السبت 25/مايو/2024

مسجد الشيخ علي البكاء في الخليل معلم تراثي مملوكي

مسجد الشيخ علي البكاء في الخليل معلم تراثي مملوكي

ليس غريبًا لمدينة تاريخية قضت نحو ستة آلاف عام من عمرها أن تحتضن جملة من المعالم التاريخية والتراثية والدينية لعصور وأزمان وحقب مضت؛ فمدينة خليل الرحمن العريقة بعبقها التاريخي  تزخر بشواهد على مراحل عدة مرت بها منذ عهود الكنعانيين والعناقيين والبيزنطيين والرومان والصليبيين والمماليك والتي شكلت قبسا حضاريًّا لا زالت معالمه حتى اليوم.

معلم تاريخي

على مشارف حارة الشيخ التاريخية القديمة غربي المسجد الإبراهيمي تقف قبة شامخة لمسجد مملوكي عمره أكثر من ثمانية قرون، ولا زال يصدع بالأذان رغم انتشار الأحياء اليهودية المغتصبة في قلب المدينة.. مئذنة ثمانية في طرازها المعماري تكاد تكون فريدة من نوعها هي الأولى في فلسطين.. إنها مئذنة مسجد الشيخ علي البكاء نسبة للشيخ الصوفي العابد الفدائي القوقازي علي البكاء الذي  جاء للجهاد في فلسطين ولا زال ضريحه داخل أروقة المسجد.


null

دور المماليك

ويعيد المؤرخ الدكتور عدنان أبو تبانة المتخصص في تاريخ الخليل بناء هذا المسجد وتأسيسه لعام 670 هجريًّا؛ حيث بني في عهد الظاهر بيبرس، وأمر ببنائه عز الدين أيدمر العلائي، وكان مسؤولاً إداريًّا في فلسطين وبلاد الشام، وقد سمي بهذا الاسم نسبة للقائد العسكري التقي الورع الشيخ علي البكاء الذي قاتل مع بيبرس في فلسطين.

العلماء في المعركة

وكشف أبو تبانة في حديث خاص لـ”المركز الفلسطيني للإعلام” أن الشيخ البكاء عاش مائة عام وشهد فترة الأيوبيين والمماليك، وكان مقاتلاً شرسًا ومدافعًا فتيًّا عن فلسطين؛ حيث كان أحد أبطال معركة أرسوف، وفي نهاية حياته كبر في السن وتفرغ للعبادة، وكان شيخًا ربانيًّا صاحب كرامات، وفي أيام القحل والمحل كان الناس يستسقون السماء بدعائه فيُمطَرون، وسمي بكاء لكثرة بكائه في عبادته، وكذلك على صديق له شاركه في غالبية حروبه إلا أنه مات على النصرانية، فبنى له الأمير أدمر تلك الزواية التي دفن فيها.


null

التطور العمراني

لكن في العهد المملوكي شهدت الزاوية تطورًا عمرانيًّا مشهودًا كما يقول أبو تبانة، فقد تم بناء مسجد بمئذنة مميزة في عهد الأمير المملوكي (حسام الدين طرنطاي) إبان حكم الملك المنصور بن قلاوون.

تميز مسجد الشيخ على البكاء باتساعه وتعدد أروقته وحجره، ففي ظل الانتداب البريطاني تحول المسجد إلى قاعدة للمقاومة ومقر لها، كما يصف الباحث والمؤرخ في الدراسات الفلسطينية الأستاذ الدكتور تيسير جبارة، الذي كتب دراسات عدة عن تلك المرحلة.

المسجد والمقاومة

يقول جبارة لمراسلنا: “كانت حارة الشيخ حافلة بالمقاتلين والمجاهدين وكان مسجدها مقرًّا لهم، وكان من أبناء تلك الحارة شاب شجاع متوقد اسمه عبد الحليم من عائلة نشأت بجوار مسجد الشيخ علي البكاء هي عائلة الجولاني، وكان يطلق عليه اسم حركي (الشلف) وكان هذا الشلف يجمع الرجال والشباب ويتصل بالمهربين لإدخال سلاح من شرق الأردن لمقاتلة البريطانيين، وعندما يصل السلاح عبر نهر الأردن مرورًا بمسافر يطا وبني النعيم، يستقبله الشلف ويقوم بتخزينه في مسجد الشيخ على البكاء لعدة ليال، وبعدها ينقل على الحمير والخيل إلى مقر قيادة الثورة غربي الخليل في منطقة بين الجبال تسمى ( شعب الملح).


null

ويضيف جبارة: “لعب مسجد الشيخ على البكاء دورًا هامًّا خلال ثورة عام 1936م وخلال الانتفاضات الفلسطينية وكونه ملاصقًا لبيوت حارة الشيخ التاريخية وأزقتها وقناطرها، كان منطلقًا وحاضنة للثوار والمجاهدين، وكانت المنطقة ملاذًا آمنًا لتخزين السلاح في الأزقة المظلمة وبيوتها مثل (حوش أبو السرهد) المظلم الذي يحتاج إلى إنارة كبيرة في النهار.. كل ذلك دعم الثورة والثوار، وكان الملتقى والتجمع دوما هو مسجد الشيخ على البكاء.

مجمع إسلامي

تطور المسجد ليصبح مجمعًا إسلاميًّا كبيرًا يحتضن الكثير من المراكز واللجان. يقول الباحث محمد ذياب أبو صالح، أحد كبار موظفي دائرة الأوقاف في محافظة الخليل،: “لقد تميز مسجد الشيخ على البكاء بتاريخه العريق ودوره المميز ليصبح مركز إشعاع وبؤرة لخدمة المواطنين الفلسطينيين”.


null

وأضاف أبو صالح في حديث خاص لمراسلنا: “مسجد الشيخ على البكاء التاريخي يضم اليوم مركزًا كبيرًا لتحفيظ وتعليم القرآن، يتلقى فيه  نحو 3000 طالب وطالبة علومهم القرآنية، كما يضم المقر الرئيس للجنة الزكاة والصدقات التي تهتم برعاية المئات من الأسر الفقيرة، كما يضم المسجد عيادة طبية كبرى مع مستوصف، وقاعات للمحاضرات العامة”. 
   

null

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات