التفاهمات، لا يمكن لفتح القدوم إلى غزة إلا عبر بوابة الشراكة رأسا برأس الأمر الذي يصعب على فتح قبوله.

القواعد التي أشرنا إليها نسبية، تعظم في حال التزم الاحتلال، وقدرة المقاومة الحفاظ على أوراقها.

لكن في السياق ذاته لا بد من الإشارة إلى أن دولا في الإقليم والسلطة تسعى لتعطيل خروج التفاهمات حيز التنفيذ، لأسباب مختلفة أهمها الصراع القائم في الشرق بين المحاور، والقوى في المنطقة.

في خلاصة الفهم الاستراتيجي لما يجري سياسيا في غزة، لا بد من التأكيد على أن سعي الاحتلال ومصر يقوم على مبدأ وضع غزة في حضن المقاومة، لإثقالها عبر الملف الإنساني من ماء وكهرباء، ومأكل الناس ومعاشهم، مما سيجعل برأيهم المقاومة مثقلة بهذا الحمل الذي سيضطرها للقبول بتهدئة طويلة بالبعد الزمني.

في المقابل ترى المقاومة بأن ما تم في مسيرات العودة حرب حقيقية، مستمرة، يجب استغلال نتائجها في تحسين الظروف في بيئة غزة، التي خاضت في السنوات العشر حروبا ومواجهات مفتوحة، تحتاج معها تهدئة تمكنها من الصمود والبناء في المشروع الكبير.

ما لدي من معلومات حول الخطوات العملية وإطار التفاهمات، فإنها تقوم على عدة مراحل، بدأت بضبط إيقاع وسائل التظاهر، قابلها دخول المال (المنحة القطرية)، تحسين الكهرباء، سيتلوها التنمية من خلال مشاريع ضخمة عبر الأمم المتحدة، وصولا إلى تبادل للأسرى ووضع إطار لشكل انفتاح غزة خارج القبضة الصهيونية.

تنفيذ الإطار ليس سهلا، ومعيقاته كما أشرنا كبيرة، لكنّ بعضا منه، سيتحقق، خاصة مع قرب الانتخابات الداخلية الإسرائيلية.

الخلاصة: غزة لعبت في التكتيك على بوابة الاستراتيجبة، اليوم يخاطبها العالم ككيان يفرض حاجاته على الطاولة العالمية، لكن للأسف الواقع الفلسطيني من انقسام وتشظٍّ سيجعل كل إنجاز تحت سقف منخفض مهما عظمت النتائج.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات