عاجل

الخميس 16/مايو/2024

تيه فلسطيني ما بين اليأس والأمل

رضوان الأخرس

حكاية الفلسطينيين مع الأمل حكاية ممتدة امتداد تاريخ المآسي الطويل، وحكاياتهم مع الخيبة مثلها، إلا أن أطول أملٍ هو ذاك الذي عاشه اللاجئ في المخيم، وعلى عتبات الوطن في انتظار العودة المأمولة.

كثيرة هي العوائل الفلسطينية التي تركت الموقد مشتعلاً حين غادرت منازلها ساعة النكبة والمجازر، ولم يحملوا معهم إلا النزر اليسير من الأمتعة ظانين أنها مسألة أيام لا أعوام.

تأمّلوا كثيراً وانتظروا وهم يحملون البنادق في الثورة الفلسطينية الكبرى عام ١٩٣٦، إلا أن الخذلان كان أكبر من توقعاتهم، والواقع أكبر من طموحاتهم، فتُرِكوا دون مدد، ووعدوا بالحل من الأنظمة التي توسطت بينهم وبين الإنجليز والعصابات الصهيونية.

فتبخرت الوعود كما تبخرت آمال عبد القادر الحسيني في معركة القسطل، الذي تُرك في أوج انتصاراته بلا نصير، وتبددت كما تبددت الخطابات العربية القومية الرنانة، وحصدتها نيران المدافع، كما فعلت بالجيوش العربية التي انهالت عليها القذائف، بينما كانت في انتظار الأوامر في حرب عام ١٩٤٨.

تلك حلقات متكررة من الأمل تتبعها الخيبة القاسية، هو التاريخ يعيد نفسه اليوم من جديد بشكل مختلف ومضمون واحد، كثيرون قالوا إنهم إلى جانب الشعب الفلسطيني، وقليلون جداً من كانوا بالفعل كذلك.

تقرأ عن ما تقدمه الدول وتتباهى به من أرقام المساعدات، إلا أنك حين تنظر في الواقع ترى فداحة الحال، وقد حققت فلسطين أعلى رقم في البطالة عالميًّا، متقدمة على الكثير من البلاد التي نالت منها الكوارث والمجاعات.

ومن باب الإنصاف والإيضاح، فإن جلّ المساعدات لا كلها تصلُ بجزء كبير للناس، إلا أنها تبقى مساعدات مفعولها مؤقت لا يتجاوز مفعول المسكِّن لإنسان يحتاج إلى عملية جراحية مُلِحّة.

يكتفي الأطباء بمنح المريض بعض الجرعات من المسكنات، لكنهم لا يمتلكون صلاحية استئصال المشكلة بعملية جراحية، وهو الحال ذاته في فلسطين،؛ فنحن شعب يمتلك من الطاقات والخبرات والقدرات ما تؤهله للعمل لا لتلقي المساعدات، فكما أن فلسطين الأعلى في معدل البطالة عالمياً، هي أيضاً من الأقل في نسبة الأمية على مستوى العالم.

لكن بماذا ينهض الإنسان وأرضه محتلة، وسماؤه محتلة، وبحره محتل؟ في واقعه يتعرض للحصار والحرب والسجن والتشريد، وفي مستقبله مهدد، وتاريخه يزيف!

لا يملك إلا الأمل بتغيّر الأحوال، ليبقى يكافح في هذه الحياة، يكافح لحل مشكلاته الشخصية والمشكلة الوطنية العامة، وإن كانت في الأساس مشكلة أو قضية أمة تتناوب عليها وعلى ثرواتها دول «الاستعمار» الغربي، وتتبادل الأدوار في تشكيل عذاباتها المختلفة، بالأساليب الحادة حيناً والناعمة حيناً.

يعجز الإنسان الفلسطيني في مثل هذه الأوقات عن اختيار الشعور الأمثل؛ فهو ما بين واقع يدفعه لليأس، وما بين أفكار حالمة تدفعه للأمل، وإن كان اليأس أقرب إليه إلا أنه يكذّبه على حساب الأمل، ولو كان أشبه بالخيال.

ذلك أنه لا مناص أمامه للبقاء إلا الأمل، يعيش على أمل كسر الحصار في غزة مثلاً حيناً متقطعاً، ولكن ما أقسى وما أخطر وما أغرب أن يبدأ البعض العيش على أمل الحرب أو المواجهة! ذلك الأمل الفادح الذي قد يبدد حالة التيه أو يشكل أملاً للهروب منها.

إن حال غزة من حال القدس والضفة والداخل المحتل، مع تفاوت أشكال المعاناة وأحجامها، هو خِذلان رسمي بشع ذكرنا وصفه في البداية إسقاطاً على حال المريض، إلا أنه وللأسف حتى المسكنات تنقطع وتنحصر وتتراجع في الكثير من الأحيان، حتى تتحول أمنية للمطحونين والمقهورين.

صحيفة العرب القطرية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات