الثلاثاء 30/أبريل/2024

مشروع الكونفدرالية يكشف المستور

محمود الريماوي

تجدّد الحديث، خلال الأسبوعين الماضيين، بين رام الله وعمّان وتل أبيب، عن كونفدرالية أردنية فلسطينية، وهي مسألة تثار بصورة موسمية، منذ أزيد من ثلاثة عقود، وعلى ما قاله ملك الأردن عبد الله الثاني “فإننا نسمع هذا الحديث مرّة كل عام”. أما الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، فكشف أن الأميركيين عرضوا عليه في العام الماضي (2017)، من خلال المبعوثين جاريد كوشنر وجيسون غرينبلات، فكرة إقامة اتحاد كونفدرالي أردني فلسطيني، فاشترط أن تكون “إسرائيل” جزءا من هذا الاتحاد! وهذه الفكرة قال بها عباس من غير أن يسبقها أي تمهيد بشأنها، لدى أيٍّ من مستويات السلطة الفلسطينية. وحتى بعد مضي بضعة أيام على هذا التصريح، وما لاقاه من استهجانٍ فلسطيني، فإنه لم يتم شرح أبعاد هذا المقترح “الخارق”، ودواعي هذا الطرح الكاريكاتيري.
 
على أن مصادر إعلامية إسرائيلية سرّبت، قبل أيام، ما مفاده بأن تل أبيب هي من اقترحت على واشنطن بعث فكرة اتحاد كونفدرالي بين الأردن وفلسطين، وأن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، رحبت بالفكرة وتبنّتها وعرضتها على عباس. أما الأردن فقد جدّد رفضه الفكرة، معتبراً على لسان الملك عبد الله الثاني أن هذه المسألة خط أحمر، مع التشديد على موقف الأردن بالالتزام بحل الدولتين، على أن تكون القدس عاصمة دولة فلسطين. 

وكانت فكرة الكونفدرالية قد نشأت أول مرة في العام 1985 بين كل من الراحلين، الملك الحسين والرئيس ياسر عرفات، في أعقاب انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني السابع عشر في عمّان عام 1984، وكان يُقصد بها شقّ الطريق أمام اعتراف أميركي بمنظمة التحرير، وإشراكها في أية مفاوضات مقبلة، وقد خَفت الحديث عن الكونفدرالية بعد نشوء السلطة الوطنية عام 1994، فيما واظبت عمّان، في ظل قيادة الملك عبد الله الثاني، على وقف التعامل مع الفكرة، ثم رفضها.
 
ويسترعي الانتباه أنه على الرغم من اللقاءات المنتظمة بين القيادتين، الأردنية والفلسطينية، وما يسودها من تفاهم ثنائي، إلا أن الطرفين يتحدّثان كل مرة تقريبا، بطريقة مختلفة حول مسألة الكونفدرالية؛ فالجانب الأردني يعتبر أن المسألة غير مطروحة على أجندته، وأنها خط أحمر، قبل التوصل إلى حل عادل، فيما يتحدث الجانب الفلسطيني بإشارات إيجابية عن مستقبل العلاقات الثنائية، ويبدو منفتحاً على الفكرة الكونفدرالية. 

واعتبرت أوساط إسرائيلية عديدة أن شرط عباس يرمي إلى إفشال الفكرة التي حملها المبعوثان الأميركيان إليه قبل عام. والحال أن الفكرة لم تأت عموميةً، وعلى درجة من الإبهام، بل هي أقرب إلى مشروع، من أهم بنوده بقاء المستوطنات على حالها، واستمرار الاستيلاء الاسرائيلي على القدس، واتخاذها عاصمة للاحتلال، وأن تنتشر قوات أردنية في الضفة الغربية لحماية الحدود مع “إسرائيل”، فيما يُصار لاحقا إلى ربط غزة بمصر أمنياً، مع ترك مسألة السيطرة على غور الأردن في الجانب الفلسطيني معلقة. وهي بنودٌ لن يجد الأردنيون والفلسطينيون عناءً في رفضها، لكن عباس اختار التعبير عن رفضه لها بدعوة تل أبيب إلى الانضمام إليها!. وهي المرة الأولى التي تتم فيها دعوة الدولة العبرية إلى أن تكون جزءًا من كتلة عربية. ولأن عباس دأب على مخاطبة الأميركيين والإسرائيليين، في خطاباته وتصريحاته، قبل أي طرف آخر بمن في ذلك شعبه، فقد كان من الطبيعي أن يستهين بأثر هذا التصريح على شعبه، وعلى الرأي العام العربي. علما أنه يمكن للدولة العبرية أن تنشئ روابط ما (أمنية واقتصادية مثلاً) مع مشروعها هذا للكونفدرالية، بعد أن تطمئن لتحقيق الأهداف الرئيسية للمشروع، ولها أن تدّعي بعدئذٍ أنها استجابت بصورة ما لشرط عباس.

والآن، وبما أن تجديد طرح مشروع الكونفدرالية مبعثه، هذه المرة، تل أبيب، كما كشفت صحيفة هآرتس الإسرائيلية، فإنه يسهل، والحالة هذه، ومع أخذ التوقيت في الاعتبار، وضع هذا المشروع في سياق “صفقة ترمب ـ نتنياهو” المسمّاة صفقة القرن، والتي يجرى تنفيذها من غير الإعلان عن نصّها، فهذا المشروع يكرّس الاستيلاء على القدس، ويقوم بتثبيت الغزو الاستيطاني وإسباغ شرعية عليه، ويضفي فصلاً سياسيا وكيانياً بين الضفة الغربية وقطاع غزة، مع مواكبة ذلك بتصفية قضية اللاجئين، بنزع صفة اللجوء عن غالبية اللاجئين، وإنهاء عمل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، وهي وكالة دولية أنشئت بقرار من الأمم المتحدة عام 1949، وليست أميركية، ودفن مشروع حل الدولتين.

وتسمية المشروع بكونفدرالية في واقع الأمر خادعة ومضللة؛ فالكونفدرالية تقوم بين دول مستقلة، كدول الاتحاد الأوروبي، أو بين كيانات داخلية لا تتعرض إحداها لسيطرةٍ عليها من الخارج أو اقتطاع لجزء من أراضيها، كحال بلجيكا، وحال سويسرا قبل أن تتحول إلى اتحاد فيدرالي، والهدف هو حمل الأردن على نشر قوات له في أجزاء واسعة من الضفة الغربية، وبالذات على الحدود مع الدولة العبرية وعلى أطراف المستوطنات، وليس الهدف أبداً إقامة اتحاد بين كيان فلسطيني مستقل والمملكة الأردنية الهاشمية. والثابت أن الأردن لن يناقش هذا الطرح السقيم الذي يستهدف، في الأساس، إدامة الاحتلال الإسرائيلي، وتصفية قضية الأراضي المحتلة، مع تكليف الأردن بالسهر على أمن الاحتلال. 

في ضوء ذلك، لا تعدو هذه الفكرة المتهافتة أن تكون سوى هذيان سياسي لأقصى اليمين الإسرائيلي، مع السعي إلى خلط الأوراق، وحمل الأطراف المعنية بقضية السلام العادل إلى الانشغال بهذه الفكرة، وإثارة جدلٍ حولها، مع صرف الأنظار عن الغزو الاستيطاني المتمادي، وعن رفض العنصرية الإسرائيلية بصورة جوهرية لمبدأ السلام العادل، وفق القرارات الدولية ذات العلاقة. وخلال ذلك، توجيه ضغوط إلى الأردن، مصحوبة بإغراءات اقتصادية للسير على هذا الطريق، بينما يتم دفع الجانب الفلسطيني إلى الزاوية، وإشعاره بأن رفض التعامل مع إدارة ترمب ومشاريعها يؤدي إلى مضاعفة خسائره بتقزيم الحكم الذاتي القائم على ما هو أدنى منه.

المصدر: العربي الجديد

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

هنية يستقبل وفودًا جزائرية وتركية

هنية يستقبل وفودًا جزائرية وتركية

إسطنبول - المركز الفلسطيني للإعلام استقبل إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، عدة وفود وشخصيات وبحث معهم تطورات الحرب الصهيونية على غزة،...